انبرى شباب سعوديون لممارسة العمل في البناء المعماري المديني التاريخي، وسط أحد المجمعات الشهيرة التي تحتضن داخل أروقتها فعاليات البناء العمراني بالطين في المدينة المنورة، إلى جانب مسنين حرفيين امتهنوا البناء بالطين بمهارة على الطريقة العتيقة. وبدا المتسوقون والأطفال في ملتقى التراث العمراني الثالث بالمدينة المنورة، تواقون لمثل هذه البرامج والفعاليات، بل هجروا محال "العلامات التجارية" و"الكوفي شوب" ذات العلامات المشهورة المترامية في كل زاوية من السوق، إلى المشاركة بفاعلية عبر برنامج "البناء بالطين". الأطفال والمتسوقون تركوا محال "الكوفي شوب"، لتلبية رغبة نفسية افتقدوها في الوقت الحاضر، ونظراتهم كانت ترمق التاريخ عبر منازل آبائهم وأجدادهم وكيف كانوا يقطنون وبأي طريقة كانت تبنى؟ والتعايش مع أجواء هذه المنازل البسيطة، ورؤية البنائين وهم يتغنون بكلمات شعرية مفادها يدور حول الصبر على شغف العيش، وبث روح العمل الجماعي، إضافة إلى الألفة والتقارب والمودة والمحبة فيما بينهم آنذاك. محمد ذو التاسعة من عمره طفل يحمل بين يديه الصغيرتين كرة من الطين وفي وجهه ترتسم علامة السعادة لهذا العمل الجميل، يناولها لآخر ستيني مسن تخصص قديماً في البناء العمراني بالطين، الذي بدوره يشرح لمحمد آلية البناء وطريقته في السابق بالمقارنة بوقتنا الحاضر. وغير محمد كثيرون في هذه السوق الحديثة، ممن تدفقوا جملة وتفصيلاً لممارسة العمل بالبناء بالطين بأسلوب مديني، مستمتعين بالأناشيد والأغاني التي يتغنى بها هؤلاء المسنون أثناء تأدية عملهم وواجبهم في البناء العمراني التاريخي، مطالبين أن تستمر وأن تنتشر مثل هذه الفعاليات في جميع المواقع التاريخية في المدينة. أطفال شاركوا بالأعمال الحرفية التاريخية أمس. وفي زاوية أخرى من ساحة الفعاليات في المجمع التجاري، يجتمع أطفال على طاولات صغيرة يشاركون في فعاليات برنامج "لون مع التراث" يهدف إلى التوعية بالآثار والتراث العمراني لدى طلاب المرحلة الابتدائية وأسرهم، عن طريق التلوين في "مجلة لون مع التراث" التي تطرح رسومات لمواقع تراثية عديدة في المملكة منها قصر المصمك في الرياض، والدرعية التاريخية، وقصر الفريد في العلا، وذي عين في الباحة، وقصر شبرا في الطائف، ورجال ألمع في عسير، والبيوت التراثية في نجران، والمدرسة الأميرية في الأحساء، وقلعة القشلة في حائل، والحي القديم في ظهران الجنوب، وبلدة المذنب التراثية في القصيم، وجدة التاريخية، وبلدة الغاط التراثية، ومسجد عمر في الجوف. ويعمل البرنامج الذي أطلقته الهيئة العامة للسياحة والآثار في العام 1432هـ على التوعية بالآثار والتراث عبر استثمار مهارات الرسم والتلوين لدى الأطفال عبر مجلة "لون مع التراث"، والمشاركة في الملتقيات ذات العلاقة بالتراث العمراني، وإقامة معرض "لون مع التراث" داخل المدارس، والاستفادة من حصص التربية الفنية للتعريف بالتراث والآثار والتوعية بها بطريقة غير مباشرة. ويهدف البرنامج - وهو أحد برامج مبادرة البعد الحضاري - إلى إبراز البعد الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتعزيز الانتماء والولاء الوطني، وتوعية الطلاب بالآثار والتراث العمراني الوطني لدى النشء، حيث يستهدف البرنامج طلاب وطالبات المرحلة الابتدائية، وأسر الطلاب والطالبات، وزوار ملتقيات التراث العمراني من فئة الأطفال، وزوار المتاحف من الأطفال. وتعود بداية البرنامج إلى العام 1432هـ، حيث انطلق البرنامج في مرحلته الأولى التي تم خلالها طباعة 500 ألف نسخة من مجلة لون مع التراث، وتوزيعها على طلاب المرحلة الابتدائية، وتنظيم ركن لون مع التراث في سوق "رد سي مول جدة"، بالتزامن مع ملتقى التراث العمراني الأول، وتوزيع 15 ألف نسخة من المجلة أثناء انعقاد الملتقى.
مشاركة :