بالخشوع والسكينة يفيض قلبك بمجرد سماع قراءات وابتهالات المنشد المصري نصر الدين طوبار الملقب بـ «إمام المبتهلين» والحاضر دائماً في الشعائر الدينية. ولا يقتصر محبو طوبار على المسلمين فقط بل يستمع له ويخطو خطاه الجميع لدرجة أن هناك من يقلده وينشد كلماته من الديانات الأخرى، فصوته العذب الخاشع يُلين القلوب ويجذب هؤلاء عاشقي السكينة والحب. ولسنوات طويلة ظلت ولا تزال ابتهالات طوبار إحدى علامات شهر رمضان المبارك، حيث كانت فقرات أساسية في الإذاعة المصرية وقت دقائق الإفطار قبل أذان المغرب، وكذلك في وقت السحور بابتهالات الفجر التي تمس قلوب كل من يسمعه، ليلقبه البعض بأنه «قيثارة المبتهلين»، حيث قدَّم على مدار حياته نحو 200 ابتهال. ولد نصر الدين طوبار في 7 يونيو 1920 في المنزلة بالدقهلية، ودرس فيها وحفظ القرآن الكريم، وذاع صيته في المحافظة، حيث درس اللغة العربية، ودرس علم القراءات والحديث، حتى نصحه أصدقاؤه بأن يتجه إلى القاهرة للالتحاق بالإذاعة المصرية، وبالفعل استجاب لهم وتوجه لاختبارات الإذاعة لكنه رسب فيها 6 مرات. وأسهمت النشأة الدينية للشيخ طوبار في تربعه على عرش الابتهالات، وتأثر منذ صغره بجده الشيخ شلبي طوبار الذي كان هو الآخر قارئاً للقرآن الكريم، وهو ما ألحقه بتعلم اللغة العربية منذ الصغر ودراسة علم القراءات والحديث. الرسوب عدة مرات في اختبارات الإذاعة كاد أن يُثني طوبار عن شغفه، لكن دعم من حوله دفعه إلى دخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني حتى نجح في المرة السابعة، خاصة بعد لقائه بالموسيقار محمد عبدالوهاب الذي تعلم على يديه المقامات الموسيقية وكان يرى فيه الصوت المميز والحنجرة الذهبية. وبعدها درس طوبار الموسيقى لمدة عام ليدخل عالم الإذاعة كمبتهل، بعد أن نصحه عبد الوهاب بأن يتوجه للموشحات الدينية والابتهالات، كما رأى محمد حسن الشجاعي رئيس الإذاعة وقتها بأنه مكسب للإذاعة المصرية. وعن ذلك، قال طوبار في حوار مسجل له: «أنا كنتُ مُتحفظا في فكرة التقديم للإذاعة لتخوفي من اختباراتها وصعوبة مواجهة مشايخها، لكن زيارتي لبيت الموسيقار محمد عبدالوهاب كانت فارقة في مشواري، حيث نصحني بدراسة المقامات الموسيقية التي أظهرت قدراتي بشكل مميز». وعمل طوبار مشرفاً وقائداً لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر في عام 1980، وشارك في احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة، كما أنشد في قاعة ألبرت هول بلندن وذلك في حفل المؤتمر الإسلامي العالمي، وسافر إلى العديد من الدول العربية والأجنبية، لدرجة أن الصحافة الألمانية كتبت عنه قائلة: «صوت الشيخ نصر الدين طوبار يضرب على أوتار القلوب»، وفيما بعد تم تعيينه قارئا للقرآن الكريم ومنشداً للتواشيح بمسجد الخازنداره بشبرا. 200 ابتهال قدَّم طوبار ما يقرب من مائتي ابتهال للإذاعة المصرية، منها: «يا مالك الملك، مجيب السائلين، جل المنادي، السيدة فاطمة الزهراء، يا سالكين إليه الدرب، يا من له في يثرب، يا بارئ الكون، ما بين زمزم، من ذا الذي بجماله حلاك، سبحانك يا غافر الذنوب، إليك خشوعي، يا ديار الحبيب، طه البشير، لولا الحبيب، كل القلوب إلى الحبيب تميل، سبحان من جعل الأرض قرارا، ربي هو الله، يا من يراني في علاه ولا أراه، تسابيحي، أشرق الحق بالهدى، قصة اليتيم، سبحانك اللهم، بحق طه ترحمني، مؤنسي في وحدتي، يا نصير المظلومين، يا سالكين الدرب». ورحل طوبار بعد مسيرة من الإنشاد والابتهالات عن عمر يناهز 66 عاماً، في 16 نوفمبر 1986، لكن ابتهالاته لا زالت خالدة في وجدان المصريين وموجودة في كل منزل قبل الأذان وفي كل وقت.
مشاركة :