عبدالدائم السلامي يغوص في 'حكاية القارئ حول النص'

  • 5/24/2022
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

لكل قارئ ثقافة تخصه هل ذلك يؤثر على تناول النصوص؟ كيف للكاتب أن ينسج حكاية تخصه بعد أن يطلع على حكاية مكتوبة؟ كيف يتم تناول كل قارئ لذات النص، وكل منهم يقدم قراءة مغايرة كيف يرتأيها؟ من هنا جاءت حكاية القارئ وعليه لكل قارئ ما حكى، محورا لجلسة مؤسسة بحر الثقافة ضمن فعاليات الدورة الـ 31 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والتي استضافت الناقد والمبدع التونسي د.عبدالدائم السلامي الأكاديمي المحاضر بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بمدينة أبوظبي. ونحن في العقد الثالث من الألفية الثالثة، مع المستجد من أدوات العصر وما استجد في عالم القراءة من مواضيع وتطبيقات تواصل وشبكة عنكبوتية نشأت آليات كتابة وتلقي جديدة تجاوزت المكان والزمان، ناقشها وتحدث فيها السلامي في جلسته التي أدارتها الروائية آن الصافي تحت عنوان "حكاية القارئ حول النص". بداية قالت الصافي أن من معطيات هذا العصر نشوء المدن الحاوية للثقافات، الكوزموبوليتان، ويسر السفر وتلاقي الثقافات تماماً كما نحن عليه اللحظة حضوراً بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، جميعنا من خلفيات ثقافية متنوعة ماذا لو قرأنا كتاباً وكل منا كتب عنه أو تحدث عنه، هل سنتفق تماماً على ذات الرأي؟ هل سنحكيه بذات التفاصيل؟ غالباً ستنتج عدة حكايات لذات الحكايا. إن من روائع الأدب العالمي ما كتبه شكسبير وما وصلنا من قصص ألف ليلية وليلة، مع مرور العصور تقرأ ذات القصص وينتج عنها قراءات جديدة يخبرنا عنها القارئ في كل عصر بل في كل عصر ينتج عدة قراءات لذات النص. هنا نحن أمام نماذج خلدتها القراءات بتنوعها لأصالتها وجمالياتها. وتحدث د.عبدالدائم السلامي "يحسُنُ بنا الآن أن نُعيد تدبيرَ علاقتنا بقراءة الأدبِ، لأنّ النقدَ العربي الراهن في رُكونه إلى جهاز منهجي مستورَدٍ قد همّشّ فعلَ القراءة، وأبعدَ القرّاءَ عن أدبنا، بل ونفّرهم منه. القراءةُ حكايةٌ، بل هي مواجهةٌ بين حكايتيْن: حكاية} الكاتب في النصِّ وحكايةِ القارئ بالنصِّ وللنصِّ نفسِه. وإذن: فكلّ قراءةٍ إنما هي صراعُ حكاياتٍ. وكلُّ مَن يَقْدِرُ على الانتصارِ في حكايتِه يسهُلُ عليه الانتصارُ في الواقع. ولكل قارئ ما حكى. ولكننا لن نحكي حكايتَنا للنصوص إلاّ متى كانت لنا قدرةٌ على الحلول فيها حلولَ الشّغفِ بها والرّغبةِ فيها حتى نبلغَ منها غايتَها، أيْ: حتى نُغريَها بحكايتِنا، فالنصوص تلتذّ أيضًا بسماعِ حكايات قرّائها وهم يقرؤونها. وتابع "لذلك نحن لا نجد كاتبا ونصا وقارئا في خلال حَدَثِ القراءة وإنما الموجود هو حالةُ تفاعُلِ كل تلك العناصر وامتزاجَها مع بعضِها بعضا: أيْ لا يُوجد بالضبط إلا حدثُ القراءةِ، أيْ إنّ كلّ شيءٍ يَحُلُّ بكلّ شيء. وعليه، فلا نستطيع الفصل بين القراءة والقارئ، مثلما لا نستطيع الفصل بين الراقصة والرقص كما يقول ييتس. وأعتقد أنّ الإنسانَ لم يُخلَق