في شقة صغيرة على الهيكل بريف دمشق الشرقي، ينكب أبناء السوري محمد عبدالله الموسى، على كتبهم على أمل أن يكون التعليم هو المخرج الوحيد لانتشالهم من معاناتهم في بلد يشهد حربا منذ العام 2011. وفرت عائلة الموسى البالغ من العمر (35 عاما) من منزلها في مدينة منبج بمحافظة حلب شمال سوريا قبل ثماني سنوات، بحثًا عن ملجأ في حي فقير في مدينة جرمانا شرقي العاصمة دمشق، ويعيش الرجل مع أطفاله الخمسة وزوجته وجدتهم في هذا المسكن. ولم يكن من السهل على هذه الأسرة الاستقرار بعد أن فقدت كل شيء في مدينة منبج، الأمر الذي دفع الأب محمد الموسى للعمل ليل نهار لإعالة زوجته وحماته وأطفاله. وفي نهاية كل يوم بعد عمل شاق، يصعد الموسى، الذي يعمل عتالا في جرمانا درجا غير مكتمل إلى شقته المستأجرة ليجلس بين أطفاله ويتابع شؤون العائلة. وتنقسم شقة الموسى إلى نصفين، غرفة جلوس وغرفة نوم واحدة، حيث يدرس الأطفال فيها ويلعبون وينامون، وليكون المكان أكثر أمانا لهم، قامت العائلة بوضع ورق حائط قاتم اللون على الجدران الإسمنتية لتغطية الثقوب الموجودة في البناء.. وفي غرفة المعيشة، لا يوجد إلا وسائد على الأرض بدون أريكة أو كراسي خشبية أو بلاستيكية أو حتى طاولة، وكذلك غرفة النوم بدون أسرة، فقط وسائد موضوعة على الأرض فوق فرشات إسفنجية. واللافت للنظر أيضا أنه لم تكن هناك ألعاب للأطفال الخمسة الذين يعيشون في المنزل. ومع ذلك كله، يقول الأب إنه يفعل كل ما في وسعه لمساعدة أطفاله في الحصول على تعليم جيد ليكونوا هم الأمل في القادم من الأيام. وأوضح الموسى لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أبذل قصارى جهدي في العمل كي أعيل أطفالي ويتعلموا في المدارس لأضمن لهم مستقبلا أفضل". وتعد ابنته هبة الموسى البالغة من العمر (14 عاما)، وهي في الصف سابع إعدادي، الأمل الأكبر لوالديها الفقيرين، إذ يجدان في هذه الفتاة الذكية المتفوقة في الدراسة، الأمل في مساعدتهما وتخليصهما من الفقر لاحقا. وتتولى هبة تعليم أشقائها الأصغر منها، إذ تؤدي دائما دور المعلم عندما تلعب معهم أو عندما تساعدهم بالفعل في واجباتهم المدرسية. وقالت هبة ل(شينخوا) إن كل ما تفكر فيه هو مواصلة تعليمها ورؤية المدرسة والكتب على أنها الأمل الوحيد للخروج وأشقائها من وضعهم المعيشي الصعب . وأضافت "أود أن أكمل تعليمي حتى أتمكن عندما أكبر من دعم والدي وجعل وضعنا المعيشي أفضل من الآن، وحلمي هو السفر وتحقيق التعليم العالي والحصول على وظيفة جيدة". لكن ليس من السهل الدراسة والتركيز في ظل الوضع الحالي الذي تعيش فيه عائلة هبة، حيث أن الخدمات في منطقتهم رديئة، والكهرباء سيئة لا تأتي سوى ساعتين فقط في اليوم، مما يدفعها إلى إنهاء واجباتها المدرسية في النهار لأنها لا تستطيع الدراسة في المساء. وقالت هبة "أنا أدرس في الصباح لأنه لا يوجد كهرباء في المساء، وضوء المصباح الذي يعمل على البطارية ضعيف للغاية، الشيء الذي يزعجني هو أنني لا أعرف لغات أخرى مثل الإنجليزية أو الفرنسية لأن وضعنا المالي لا يسمح لنا بأخذ دروس أو دورات خاصة لتعلم لغة جديدة، إضافة لذلك والدي وأمي أميان". وعلى غرار هبة يعشق شقيقها عبد الكريم البالغ من العمر (13 عاما) المدرسة. وقال عبد الكريم "لقد تغيبت عامين عن المدرسة بسبب الحرب، وبكيت كثيرا لأنني لم أستطع الذهاب إليها، عندها قرر والداي المغادرة من ريف حلب وأتينا إلى هنا لتسجيلي في المدرسة". وتابع "الحمد لله أنا الآن طالب جيد جدا، آمل أن أكون يوما ما محاميا أو طبيبا لأفيد البلد ووالدي ولأعيش في مسقط رأسي حلب مرة أخرى". وبجانب الدراسة، لم ينتظر عبد الكريم المستقبل لمساعدة والديه، إذ يعمل حاليا في ورشة نجارة. وقال عبد الكريم " أنا أعمل أيضا لكسب المال ومساعدة والدي، وبدأت العمل منذ شهرين لأنني منزعج من الوضع المالي السيئ وعدم قدرتي على تعلم لغة أجنبية جديدة". أما شقيقتهم الأصغر ريهام البالغة من العمر (11 عاما)، وهي بالصف الخامس الابتدائي، فكل ما تريده هو مواصلة تعليمها وتعلم الخياطة لكسب المال ومساعدة الأسرة. وقالت ريهام ل(شينخوا) "التعليم يغير حياتنا للأفضل حتى عندما نكبر يمكننا الحصول على درجات أعلى لمساعدة والدينا، حلمي هو أن أصبح طبيبة لمساعدة والدي والفقراء". وتابعت "أرغب في الحصول على المزيد من المال والحصول على منزل أفضل، وأن ينتهي هذا الوضع السيء، أرغب في الحصول على الكهرباء طوال الوقت ويكون لدى والدي وظائف أفضل أو ربما يسافرون إلى الخارج". ومنذ العام 2011 وُلد في سوريا ما يقرب من خمسة ملايين طفل، حسب ما قال ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في سوريا بو فيكتور نيلوند. وقال نيلوند في مارس الماضي إن هؤلاء الأطفال "لم يعرفوا شيئًا سوى الحرب والصراع، في أجزاء كثيرة من سوريا ما زالوا يعيشون في خوف من العنف والألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب".
مشاركة :