قالت أوساط سياسية تونسية إن الاتحاد العام التونسي للشغل يريد إصلاحات اقتصادية تمر عبره حتى وإن كان لا يمتلك في الوقت الحالي أي رؤية لهذه الإصلاحات، وهو ما يفسر رفضه المشاركة في اللجنة التي أقرتها مؤسسة رئاسة الجمهورية لصياغة الإصلاحات بمشاركة مختلف المنظمات الاجتماعية وعلى رأسها اتحاد الأعراف واتحاد المزارعين. وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن الاتحاد كانت لديه فرصة ليكون صوتا شعبيا حاضرا في الإصلاحات، لكنه رفض، وهو ينظر بالدرجة الأولى إلى دوره السياسي، وهو دور طارئ ظهر ما بعد ثورة 2011 بسبب ضعف الطبقة السياسية، في حين كان عليه أن ينظر إلى دوره الاقتصادي والاجتماعي ولا يفوت الفرصة ليساهم مع غيره في ضبط الإصلاحات اللازمة. وحذرت هذه الأوساط من أن التلويح بالإضرابات للضغط على الرئيس قيس سعيد قد يؤدي إلى نتائج عكسية تماما، فالاتحاد يعرف قبل غيره أن سعيد لا يتراجع تحت الضغوط أيا كانت الجهة التي تقف وراءها، وهو ما أشار إليه أمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي حين قال الجمعة إن ما يحسب للرئيس سعيد أنه واضح، وأنه يرفض السماع إلى هذا وذاك. ويقول الاتحاد إنه لن يقبل المشاركة في لجنة معينة لم تتم استشارته فيها، وأنه يستعد لتقديم مشروع للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، في وقت يتساءل المراقبون عن جدوى ما يقوم به الاتحاد بنفسه وبعيدا عن الشركاء خاصة أن الفرصة أتيحت له ليكون حاضرا ويقدم مقترحاته. ويرى المراقبون أن غياب البديل الجاهز هو ما دفع الاتحاد إلى المقاطعة لأنه لو كان قد جهز المشروع الذي وعد به منذ سنوات لكان حضر إلى اللجنة وناقش وعدّل واقترح، لكن الآن فعندما يتم استدعاء خبير دستوري مثلا للجان التي أقرها الرئيس سعيد، فإنه قادر على تقديم أفكار وتقييم النص، فيما سيكون موقف الاتحاد ضبابيا، ولأجل ذلك فهو يهرب إلى الانتقادات وتعداد المحاذير بدل تقديم المقترحات. وأصدرت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل الجمعة بيانا قالت فيه إن الاتحاد لم تتمّ استشارته قبل تعيينه في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية وهو رافض للمشاركة في هذه اللجنة ولن يكون له من يمثّله فيها، وعبرت عن استغرابها للإصرار على فرض تصوّر أحادي لن يزيد غير تعميق الأزمة الخانقة التي تتخبّط فيها البلاد.وقال الطبوبي إن المنظمة النقابية لن تشارك في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس سعيد بمرسوم طالما لم تحدث مراجعات بشأنه. وأضاف الطبوبي للصحافيين خلال أشغال الهيئة الإدارية للاتحاد في مدينة الحمامات، إن ما ورد في المرسوم الرئاسي لا يلزم إلا من أمضى عليه ولن يلزم الاتحاد في شيء. وأيد اتحاد الشغل قرارات الرئيس قيس سعيد يوم الخامس والعشرين يوليو الماضي، ومن بينها إعلان التدابير الاستثنائية المستمرة حتى اليوم ومن ثم حل البرلمان وهيئات دستورية أخرى، لكنه يعترض على انفراد الرئيس بتقرير مصير البلاد ويطالب بوضع سياسة تشاركية. والأربعاء أصدر الرئيس التونسي مرسوما لدعوة الناخبين إلى التصويت في استفتاء على دستور جديد للبلاد في الخامس والعشرين من يوليو المقبل، متجاهلا