بكين 23 مايو 2022 (شينخوا) أضاف البيت الأبيض واقعة أخرى إلى قائمة حيله عندما أطلق ما يسمى بـ"الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" يوم الاثنين. وخلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اليابان، إدعى بأن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ سيقود آسيا "إلى القمة" و"يخدم جميع الناس على وجه الأرض". لكن أيا كانت الرؤى الكبرى التي عرضها هو وإدارته لإقناع دول المنطقة بهذه المبادرة لن تغطي على نوايا واشنطن الشريرة للترويج للانقسام والعزلة وتقويض الاستقرار الإقليمي والحفاظ على الهيمنة الأمريكية. وتعهد واشنطن بتعزيز النمو "الشامل" في المنطقة من خلال الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ هو كذبة. إذ أن الشمولية تعني أنه ينبغي منح جميع بلدان المنطقة فرصا وموارد متساوية فيما يتعلق بالمبادرة. لكن المبادرة التي صممتها واشنطن استبعدت منذ اليوم الأول الصين، أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة ومساهم مهم في الاستقرار والتنمية الإقليميين. لقد تقصدت واشنطن أكثر من مجرد عزل الصين. فالفكرة وراء تصميم الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ هي تشكيل كتلة اقتصادية حصرية أخرى بقيادة الولايات المتحدة لاحتواء الصين. ووصفت نشرة وقائع صادرة عن البيت الأبيض في فبراير المبادرة بأنها جزء من حملة أوسع نطاقا "لاستعادة القيادة الأمريكية" في المنطقة من خلال "مواجهة تحديات ملحة" كـ"المنافسة مع الصين". وفي رسالة أرسلت إلى بايدن الأسبوع الماضي، حث 52 عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي على استخدام المبادرة لتعزيز "قدرة أمريكا على التنافس بفعالية مع الصين". وبفكر الحرب الباردة وعقلية الكتل ومنطق الهيمنة، لطالما حاولت واشنطن كبح التطور السريع للصين وعلاقاتها الوثيقة مع الاقتصادات الآسيوية الأخرى. وكما أشار معهد "أميركان إنتربرايز"، فإن الولايات المتحدة تشعر بأنها تخلفت عن الركب فيما يتعلق بأجندة التجارة الإقليمية، تاركة فجوة كبيرة في إستراتيجية آسيا الخاصة بها. وبالتالي، أنشئ الإطار كسلاح جديد لخدمة أهداف واشنطن الجيوسياسية والاقتصادية الخاصة للإبقاء على تحكم طويل الأمد بالمنطقة، من خلال إجبار دول المنطقة على الانحياز إلى أحد الجانبين، وإغرائها بفك الارتباط عن الصين، وتعطيل النظام الاقتصادي الإقليمي الطبيعي. كما أن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذي يزعم أنه يفيد الجميع، هو نسخة أخرى من "أمريكا أولا" التي بالكاد تستطيع تسهيل النمو الاقتصادي في المنطقة. تماما كما ذكر مقال في مجلة ((فورين بوليسي))، فإن المبادرة هي "اتفاق اقتصادي مؤلم بكافة جوانبه وبلا مكاسب". فإزالة التعريفات الجمركية والتعهد بمزيد من الاستثمارات، وهي التزامات صعبة كان يمكن أن تقدمها واشنطن لتحقيق فوائد حقيقية للعديد من الدول الآسيوية، لم تظهر أبدا ضمن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبدلا من ذلك، ومن خلال تشعبات تتسم بالتهرب والترديد الأشد كآبة، حاولت واشنطن صرف انتباه دول المنطقة عن عدم رغبتها في خدمة مصالحها وتشتيتها بوعود ضبابية حتى تتمكن من ضرب بنية التعاون الاقتصادي الإقليمي