تحقيق إخباري: أطفال لاجئون يجبرون على ترك مدارسهم في غزة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية

  • 5/31/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة أطفالا لاجئين إلى التخلي عن مقاعدهم الدراسية والتوجه إلى سوق العمل لمساعدة عائلاتهم الفقيرة. وأحمد الأغبر واحد من هؤلاء الأطفال حيث يعيش مع عائلته المكونة من 13 فردا في بيت قديم ومتهالك في مخيم "الشاطئ" للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، ثالث أكبر المخيمات اكتظاظا بالسكان في القطاع. ويشتكي الأغبر من الفقر الشديد الذي حال دون تمكنه من استكمال دراسته في احدى مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تقوم على تقديم الخدمات لسكان المخيم منذ عامين، مما دفعه ذلك إلى التوجه إلى البحر للعمل مع والده في مهنة الصيد. ولم يستطع والد الطفل توفير أدنى متطلبات الحياة له ولإخوته خلال فترة دراستهم بالمدرسة من حيث الحصول على المصروف اليومي وشراء الزي المدرسي مثل باقي الطلاب بحسب ما يروي الأغبر (12 عاما) لوكالة أنباء ((شينخوا)). ويقول "دوما كنت أشعر بأنني أقل من مستوى أصدقائي الاجتماعي والاقتصادي، في وقت كانوا يتنمرون فيه على وضعي ويعتبرونني شخصا غير مرغوب به بينهم". وما زاد الأمر سوءا، هو أنه عندما كان يعود الأغبر إلى منزله لا يجد طعاما ولا مالا، وعن ذلك يقول الطفل ذو الجسد النحيف:"كنت أضطر أن آكل مرة واحدة فقط في اليوم". وفي محاولة للتخفيف من العبء المالي على والده الذي يعمل صيادا، قرر الطفل ترك المدرسة والتوجه إلى العمل من أجل جني القليل من المال لإحضار الخبز لإخوته الآخرين. ويقول "كنت أرغب أن أكمل دراستي وأن أصبح أستاذا في المستقبل، لكن الفقر والجوع لم يسمحا لي بتحقيق حلمي (...) اليوم أعتبر نفسي رجلا مسؤولا عن عائلتي ويجب علي أن أعمل من أجل مساعدة أشقائي الآخرين". وقبل 16 عاما، كانت عائلة الأغبر تعيش في مستوى اقتصادي واجتماعي مناسب وذلك قبل أن تفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه في عام 2007. وتقول أم أيمن الأغبر، جدة أحمد، لـ ((شينخوا)) إن حياة عائلة ابنها "انقلبت رأسا على عقب" بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 15 عاما، فأصبحت تعتمد بشكل أساسي على المساعدات المالية والغذائية التي تقدمها (أونروا). وتضيف الجدة التي تشكو صعوبة الحال "أصبحت الأونروا تقلص من خدماتها بشكل كبير عاما بعد عام، وخاصة المواد التموينية مما خلف عجزا في كمية الطعام للأطفال". وما زاد الطين بلة، بحسب السيدة المسنة، هو شن إسرائيل عدة حروب على قطاع غزة مما تسبب بتدهور شديد في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وتقول "لم يعد لدى الناس أي أمل بالحياة". كل ذلك، ساهم بشكل كبير في تراجع المستوى التعليمي لدى أحمد مما اضطره للتخلي عن مقعده الدراسي مقابل أن يجني دولارين يوميا بعد أن يعمل لمدة 8 ساعات متواصلة. ويقول الأغبر "في كل مرة أشاهد طلاب المدارس يذهبون إلى المدرسة أشعر بالحسرة والحزن الشديد لأنني محروم من التعليم بسبب الفقر والحرب وتقليص خدمات الأونروا". ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للطفل يوسف الغول (14 عاما) الذي ترك مدرسته قبل نحو شهرين كي يعمل على عربة لنقل البضائع للزبائن في الأسواق الشعبية. ويقول الغول لـ ((شينخوا)) إن البقالة التي كان يعمل بها والده قصفت في غارة إسرائيلية في موجة التوتر الماضية في مايو من العام الماضي فأفقده مصدر رزقه الوحيد ما أثر سلبا على وضعه النفسي. ويضيف أن والده لم يتمكن من العمل في أي مكان آخر بسبب قلة فرص العمل، وبعد شهرين تقريبا اكتشف أنه يعاني من سرطان في الدم وهو بحاجة لعلاج ولا يمكنه العمل نهائيا. ويعيش الغول مع أسرته المكونة من 8 أفراد في بيت للإيجار في المخيم ذاته، لكنهم لم يتمكنوا من دفع الإيجار بسبب ظروفهم الطارئة، في وقت هدد فيه مالك البيت بطردهم في حال لم يسددوا المستحقات المتراكمة عليهم. وعلى إثر ذلك قرر يوسف و3 من إخوته ترك المدرسة والعمل، حيث يجني كل واحد فيهم نحو 3 دولارات يوميا بالكاد تمكنهم من دفع الإيجار وتوفير الحد الأدنى من الطعام اللازم لعائلتهم. وأحمد ويوسف من بين عشرات الأطفال اللاجئين الذين تركوا مدارسهم في القطاع والتوجه إلى العمل اليومي مقابل المال من أجل إعالة عائلاتهم. ويعتمد معظم الفلسطينيين على المساعدات الغذائية والمالية التي تقدمها المؤسسات والمنظمات الدولية بما فيها الأونروا التي تقدم خدماتها التعليمية والصحية والغذائية للاجئين في القطاع. ولكن الأونروا تعاني من أزمة مالية خانقة منذ سنوات بسبب وقف الولايات المتحدة الأمريكية دعمها المالي للوكالة الدولية إثر مواقف سياسية من القضية الفلسطينية. ويرى درداح الشاعر الإخصائي النفسي أن الأزمة المالية التي تعاني منها الأونروا تعد سببا رئيسيا في تقليص خدماتها التعليمية والصحية والغذائية التي تقدمها لسكان قطاع غزة وغالبيتهم من اللاجئين. ويقول الشاعر لـ ((شينخوا)) إن وقف الدعم الأمريكي للأونروا "تسبب في تضرر الحالة التعليمية في غزة خاصة بعدما توقفت مدارس الوكالة عن تقديم الأدوات اللوجستية التعليمية للطلاب مثل الدفاتر والأقلام وأيضا الوجبات الغذائية". واعتبر أن تلك الخطوات "أثرت سلبا على حالة هؤلاء الطلبة النفسية، فأصبحوا يشعرون أن المدارس هي عبء أكثر من كونها مؤسسة تسعى إلى تعليمهم وتطويرهم وتهيئتهم ليكونوا بناة للمستقبل". وأضاف أن "الأمر شكل عبئا ماليا جديدا على الأسر التي تعاني أصلا من الفقر المدقع بسبب الحصار الإسرائيلي، لذلك نجد أن هناك عددا كبيرا من الطلبة أصبح يكره التوجه إلى المدارس ويفضل الهرب إلى سوق العمل لمساعدة الأهل في جني المال وتوفير الطعام اللازم". وتوقع الشاعر أن يدفع المجتمع الفلسطيني "ثمنا تربويا كبيرا" نتيجة ترك أبنائه للمدارس وخلق جيل جديد غير متعلم وغير قادر على المساهمة في بناء دولة عتيدة. وأعرب عن خشيته من أن تتسبب الحروب وتقليص خدمات الأونروا في خلق جيل جديد "لا يؤمن بالعملية التعليمية والهوية الوطنية والتطور البشري، ما يعني عودة الحياة في غزة إلى الجهل مجددا".

مشاركة :