«لا تقتلني مرتين»...الحب لا يعيش في العالم الافتراضي

  • 12/14/2015
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعد الحب في عصرنا (رسالة في زجاجة) كما في رواية نيكولاس سباركس، لقد جعله العالم الافتراضي رسائل تحلق في الهواء مخترقة الزمان والمكان وعابرة للقارات والمحيطات في لحظات. وقد وظّفت الروائية أسماء الزرعوني في روايتها الجديدة (لا تقتلني مرتين) شيئاً من تداعيات هذا العالم الافتراضي على حياتنا الواقعية. وفي توغلها الهادئ واسترسالها شبه العفوي تجسد لنا صدق مشاعر المرأة ورهافتها وعمقها، كأنك وأنت تتابع الحنين والشغف والشوق المتراكم في قلب البطلة وروحها والتي هي واحدة من نساء هذا العالم الذي نعيشه، تكتشف حجم الظلم الذي يمارسه كل رجل لا يقدّر حنين المرأة ومشاعرها. فبطلتها نورة ابنة الإمارات المدللة عاشقة البحر تذهب للدراسة في مصر، لأول مرة يداهمها الحب، شاب فرض حضوره الأخّاذ عليها فانطبع الموقف، المكان، الزمان، ووجهه، بل وروحه في روحها في مدة قصيرة من الزمن، ثم غاب كل شيء، الحبيب والحلم واللهفة، صار ذكرى ظلت تراودها على مدى ربع قرن، لم تهدأ ولم تسكن، خصوصاً بعد عودتها للوطن وزواجها التقليدي من ابن خالتها الذي يصل سوء تعامله معها حد الضرب، فراغ كبير في روحها وقلبها لم يملأه غير ذاك الخيال لفارس أحلامها الذي اتقد وانطفأ في زمن جد قصير تاركها في حيرة وشوق وأحلام يقظة تسلي بها أوقاتها العصيبة وتفكر في حب يشبه المستحيل. كثفت أسماء الزمن، مرت السنون على مدارج القصة كأنهن أيام، نقلتك إلى الزمن الحاضر المدجج بوسائل الاتصال في ما يسمى بالعالم الافتراضي، وبطلتها نورة تطالع في هاتفها وعلى حين غرة شخص يعرفها بالاسم ويدخل عليها مباغتاً برسالة حب، كان ذلك هو (مهنا) الشاب الكويتي الذي رفض أن يعلن عن اسمه في البداية، ها هو يعلن عن حضوره (الشديد) ليجعلها تعيش دوامة العالم الافتراضي، ولا نريد أن نشي بكل أسرار الرواية ومفاجآتها، بل لنسجل للروائية أسماء الزرعوني قدرتها على الولوج إلى هذا العالم الافتراضي وفي قدرتها الفنية على اختزال الزمن لتشعرك بكينونته حاضراً حراً ومقيداً رحيماً وقاسياً، أيضاً تسرقك الروائية أسماء الزرعوني من حاضرك إلى حاضر آخر له عمق الحياة ولذاعة طعمها، مهارة عالية في السرد وقدرة على الصياغة الفنية في عمل روائي متمثل لشروط الرواية وعوالمها. هناك بدء وانتهاء لرحلة عبرت من خلالها الروائية أسماء الزرعوني عن هموم امرأة، هموم حقيقية لكنك لا تدري هل أن مرجع هذه الهموم وهم أم واقع؟ أم هو واقع تشابك مع الوهم؟، هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تقلب حياتنا رأساً على عقب؟ وهل نحن أقوياء إزاء قوة تيارها أم ضعفاء؟ لقد سبرت الرواية بعمق ما يعتلج في روح المرأة من مشاعر حب يمكن أن تلازمها طوال حياتها، فهي أمينة على هذه المشاعر ووفية لها حتى لو بقيت هذه المشاعر محبوسة بين أضلاعها سنوات طويلة، وهي حين عبرت عن لواعج المرأة وسطوة الحب عليها جعلتها تندفع لكنها في اللحظات الأخيرة تراجعت، فثمة ضوابط موضوعية وأخلاقية تحكم تصرف المرأة الملتزمة. تقول الرواية في ص31 قلّبت في جوالها، أرسل لها رسالة على الخاص، نورة أنا مهنا وأنت نورة التي لم تغب عن بالي أكثر من ربع قرن ممكن أكلمك على الواتس أب؟ ماذا ستقول بعد ربع قرن؟ هل لك أن ترد قلبي الذي خلعته من جسدي في ذلك اليوم؟ أجابها وبكل بساطة قولي ما تقولين ظروفي كانت أقوى من كل شيء. ثم تقول الرواية عن نورة حبست نفسها في دائرة العذاب، قلّبت كل شيء في ذاكرتها: هل هي سعيدة لأنها أخيراً وجدت حبيبها أم هي حزينة لأن سلسلة العذاب سترافقها من جديد، وجدته ولم تجده. تعيد ذكريات قلب محطم، الآن ليس من حقها أن تحب. ثم تعود لتسأل وهل للحب وقت وزمان وكان وعمر؟

مشاركة :