الحالية، وإفساد التكامل الإقليمي المتزايد التعمق، وتأمين هيمنة اقتصادية مطلقة في المنطقة. علاوة على ذلك، أظهرت واشنطن أدنى قدر من الإخلاص والاحترام تجاه دول المنطقة التي وصفتها مرارا بأنها "شركاء". إذ عندما طرحت المبادرة لأول مرة في العام الماضي، بينت واشنطن أنها ستدعو فقط الدول الإقليمية التي تدعم قيم أمريكا وقواعدها. وبناء على ذلك، وكما كشفت تقارير إعلامية، فقد أخرجت عددا من دول جنوب شرق آسيا من قائمة الدعوات، مثل ميانمار وكمبوديا وبروناي ولاوس. إن المعايير المعلنة للإطار الاقتصادي في مجالات الاقتصاد الرقمي والعمل والإشراف على الأسواق وحماية البيئة ومكافحة الفساد أعلى بكثير من تلك التي حددتها القوانين المحلية في بعض البلدان الإقليمية وحتى الاتفاقيات الدولية. وإذا تم تنفيذ المبادرة، فإنها ستجبر هذه الدول المشاركة على الالتزام بالقواعد التي وضعتها واشنطن بشكل أحادي، وتغيير سياساتها الاقتصادية المحلية لخدمة المصالح الأمريكية فقط. كما أن عدم المساواة في المبادرة جلي أيضا في عملية التصديق عليها. وفي حين اختارت واشنطن أن تستند في التصديق على الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ على أمر تنفيذي رئاسي وأن تتخطى موافقة الكونغرس، فقد طلبت من الدول المشاركة الأخرى استكمال جميع الإجراءات القانونية للانضمام. وبهذه الطريقة، فإنه يمكن لواشنطن أن تتخلى عن التزاماتها وقتما تشاء دون عواقب تذكر. بل ويمكنها حتى تجاهل المبادرة عند تولي إدارة جديدة مهامها. لحسن الحظ، ستكون المبادرة مجرد محاولة أخرى عقيمة من قبل واشنطن لتحويل دول المنطقة إلى بيادق في مخططها لعزل الصين وإدامة الهيمنة. وعلى مدى العقود الماضية، شهدت المنطقة إنجازات وقوة دفع للتنمية السلمية والسليمة التي أوجدتها الجهود المتضافرة لبلدان المنطقة. ولم يأت النمو البالغ 6.3 بالمائة في آسيا في عام 2021 بسهولة وسط جائحة كوفيد-19، حيث يرجع الفضل في ذلك إلى تضامن دول المنطقة والعمل الشاق للشعوب. وعملت المنطقة، التي تحتضن العولمة والتجارة الحرة بالكامل، أيضا على إنشاء منابر تعاون مربحة للجميع وتمتعت بتحرير وتيسير أفضل للتجارة والاستثمار في المنطقة. والواقع أن مصالح بلدان المنطقة مترابطة إلى حد كبير بحيث لا يمكن فك الارتباط بينها دون مواجهة خسائر فادحة. وإدراكا منها لذلك، رفضت العديد من العقول الرصينة في المنطقة إغراءات واشنطن الجوفاء. وأظهر تقرير صدر مؤخرا عن المركز الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والدولية أن بعض الدول الآسيوية أعربت بالفعل عن مخاوفها من أن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ هو "في المقام الأول مسعى سياسي يهدف إلى مواجهة الصين، وليس مبادرة صادقة ومدروسة لتكامل السياسات الاقتصادية". فأي مبادرة اقتصادية جيدة هي محل ترحيب الجميع لأنها تضع التنمية في المقام الأول، وتسعى إلى تحقيق المنفعة المتبادلة، وتكون منفتحة وشاملة للجميع وعملية المنحى. في حين أن أي مبادرة سيئة مآلها الفشل لأنها تخلق فصلا اقتصاديا وحصارا تكنولوجيا واضطرابا صناعيا وتؤدي إلى تفاقم أزمة سلسلة التوريد. وما يعبر عنه الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا في هذا الخصوص.
مشاركة :