دعوات المعارضة للتراجع عن الخطوة المثيرة للجدل. وجاء المرسوم بعد 5 أيام من إصدار مرسوم آخر يقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، ولجنتين استشاريتين وأخرى لـ”الحوار الوطني” غابت عن جميعها الأحزاب السياسية. ومهمة الهيئة الاستشارية هي الإعداد لتنظيم الاستفتاء. ويعتبر الاتحاد أن المرسوم يفرض قيودا على المشاركين في الحوار ولا يمنحهم دورا فعليا في صياغة القرارات. وقال الطبوبي “يمكن الاختلاف معه (الرئيس) لكن الرجل كان واضحا ويرفض الاستماع لهذا أو ذاك ونحن نحترم هذا.. نحن أيضا واضحون ولن نزج بالاتحاد في المجهول”. وتابع الطبوبي “لن نشارك طالما ليس هناك مراجعات لإنجاح النقاش حول الخيار السياسي والعديد من الأوضاع. نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى أن يلتفّ الجميع حول مشروع وطني”. ويحرص الاتحاد على لعب دوره كاملا في المشهد السياسي على أساس أنه “أقوى قوة في البلاد” وفق توصيف أنصاره؛ حيث سبق أن اقترح خارطة طريق للإصلاحات، وعرض قيادة المفاوضات تحت إشراف قيس سعيد، لكن الأمر لم يسر بالشكل الذي أراده بالرغم من أنه نأى بنفسه عن المعارضة التي تقودها حركة النهضة وجعل نفسه ضمن “الطريق الثالث”.في المقابل أثبت قيس سعيد أنه يساوي بين المكونات الاجتماعية، وأنه لن يسمح لقيادة الاتحاد بأن تبدو كأنها فوق الجميع أو وصيّة على الدولة، كما أنه حدد دورها بشكل واضح من خلال تشريكها في اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أن مقترحاتها لن تتجاوز البعد الخاص بالنقابة مثل مناقشة أوضاع العمال وإصلاح المؤسسات الحكومية، دون المرور إلى البعد السياسي. ويحذر المراقبون من أن تلويح قيادة الاتحاد بخوض سلسلة من الإضرابات ردا على فشل مسار الحوار مع قيس سعيد خطوة غير محسوبة العواقب وقد لا تتماشى مع مصالح الاتحاد ووضعه المريح بعد ثورة 2011، وأن خوض سلسلة من الإضرابات خلال الأزمة الحادة التي تعيشها تونس سيعني آليا الدخول في مواجهة مع أجهزة الدولة التي تعمل على حماية الاستقرار. ومن شأن هذا التصعيد أن يحول الاتحاد من شريك اجتماعي يفترض أن تقوم علاقته مع الحكومة على الحوار والتفاوض إلى حزب سياسي يستخدم مختلف الوسائل لفرض أجندته. ويلفت المراقبون إلى أن الاتحاد يدرك أن المبالغة في المراهنة على الإضرابات والاحتجاجات قد تقود إلى سيناريوهات خطيرة على البلاد ومستقبل النقابة نفسها، وأن الاتحاد كان في السابق يستمد قوته من موازنة الوضع مع الإسلاميين ممثلين في حركة النهضة، لكن الوضع تغير اليوم حيث لم يعد لهؤلاء وزن شعبي وسياسي، علاوة على أن الأوراق التي بيده مثل الإضرابات لا يمكن أن تجدي نفعا، وأن أفضل طريقة للحفاظ على وضعه هي التمسك بالحوار، وخاصة أنه تبين أن قيس سعيد لا يتراجع ولا يأبه للضغوط، ما يجعل الإضرابات في نظره بمثابة إعلان عن المواجهة وليس فقط مجرد ورقة للمناوشة كما يريدها الاتحاد. ويأمل التونسيون أن يكون الحوار الوطني سبيلا لحل الأزمة السياسية المتفاقمة بجانب أزمة اقتصادية دقيقة، على غرار ما حصل في 2013 حينما لعبت المنظمات الوطنية ومن بينها الاتحاد دور الوساطة بنجاح وجنبت البلاد الانزلاق إلى الفوضى.
مشاركة :