ليَكتُبَ، فالكتابةَ ترفٌ ثقافيٌّ اُكتُشِفَ في وقتٍ متأخِّرٍ من تاريخ البشرية، وسنتخلّى عن الكتابة قريبا عبر تقنيات تحويل الصوت إلى نص مكتوب، ولكننا لن نقدر على التخلّي عن القراءة. خُلقَ الإنسان ليَقْرأّ الكونَ بكلّ ما فيه. ورأى السلامي أن نصوص الأدب لا توجد بها معرفة علمية: ما يوجد بها غالبا هو المعرفة الجمالية والمعرفة القِيَمية. وهما المعرفتان اللتان لا يقدر النقد الراهن على بلوغهما. وأيّ نقد لا يبلغ القيم التي انعقدت حولها غايةُ النُّصوص ويكتفي بتشريح بنية أجسادها وفرضِ رأي الناقد عليها دونما إظهارٍ منه لمقترحاتها الجمالية والذّوقية والقِيَمية التي تعرضها على القارئ إنما هو نقد غير أدبي، بل هو نقد غير مؤدَّب. وأكد أن النقد الراهن الذي نحن شغوفون به وبتدريس مناهجه لا يعنيه المعنى في الأدب ولا القيمة، أغلب النقد ميال إلى النص في ذاته، والاهتمام ببنيته وشكله دون منظومة قيمه. ولفت إلى أنه خلال انتفاضة ماي 68 بفرنسا، كانت الدعوة إلى التحرّر من كلّ الضوابط الأخلاقية (تعرفون ماذا حدث بالضبط في مجالات الجسد والدين والعائلة: بالنسبة إلى العائلة تمّ التفريط فيها لصالح الحرية الشخصية، تفتيت العائلة، هذه الدعوة وجدت لها صدى في الأدب: فظهر ما بات يُعرف بالنظرية الفرنسية french theory مع سارّوت وبيتور وبارت وفوكو ودولوز وجنيت، وكريستيفا وسولّرز، وداريدا، وغيرهم، وهؤلاء ساهموا في ظهور الرواية الجديدة المتمرّدة على كلّ نظام سرديّ: حيث هشمت مفهوم البطل، وهشمت خطية السرد، وهشمت الحدث السردي ذاته، فتعدّد الرواة في الرواية الواحدة حتى انفجرت حكايتها وصارت شظايا سردية حاملة لأرقام، فلم تكفِهم مقولات الحداثة فتحدّثوا عن ما بعد الحداثة (جان فرانسوا ليوتار: الوضع ما بعد الحداثي): يُنكر وجود القيم العامة،  ومن ثمة ظهرت المبالغة في عزل النص عن واقعه والإيغال في مسائل تقنية لا علاقة لها بالمعنى، وهو ما أدّى إلى موت الحكاية، التي هي جوهر كل سرد، وموت البطل، ثم موت الكاتب، ثم موت الناقد. فماذا يُفيدني مثلا أن أعرف أنّ السرد غير خطّي (بالمناسبة هناك عودة الآن إلى السرد الخطّي)؟ أو أن الراوي عليم أو مشارك؟ وأوضح السلامي إنّ في تقديس المناهج النقدية الآن موقفا سلبيا من القارئ: كأن القارئ في القرن الحادي والعشرين قاصرٌ عن إدراك معنى المكتوب، ويحتاج إلى وصيٍّ يأخذ بيده ويدلّه عليه. ولذلك فإن فعل نقادنا العرب إنما هو فعل بدائي: أي محاكاة وشرح، ولم يبلغوا مرحلة التأمّل. وهم إذْ يدافعون بضراوة عن آراء فلاسفة الغرب ونُقّادِه أكثر من الغرب نفسه: هم يدافعون عن فكرة في رأس المنهج وليس عن فكرة في رأس النص، أي: إنّ غاية عملهم هي إثبات صدقية المنهج وليست إثبات أدبيّة النصّ. وختم مؤكدا أنه يستطيع أن يتحدّث يوما كاملا حول القراءة من منظور هذا الأفق الجديد للتعامل مع نصوص الأدب. خالصا إلى أنه لا يجوز حصر قراءة النص بقوالب مصطنعة واستخدام ذات الأدوات أمام كل عمل إبداعي مكتوب، فلكل قارئ حكايته حول النص وثقافته وعوالمه  وله أن يخبرنا بذلك.

مشاركة :