وليد علاء الدين يرصد ملامح المشهد الثقافي الإماراتي

  • 12/14/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد الساحة الثقافية في الإمارات من حين لآخر ميلاد أسماء جديدة تقترن في مجملها مع الحالة الثقافية الإماراتية المتطورة بصورة مستمرة، وقد شغلت الأسماء الجديدة والتجارب الوليدة الكثير من النقاد والمتابعين للمشهد الثقافي الإماراتي الراهن وألهمت الكثير منهم التفكير في جيل يعتبر من رواد المشهد الإماراتي في لحظة من لحظات تشكّله وتطوره، قدّم العديد من الإسهامات الثقافية والإبداعية التي تستحق القراءة والدراسة والبحث في مضمونها الذي يعبّر بجلاء عن مرحلة مهمة في تاريخ الثقافة الإماراتية. هذا الجيل الثقافي المتمكّن استهوى الكاتب والإعلامي وليد علاء الدين ودفعه إلى الغوص في عوالمه الإبداعية الرحبة عبر قراءات نقدية لامست عمق نتاجه الثقافي والإبداعي أصدرها الكاتب مؤخراً تحت عنوان: الكتابة كمعادل للحياة، ووثق فيها تجارب كوكبة من المثقفين والمبدعين الإماراتيين من خلال قراءة فاحصة في تجاربهم، تتبعت أهم مساراتها الإبداعية، وافتتح الدراسة بتجارب الشعراء: حبيب الصايغ، إبراهيم محمد إبراهيم، خالد البدور، منى مطر، وقدّم مقاربات لأعمال كاتبات إماراتيات تميزن بأسلوبهن المتميز، وهن: حسنة الحوسني، فاطمة السويدي، مريم جمعة فرج، أمينة أبو شهاب. كما شملت القراءة بواكير الدراسات النقدية لتجربة السينما المحلية في لحظة تشكّلها الأولى من خلال تجارب خمسة من المخرجين هم: نواف الجناحي، خالد المحمود، هاني الشيباني، صالح كرامة، عبد الله الجنيبي. في هذه القراءة يحلّق وليد علاء الدين في عوالم إبداعية رحبة عصية على الارتياد والتناول، نظراً لتعدّد مجالاتها واتّساع رقعتها وإن كان ثمة خيط ناظم يجمعها يرتبط بالانشغال بالكتابة كمعادل للحياة، الكتابة المعبّرة عن المبدع المهجوس بهمه الذي يصاحبه أنّى حلّ وارتحل، يبوح به خلسة بين سطور قصيدة أو شخوص قصته أو أبطال فيلمه. وتستحوذ تجربة الشاعر حبيب الصايغ، في الواقع، على قسط كبير من هذه الدراسة، عبر استقراء أدبي ونقدي لقصائد الصايغ واستنطاقها بالاتكاء على رؤية عميقة نفذ من خلالها المؤلف إلى هذه التجربة المائزة في المشهد الشعري الإماراتي، فالصايغ، كما يقول المؤلف، شاعر غير اعتيادي، شاعر يمتلك لاقطة حساسة لأضعف ضوء، ينطبع عليها المشهد وفق ما طالعته عيناه. وينطلق المؤلف في مستهل القراءة من سؤال المستقبل من خلال الغوص في ديوان غد، وإشكالية الموت في وردة الكهولة لحبيب الصايغ، مبحراً مع الشاعر في عوالمه الخاصة التي أثثها بالشعر، مستنطقاً صيغها ومفرداتها وألفاظها، وما يتصل منها بدلالة الموت بوصفه قيمة إنسانية من خلال إشكالية في ديوان وردة الكهولة، تلك الإشكالية التي أسّست لعلاقة فكرية عميقة بين الشاعر والموت وتخمرت على مدار خمسة عشر عاماً سبقت صدور الديوان في العام 1995. الموت الذي يأتي في تجربة الصايغ على مستويين، موت الشاعر الخاص، وموت الكائنات