مثل موقف الشباب في لبنان إبان حملات الانتخابات النيابية محركا حقيقيا للتغيير المنشود، حيث دعم هؤلاء المحبطون بسبب التدهور الذي تعرفه الأوضاع الاقتصادية في البلد مستقلين ومعارضين للطبقة السياسية. وأمضى طالب القانون شربل شعيا الأيام التي سبقت الانتخابات النيابية في شوارع العاصمة بيروت يوزّع لافتات تروّج لمرشحين معارضين للسلطة من خارج الطبقة السياسية التقليدية، ومحاولا إقناع والديه بالتصويت لتغيير يحرّر البلاد من قبضة الأحزاب والعائلات المتجذرة. وشربل (21 عاماً) واحد من أبناء جيل وجد في الانتخابات التي جرت في الخامس عشر من مايو فرصة لإحداث فرق ولو بسيط في بلد منهك تتحكّم به أحزاب تقليدية منذ عقود مستفيدة من نظام قائم على المحاصصة بين الطوائف ويكثر فيه التوريث السياسي. وكان الشباب في 2019 محرّك الاحتجاجات التي طالبت برحيل الطبقة السياسية بكاملها متّهمين إياها بالعجز وبالفساد. إلياس جرادة: على الشباب ألّا ييأسوا لأن واجبنا أن نبني لهم وطنا ويقول شربل “يعتقد والدي أنني مثالي أكثر من اللزوم في طريقة تفكيري وأنه من المستحيل إحداث أي تغيير في البلد”. وصوّت والده في الانتخابات لحزب القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية المعارض بشدة لحزب الله والذي يشكّل جزءاً من المشهد السياسي في البلاد منذ الحرب الأهلية (1975 – 1990). ويرفض شربل الانصياع لعدم إيمان والديه بالتغيير، ويقول “هناك هوة بين الأجيال. جيلنا يعرف جيداً أن السياسة التقليدية القائمة على الطائفية لا تنفع بعد اليوم”. وخلال التظاهرات غير المسبوقة في أكتوبر العام 2019، رفع المحتجون شعار “كلن يعني كلن”، في إشارة إلى ضرورة الإطاحة بزعماء الأحزاب السياسية الحاكمة. وبعد مرور أكثر من عامين وجد شربل وشبان كثر غيره في الانتخابات الفرصة المؤاتية لمواصلة تحركهم، فنشطوا في الترويج لمستقلين ومعارضين رفعوا شعارات مظاهرات 2019. وساهموا في إيصال 13 نائباً مستقلاً على الأقل، بينهم طبيب عيون ومحامون ومهندس وأساتذة جامعيون إلى البرلمان الذي بات يضم اليوم كتلاً غير متجانسة لا تحظى أي منها بأكثرية مطلقة. ورغم ذلك لم يتغير المشهد السياسي بشكل جذري. فقد خسر حزب الله، القوة السياسية الأبرز في البلاد التي تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، مع حلفائه الأكثرية البرلمانية، لكنه احتفظ مع حليفته حركة أمل الشيعية بكل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية في البرلمان (27). وفاز حزب القوات اللبنانية، أبرز خصومه، بمقاعد إضافية وبات يشكل كتلة وازنة. وفي دائرة الشوف – عاليه الانتخابية حقّق شربل مراده، إذ فاز ثلاثة مرشحين من لائحة “توحدنا للتغيير” التي صوت لها، وبينهم الأستاذ الجامعي مارك ضو. ويقول ضو (43 عاماً) إن شباناً في العشرينات شكلوا جزءاً مهماً من الحملة الانتخابية للائحته. ويضيف “نحن نتحدث لغة مختلفة عن الأحزاب التقليدية. لا نتحدث لغة طائفية، ولذلك أحبّنا الناس”. ◙ الأحزاب التقليدية تحظى أيضا بمناصرين شباب ◙ الأحزاب التقليدية تحظى أيضا بمناصرين شباب وإن كان من الصعب تحديد نسبة الشباب من الناخبين، إلا أنه من الواضح من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيل الجديد أبدى دعماً كبيراً للنواب المستقلين على حساب الأحزاب التقليدية، وفق ما يقول رئيس مجلس إدارة “ستاتيستيكس ليبانون” ربيع الهبر. ويرى كثيرون في دخول النواب المستقلين الجدد إلى البرلمان تحولاً ملحوظاً، حيث جاء بوجوه جديدة في بلد احتفظ فيه مسؤولون بمناصبهم لعقود وآخرون ورثوا المسؤولية والحكم وحتى النيابة عن آبائهم وعائلاتهم. ويقول النائب الجديد طبيب العيون إلياس جرادة (55 عاماً) إن “أجمل ما رأيت يوم الانتخابات خلال جولتي على مراكز الاقتراع هو أن كل من أتوا إلى خيمنا وقالوا إنهم انتخبوا لائحتنا هم من الشباب والشابات من كل الأطراف والأديان والفئات السياسية”. وجرادة واحد من نائبين فازا في دائرة الجنوب الثالثة، أحد معاقل حزب الله الذي لم ينجح أحد في خرق لوائحه مع حلفائه في هذه المنطقة منذ دخوله إلى البرلمان عام 1992. ويتوجه جرادة للشباب بالقول “رجاء ألّا تيأسوا، لا تتركوا البلد، ابقوا هنا. واجبنا أن نبني لكم وطناً”. واعتاد كارل (30 عاماً) في استحقاقات سابقة أن يضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع، لكن هذه المرة اختلف الأمر. كثيرون يرون في دخول النواب المستقلين الجدد إلى البرلمان تحولاً ملحوظاً، حيث جاء بوجوه جديدة في بلد احتفظ فيه مسؤولون بمناصبهم لعقود وآخرون ورثوا المسؤولية والحكم ويدعم والدا كارل التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية الذي خسر عددا من المقاعد في البرلمان. أما هو فاختار لائحة تضم تحالفاً لنواب مستقلين ومعارضين انبثقوا من تظاهرات 2019. ولم تفز لائحة المستقلين كما كان متوقعاً في منطقة تخضع بشكل كبير لنفوذ حزب الله وحلفائه وغالباً ما يتعرض فيها معارضون وعائلات للترهيب والضغط للبقاء على ولائهم للحزب. ويقول كارل “صحيح أنه كان هناك منحى عام من الشباب لاختيار المستقلين، لكن الجيل القديم ينقل أيضاً صدمات الحرب لأطفاله”. وتحظى الأحزاب التقليدية أيضا بمناصرين شباب. ففي الجنوب أيضا، فشل سامي (21 عاماً) في إقناع والديه بعدم التصويت للائحة حزب الله وحركة أمل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويقول “شعرت أن والدتي اقتنعت، لكن أمراً ما يجعلها تتراجع في كل مرة لتعود إلى معتقداتها”. ولم يتوقع سامي أن يفوز المستقلون بمقعدين في دائرة جنوبية. ويقول “لم يكن هناك أي مجال لطرح بديل عن الأحزاب في منطقتنا. انتخاب مستقلين يخلق على الأقل مساحة ضرورية للنقاش”.
مشاركة :