الباحث الدكتور السويدي واحد من المثقفين من أبناء خليجنا العربي الذي استشعر دبيب الخطر في مشروع التخلف مازال هذا البحث الدؤوب مشتغلاً على مشروعه في استمرارية أكاديمية وبروح علمية وبحس وطني، استشعر منذ وقت مبكر أن مشاريع التخلف المؤدلجة والمغلقة للترويج والتمرير بغلاف «إسلاموي» أبعد ما يكون عن الإسلام في حقيقة اعتداله وتعايشه وفلسفة تسامحه وعمق علميته. الدكتور جمال سند السويدي ابن هذه الأرض العربية، ومن جيل تفتّح وعيه الثقافي والسياسي الأول مطالع سبعينيات القرن العشرين، وهي مرحلة عربية فاصلة شكلت قطعًا بين مرحلتين؛ مرحلة القومية العربية والأطياف السياسية في تقدميتها المدنية ومحورها الدولة المدنية، ومرحلة التقهقهر والتراجع الفكري العام إلى حيث إنتاج التخلف في شتى أشكاله مشروعًا بديلاً بشروا به تحت عناوين «الإسلام السياسي» المختلفة. داهمنا هذا المشروع وقلب الموازين والمعطيات وساق حيثيات ودفع بخطابات أدلجة التخلف، فدقت نواقيس الخطر لكن لم يسمع لها أحد وسط ضجيج ووسط موجة عاتية وأشكاله الذروة، وأمسك بمفاصل الدولة العربية في عمومها، وتملك الوعي العام من خلال فرض الهيمنة الجمعيات الأهلية والاجتماعية وجميع المناشط، فكانت له الغلبة الفكرية والسياسية. وكان الباحث الدكتور جمال سند السويدي واحدًا من المثقفين من أبناء خليجنا العربي الذي استشعر دبيب الخطر في مشروع التخلف وهو يخترقنا آنذاك بقضه وقضيضه. ومدفوعًا بانتمائه الوطني تصدى مبكرًا وبحسارة تُحسب له لخطر هذه المشاريع، كاشفًا بروح الباحث وبأسلوب الناقد السياسي عن الغطاء وعن الشعار الذي تختبئ خلفه مختلف مشاريع الإسلام السياسي في امتداداتها الأولى، حيث راح يحفر إلى جذورها الأولى الغائرة في ركام التاريخ وكيف أعاد إنتاجها تيار الإسلام السياسي ليدفع بها سلاحًا لتمكينه من مشروع المسكوت عنه والمخفي خلف «الإسلام» وما يندرج تحته من مظاهر «تدين والتزام» دفع بها ذلك المشروع الأخطر لتستولي على وسائل الإعلام والثقافة والتربية وقبل ذلك على التعليم بوصفه ميدان التفريخ والتأهيل والإعداد والتحضير. ومنذ مطلع الثمانينات والتسعينات اصطبغت المرحلة العربية في عمومها بصبغة الإسلام السياسي بشتى تلاوينه الطائفية والعصبوية والفئوية التي استشعر خطورتها وتصاعد مدّها عدد من المثقفين والكتاب العرب فتصدوا لها بدرجات مختلفة في أسلوب المواجهة، وكان جمال السويدي واحدًا منهم رغم انشغاله آنذاك خارج وطنه وخارج المنطقة بالدراسة الاكاديمية العليا، لكنه توجس من الأخطار المحدقة في مشاريع التخلف القادمة بقوة فتنبه ونبه. ولعل روح البحث التأريخي والعلمي في المثقف العروبي والوطني جمال السندي راكمت معرفيًا منذ ذلك الوقت وتلك الفترة أهمية التصدي لمشاريع التخلف بإنتاج مشروع تنويري كبير، يبدأ أول ما يبدأ -وهو الصحيح علميًا وتأصيليًا- في كشف حقائق وتفاصيل ودقائق المشروع التخلفي النقض لمشاريع التنوير والمشاريع المدنية في سيرورة الدلة المدنية بوصفها الحاضن والرافعة للتقدم في معناه الأعمق. وفي «السراب» سفر جمال سند السويدي الضخم والمهم تعرفُ شخصيًا «بوصفي مهمومًا بإنتاج المشروع التنويري العربي ومشتغلاً عليه في حدود إمكاناتي» على باحث «هو البشارة» لإنتاج ما تحتاجه بقوة وإلحاح لحظتنا العربية والخليجية بوجه خاص لكشف الخديعة في مشروع متخلف خطير متدثر الإسلام خديعةً لإغواء الوعي العام.
مشاركة :