ينشغل الكثيرون حول العالم بنظرية المؤامرة فينسبون كل ما يحدث إلى مجهولين، وأعداء يتربصون بهم وبأوطانهم، حتى أنهم يرجعون كل الأحداث الكبرى عالميا إلى مؤامرات سياسية مخططة بدقة وحذر لا متناهيين. ويندفعون في كل مرة نحو وابل من الأسئلة تشكك في كل شيء من حولهم. هل حقا الأمير تشارلز مصاص دماء؟! وهل الناشطة الشابة في مجال حماية المناخ غريتا تونبرغ مسافرة عبر الزمن؟ ومن جديد يظهر السؤال حول كيف كان مقتل جون كينيدي؟ من خلال مسرحية تحمل اسم “عملية تلاعب عقلي” يغوص مسرح “مكسيم جروكي” ببرلين بطريقة ساخرة في عالم نظرية المؤامرة. ولإبراز ذلك تخترع مخرجة المسرحية يائيل رونين والمؤلف الذي شاركها في تأليف العمل ديميتريج شاد، “مصنع ترول”، من شأنه أن يظهر كيفية التعامل مع الأخبار الكاذبة وطريقة صناعة الخبر الكاذب وإقناع الرأي العام به. وتم عرض المسرحية مساء السبت في برلين، ولا تتناول نظرية المؤامرة فقط، ولكنها تلقي نظرة أيضا على العالم الرقمي والعملية السياسية. "مصنع ترول" في المسرحية يظهر كيفية التعامل مع الأخبار الكاذبة وطريقة صناعة الخبر الكاذب وإقناع الرأي العام به وتهدف الممارسة المسرحية الساخرة لـ”عملية التلاعب العقلي”، والتي تعود بالأساس إلى نص مسرحي طوره كيري ثورنلي وروبرت أنتون ويلسون في عام 1968، إلى توعية الناس بأنفاق الواقع الخاصة بهم من خلال نشر حالة عدم اليقين الأساسي في جميع أنحاء المجتمع. وتحقيقا لهذه الغاية يجب أن يصاب الناس بالبارانويا أو ما يعرف بجنون الارتياب وهو نمط تفكير ينجم عنه الشعور غير المنطقي بفقدان الثقة بالناس، والريبة منهم والاعتقاد بوجود تهديد ما، مثل: الإحساس بأن هناك أشخاص يراقبونك، أو يحاولون إلحاق الأذى بك بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، وبالتالي تدمير قدرة الناس على الثقة في تصوراتهم الخاصة. ووسط تصاعد نظرية المؤامرة والرغبة في الحصول على إجابات بسيطة لمواضيع معقدة، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة فحص “عملية التلاعب العقلي”. فيكرس يائيل رونين وديمتريج شاد نفسيهما لخوض رحلة ممارسة مسرحية تمرّ عبر أنفاق الواقع المختلفة وأشهر الأحداث التاريخية التي لا تصدق. ونظرية المؤامرة هو مصطلح انتقاصي يشير إلى شرح لحدث أو موقف اعتمادا على مؤامرة لا مبرر لها، وعموما تعتمد المؤامرة في مضمونها على أفعال غير قانونية أو مؤذية تنفذها حكومة أو منظمة أو أفراد. تُنتج نظرية المؤامرة في أغلب الحالات افتراضات تتناقض مع الفهم التاريخي السائد للحقائق البسيطة. ووفقا للعالم السياسي مايكل باركون، تعتمد نظرية المؤامرة على نظرة أن الكون محكوم بتصميم ما، وتتجسد في ثلاثة مبادئ: لا شيء يحدث بالصدفة، ولا شيء يكون كما يبدو عليه، وكل شيء مرتبط ببعضه. أحد الصفات الشائعة هي تطور نظرية المؤامرة هذه لتدمج في تفاصيلها أي دليل موجود ضدهم، ليصبحوا بذلك جملة مغلقة غير قابلة للدحض وعليه تصبح نظرية المؤامرة “مسألة إيمان بدلا من دليل”. وتظهر مسرحية “عملية تلاعب عقلي” أنه في مرحلة ما لا يتأثر المجتمع فقط بالأخبار الكاذبة، ولكن سيكون هناك سياسي جديد رفيع المستوى، تمثله المسرحية في صورة رجل ذو لهجة سكسونية، أي تعود لولاية سكسونيا بشرق ألمانيا، يُزعم أنه كان الوجه الإعلاني لماركة شوكولاتة عندما كان طفلا، ومن شأنه أن يصير مستشارا اتحاديا، ويشبه بشعره المستعار قليلا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفي إطار هذه المسرحية المسلية، يتم تناول الكثير من الموضوعات والظواهر والقضايا المهمة خلال ساعة ونصف، حتى وإن كان ذلك لفترة وجيزة. وفي أحد مشاهد المسرحية تسأل موظفة في وحدة الأخبار الكاذبة رئيسها في وقت من الأوقات: “لقد اخترقت هاتفي الخلوي؟”، فيجيبها ضاحكا: “اخترقت… هل نحن في التسعينات؟ لا أخترق هواتف، أنا أخترق الناس”. تتعامل المسرحية أيضًا مع كواليس المؤامرات السياسية. وتوضح للمشاهد كيف يتم اختيار السياسيين اليوم وكيف يتم إقناع الناخبين المترددين بالمرشحين للانتخابات ودفع أتباع المرء إلى دوامة من الحماس المتجدد؟ يذكر أن مكسيم غوركي الذي يحمل المسرح اسمه، (1868 - 1936)، والذي يسمى في الأصل أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف، هو أديب وناشط سياسي ماركسي روسي، وهو مؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب حيث يرى أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي في نشأته ونموه وتطوره، وأنه يؤثر في الناس بقوته الخاصة، لذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع. نال غوركي شهرة عالمية في أوائل القرن العشرين، وهو ما يزال شابا في حوالي الثلاثين من عمره وأصبح واحداٌ من الكتّاب الأكثر مقروئية في روسيا والعالم. رشح خمس مرات لنيل جائزة نوبل في الآداب. والمسرح يعدّ أقدم مبنى للحفلات الموسيقية في برلين. ومنذ العام 2014 ومع تزايد موجات الهجرة، تحول إلى منبر للألمان من أصول أجنبية، مع نشاطات تعنى بشكل أساسي بمشاكل اندماج المهاجرين في مجتمعهم الجديد.