ذكريات على شواطئ الأدب مع مجيد طوبيا

  • 5/30/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ارتبط اسم مجيد طوبيا في ذاكرتي باسم فيلمه "أبناء الصمت" الذي كتب قصته ووضع له السيناريو والحوار، وأخرجه محمد راضي عام 1974. وكنا نشاهد هذا الفيلم أثناء الدراسة الجامعية، فكان يعرض في المدرج الصغير بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، وفي قاعة اتحاد الطلاب، ويحكي عن بطولات القوات المسلحة المصرية أثناء حرب الاستنزاف، وبعد تفجير المدمرة إيلات، وشارك في بطولته عدد من نجوم السينما أذكر منهم: محمود مرسي، ونور الشريف، وأحمد زكي، ومديحة كامل، ومحمد صبحي، وميرفت أمين، وحمدي أحمد، وسيد زيان، والسيد راضي وغيرهم، ووضع موسيقاه الفنان بليغ حمدي. وكان هذا الفيلم أول إنتاج شركة سينمائية أسسها مجيد طوبيا مع كل من محمد راضي والسيد راضي. ولم أدر لماذا لا يعرض هذا الفيلم الآن ضمن ما يعرض عن مقدمة انتصارات أكتوبر المجيدة؟ ولفتتي في بداية الفيلم العبارة التي جاءت على لسان سيد زيان: مدد يا ام هاشم؟ يا سيد يا بدوي. ويطلب من قائده أن يضرب العدو – في شرق القنال – ببندقيته، ولكن قائده كان يأمره بضبط النفس. سعيت بعد ذلك نحو التعرف إلى أعمال مجيد طوبيا، وبدأت أتابع ما ينشره من قصص وروايات، كان من أهمها: دوائر عدم الإمكان، والهؤلاء، وغرفة المصلحة الأرضية، وعذراء الغروب، وتغريبة بني حتحوت (أكثر من جزء)، وغيرها. وبالإضافة إلى فيلمه "أبناء الصمت" وجدت له فيلمين آخرين هما: حكاية من بلدنا، إخراج حلمي حليم، وقفص الحريم إخراج حسين كمال. عندما انتظمتُ في قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية، وبدأت أتردد على نادي القصة، وجدت أن أدباء القاهرة يُدعَون للقاءات أدبية مع أدباء الإسكندرية، فسألت عن مجيد طوبيا، وهل يأتي إلى قصر الثقافة. أجابني عبدالله هاشم أنه لا يأتي كثيرا مثل جمال الغيطاني، وعبدالعال الحمامصي. وأخذ هاشم يعدِّد لي مزايا أعمال مجيد طوبيا، وأخبرني محمود عوض عبدالعال أنه من المعجبين بأعمال مجيد طوبيا، بينما قال سعيد بكر إنه شديد الإعجاب بتغريبة بني حتحوت. بينما أشار مصطفى نصر بقراءة "الهؤلاء" التي قرأها وأُعجب بها، ونصحني مصطفى بلوزة أن اقرأ أعمال يوسف إدريس أولا، فقلت له: ولكني أسأل عن مجيد طوبيا. هذه الآراء جعلتني أبحث عن قصصه الأخرى مثل: "فوستوك يصل إلى القمر"، و"خمس جرائد لم تقرأ"، و"الأيام التالية". كما وجدت أنه يكتب للأطفال، وفي تلك الفترة لم أكن مهتما بما يكتب للأطفال، وعندما بدأت أكتب لهم شعرا وقصصا، عدت إلى أعمال طوبيا التي كتبها للأطفال وتعجبت من سلاسة أسلوبه وقدرته على تبسيط اللغة والفكرة، وبدأت أبحث عن كتاب الستينيات الذين يكتبون للأطفال أو الناشئة أو الطلائع فوجدت منهم: صنع الله إبراهيم، وسليمان فياض، ولكن تميزت رواية "مغامرات عجيبة" لطوبيا عن غيرها، غير أنه لم يكتب كثيرا لهم. وعلى الرغم من عدم غزارة إنتاج مجيد طوبيا الأدبي، مقارنة بزملائه من أمثال محمد جبريل وإبراهيم عبدالمجيد ويوسف القعيد والغيطاني وغيرهم، فإن أعمال طوبيا متميزة جدا، ولها بصمتها الأدبية التي تحمل ملامحه وأسلوبه الخاص. ويبدو أنه كان من المعجبين بالكاتب الكبير يحيى حقي، ولم أدر كثافة العلاقة بينهما، ولكن يتضح هذا الإعجاب وعمق العلاقة في الكتاب الوحيد الذي وضعه مجيد طوبيا عن يحيى حقي، وهو كتاب "عطر القناديل" الذي صدر عام 1999. ففي الوقت الذي كان فيه عدد من أدباء جيل مجيد طوبيا، يتوجهون للكتابة عن نجيب محفوظ، من أمثال الغيطاني "نجيب محفوظ يتذكر" والقعيد "نجيب محفوظ إن حكى.. ثرثرة محفوظية على النيل" وجبريل "نجيب محفوظ صداقة جيلين" ومحمد سلماوي "في حضرة نجيب محفوظ" وغيرهم، يكتب طوبيا كتابه عن يحيى حقي الذي قدَّم الكثير للحياة الأدبية والثقافية في مصر والوطن العربي، فأراد أن يُنصفه، فنحت عنوان كتابه "عطر القناديل" من عنوانين ليحيى حقي نفسه وهما: "عطر الأحباب" و"قنديل أم هاشم". لم يتخرج