الأخرى، وبالجملة فإن الشاعر تغلب على فكرة الموت ؛ فالموت لا يعني الفناء، بقدر ما هو معادل للبقاء والخلود. ويعتبر المؤلف الكتابة عند الصايغ معادلاً للحياة، فهي لكونها كتابة، فهي لغة، والكلام لغة، والكلام عنده يحتل موقعاً خاصاً فريداً، ويحتمل دلالات ترادف الحياة وتعنيها، هو مبرر قوي لها، وهو بديلها، ومعادلها اللغوي، من دونه يجب أن يحل الموت، وإذا حدث ولم يأت هذا الموت المشاكس، ولم تلن ناصية الكلام فهي لحظة النزف فالتوقف لدى الشاعر. ويتوقف المؤلف في تجربة الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم عند ثنائية الرفض والحلم في ديوانه الطريق إلى رأس التل، وهي ثنائية حكمت الرؤية الشعرية لدى إبراهيم بكل ما ترمز إليه، معتبراً أن الهم القومي ما يزال متألقاً بعذاباته في مفردات الشاعر، وما زالت الروح العربية المأزومة تعرب عن تواجدها بشدة بين مفردات قصائده وعباراته ونصوصه كاملة. ويستخلص المؤلف من الصمت المطبق بين حنايا السطور ملامح التجربة الشعرية لدى الشاعر خالد البدور عبر استقراء نقدي في مجموعته شتاء، مؤكداً أنه لا يخلو نص، تقريبا، من نصوصه من حدث/ موقف رئيس يكتسب عمقه ليس من تطوره الدرامي وإنما من تكثيفه وحسه الشعري وبعض الرتوش الجمالية التي تمارس دور اللون والحركة داخل اللقطة بفاعلية مشهودة. كما يستكشف المؤلف مظاهر توظيف الشعر لمواجهة ضجيج الحياة في ديوان ربما هنا لخلود المعلا، مؤكداً أن قصائد الديوان تبدو كأنها رسائل تؤكد بها الشاعرة لنفسها أنها ما زالت قادرة على المقاومة، ورحلة بحث مستمر عن مخرج من المتاهة. ويحلّل المؤلف علاقة الماء بالشعر في مجموعة أوراق الماء للشاعرة منى مطر، لكونها علاقة تستجدي الارتواء وهذا ما تكشفه بوضوح مفردات هذه المجموعة ذات الدلالة المباشرة على العطش. ويغوص المؤلف في مقارباته النقدية في تجارب سردية قصصية لقاصات إماراتيات تميزن بحضورهن الفاعل وكتاباتهن المتميزة، مقدّماً قراءة في المنجز السردي للقاصات الإماراتيات من خلال ثلاثة نماذج رصدت التحولات الاجتماعية بكافة ملابساتها، قصة مرافئ السكن للقاصة فاطمة السويدي، عبَّار للقاصة مريم جمعة فرج، هياج للقاصة أمينة أبو شهاب، بالإضافة إلى قراءة أخرى مفردة لقصة إلى هذه الدرجة من الإعياء للقاصة حسنة الحوسني. بيد أن ما يلفت الانتباه في هذه المقاربات أن المؤلف استطاع باطلاعه الواسع أن يغوص في المشهد الثقافي الإماراتي بكافة تشكيلاته وأجناسه، التي تعبّر في مجملها عن تفاعل الشاعر/ الكاتب مع البيئة المحلية وقضاياها المهمة، كما عاد إلى البدايات الأولى للقصة القصيرة في الإمارات مستعرضاً أبرز روادها ثم مساراتها التي مرّت بها منذ النشأة الأولى. وبالجملة، فقد قدّم المؤلف في هذه الدراسة مقاربات نقدية رصينة رصد فيها علامات المشهد الإماراتي في لحظات تشكّله وتطوره وما اتّسمت به التجارب المعروضة من عمق وتماسك وتعالق مع البيئة المحلية جعلها ترتقي إلى أعلى السلم الثقافي في الإمارات.

مشاركة :