مجيد طوبيا – صعيدي الأصل (من المنيا) - في أحد أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة أو عين شمس، ولكنه حصل على بكالوريوس الرياضة والتربية من كلية المعلمين بالقاهرة في عام 1960، ثم حصل على دبلوم معهد السيناريو عام 1970، وعلى دبلوم الدراسات العليا إخراج سينمائي من معهد السينما بالقاهرة في عام 1972. وقد اتضحت ملامح هذه الدراسات في أعماله التي تحولت إلى السينما. فهو لم يكتب السيناريو والحوار إلا عن دراسة أكاديمية وخبرة وممارسة واسعة، لكنه لم يستمر في طريق السيناريو والحوار، وكما كانت أعماله الإبداعية قليلة نسبيا، كانت أعمال السيناريو والحوار قليلة أيضا. ولد مجيد إسحق طوبيا يوسف في عام 1938، وعمل مدرسًا للرياضيات، ثم عمل بإدارة المعلومات بوزارة الثقافة، والتحق كاتبا بجريدة الأهرام. وكان عضوًا بلجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة. وعندما قام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب باختيار 105 روايات عربية لترجمتها إلى بعض اللغات الأجنبية، كانت رواية "تغريبة بني حتحوت" ضمن هذه القائمة، وعلى الرغم من عدم نجاح هذا المشروع، بسبب حقوق الملكية الفكرية، وغيرها من مشكلات لم تحل حتى الآن، فإن هذا الاختيار في حد ذاته يدل على أهمية تلك الرواية، ويشير إلى أن مجيد طوبيا واحد من الأدباء والروائيين المهمين على الساحة العربية. لم يحقق مجيد طوبيا الذي عاش 84 عاما (1938 – 2022)، انتشارًا واسعًا لدى الجمهور والقراء، رغم أهمية أعماله، وتنوعها، وعرض ثلاثة منها على الشاشة الكبيرة، وربما حركة النقد الأدبي أيضا لها دور في ذلك، فلم يتوقف النقد عنده كثيرا، ومع ذلك فقد نوقشت رسائل علمية عن أعماله بأكثر من لغة فى جامعة المنيا، والجامعة الأميركية بالقاهرة، وجامعة السوربون في باريس، وجامعة روما، وجامعة نابولي في إيطاليا التي كان يعشقها ويسافر إليها كثيرا. كان مجيد طوبيا من الأعضاء المؤسسين لاتحاد كتاب مصر عام 1975 ورقم عضويته 33، وعندما قررتُ ترشيح نفسي لعضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب عام 2001، حصلتُ على قائمة بأسماء أعضاء اتحاد الكتاب للاتصال بهم، وعندما اتصلت به على رقم تليفونه 2917801 بالقاهرة، سمعت صوته لأول مرة، وعندما أخبرته باسمي وجدته يعرفني معرفة الأديب للأديب، وحدثته عن أيام مشاهدتي لفيلمه "أبناء الصمت" عندما كنت طالبا في الجامعة، ثم متابعتي لأعماله بعد ذلك، فوجدت ترحيبًا شديدًا منه، وأخبرته بترشيحي لمجلس إدارة اتحاد الكتاب، فوعدني أن يأتي وينتخبني، وصدق وعده، والتقيته وجها لوجه لأول مرة في تلك الانتخابات، وقال لي لا أريد أن أشغلك اليوم عن ناخبيك، ولنا لقاءات كثيرة فيما بعد. وبالفعل تكررت اللقاءات في اتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة، وخاصة في ملتقيات الرواية، واقتربت منه إنسانيا وإبداعيا، وعندما عملت في مجلة "العربي" بالكويت عام 2010 كان في بالي دائما، وكنت أرشح اسمه للاستكتاب في بعض الموضوعات، ولكن المرض كان قد تمكَّن منه، وعلمتُ من بعض الأصدقاء أنه يمر بحالة من فقدان الذاكرة، وسعدت عندما علمتُ بخبر زيارة الصديقين د. عبدالله سرور، والكاتب الصحفي مصطفى عبدالله، له، وعرفت تفاصيل تلك الزيارة، وتأملت الصور التي تم التقاطها، ونُشرت على الفيسبوك بعد ذلك. كما سعدتُ بزيارة د. محمد صابر عرب – وكان وزيرًا للثقافة وقت الزيارة – وتلبية بعض الاحتياجات له. وأن يزور وزير الثقافة – أيًّا كان اسمه – المبدع في بيته، يدل دلالة كبيرة على التقدير الرسمي والشخصي لهذا لمبدع، فلم يكن مجيد طوبيا مجرد مبدع عابر في تاريخنا الأدبي والثقافي، ولكنه كان مبدعًا مؤثرًا رغم إنتاجه القليل نسبيا، واستطاع بهذا القليل المؤثر الحصول على عدة جوائز منها: وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1979، وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب في العام نفسه، وجائزة الدولة التقديرية للآداب عام 2014.

مشاركة :