وصفت أوساط سياسية تونسية قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة من أجل تطهير القضاء بأنها جريئة وضرورية، وأنها تعالج أزمة القضاء في عمقها بدل الرهان على مؤسسات قضائية تتحكم فيها شبكات قديمة متداخلة العناصر بينها السياسي والأيديولوجي والمصلحي، وذلك من خلال عزل العشرات من القضاة وتعديل مرسوم يمكّن رئيس الجمهورية من عزل من تحوم حوله الشبهات. وقالت الأوساط السياسية التونسية إن الرئيس سعيد سعى -بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وتكليف مجلس مؤقت- لمنح القضاة أنفسهم فرصة القيام بثورة داخلية للتخلص من الوجوه التي تحكّمت في القطاع طويلا وأربكت عمله وشوهت صورته وعرقلت القضايا الكبرى، وخاصة تلك التي لها علاقة بقضايا الإرهاب. لكن ذلك لم يحصل وكان لا بد من تدخل خارجي حاسم. وأضافت هذه الأوساط أن التونسيين -وليس فقط أبناء قطاع القضاء- صاروا يعرفون الأسماء المعرقلة، وأنهم على علم بملفات الفساد وبما يوجّه إلى قضاة بارزين من اتهامات بالعمل لفائدة جهات سياسية وأنهم وراء تعطيل فتح ما يعرف بملف “الجهاز السري” والبت فيه إما بتثبيت التهم في حق المشتبه بهم أو تثبيت براءتهم، وأن النتيجة مهمة بالنسبة إلى التونسيين لتحديد شكل المرحلة القادمة والجهات السياسية التي يحق لها أن تظل في المشهد ونظيرتها التي يجب حلها بسبب ارتباطها بملف العنف واختراق مؤسسات الدولة والسعي للسيطرة على هذه المؤسسات وتوجيهها لخدمة أجندتها. وقوبلت قرارات الرئيس سعيد بدعم شعبي واسع كشفت عنه ردود الفعل التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من قِبل الفئات الشبابية التي تريد اتخاذ قرارات حازمة ضد لوبيات الفساد في مختلف القطاعات بقطع النظر عن نوعية الإجراءات المتخذة وما إذا كانت تلقى صدى لدى قطاع القضاء والمهتمين بالمسائل القانونية. وأصدر قيس سعيد أمرا ليل الأربعاء – الخميس تضمن قائمة بأسماء 57 قاضيا شملهم قرار العزل بتهم ترتبط بالفساد وقضايا أخلاقية وتعطيل ملفات قضائية ترتبط بالإرهاب، إلى جانب الإثراء غير المشروع، واصفا خطواته في هذا السياق بـ”التاريخية” وقال إنها جاءت بهدف “تطهير القضاء” و”الحفاظ على السلم الاجتماعي والدولة”. وأوضح الرئيس سعيد أن القرار جاء بعد عمليات تدقيق دامت أسابيع، وقال في كلمة له بمجلس الوزراء “أعطيت الفرصة تلو الفرصة والتحذير تلو التحذير حتى يطهر القضاء نفسه… لا يمكن أن يستمر الوضع بلا نهاية”، وأنه “لا يمكن أن نطهر البلاد من الفساد وتجاوز القانون إلا بتطهير كامل للقضاء”. كما أعلن عن تنقيح المرسوم المتصل بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، بعد أن كان في فبراير الماضي قد حل المجلس القديم بدعوى مكافحة الفساد معتمدا على صلاحياته التنفيذية والتشريعية منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد قبل نحو عام. ويسمح التعديل الجديد لهذا المرسوم بأن يعزل الرئيس كل قاض “تعلق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره”، وفق ما جاء في التعديل المنشور بالجريدة الرسمية. ويتخذ الرئيس قرار العزل “في صورة التأكد أو المساس بالأمن العام أو بالمصلحة العليا للبلاد، وبناء على تقرير معلل من الجهات المخولة”، وتثار دعوى قضائية ضد كل قاض معزول اعتمادا على هذا النص. 57 قاضيا شملهم العزل بتهم فساد وقضايا أخلاقية وتعطيل ملفات قضائية ترتبط بالإرهاب وبحسب التعديل لا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه. ومن بين القضاة المعزولين متحدث سابق باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب ومدير عام سابق للجمارك والرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء وقضاة آخرون وُجهت إليهم اتهامات بالتقرّب من أحزاب سياسية كانت نافذة. ويشمل القرار أيضا قضاة كانوا يشرفون على ما يعرف بملف “الجهاز السرّي” المتعلق بالتحقيق في اغتيالات سياسية طالت سياسيين اثنين عام 2013. وعدّل قيس سعيّد قانون المجلس الأعلى المؤقت للقضاء ليتمكن من اتخاذ القرار. ويمكن كذلك ملاحقة القضاة المعزولين قضائيا. ووصف رئيس “الجمعية التونسية للقضاة الشبان” مراد المسعودي، في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة، عزل 57 قاضيا بالقرار الظالم في حقّ “قضاة شرفاء”. وأضاف “القرار سُلط على قضاة شرفاء ومن بينهم منخرطون في جمعية القضاة الشبان نتيجة للمواقف التي تمّ اتخاذها في مواجهة قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء”. في المقابل حذر أحمد نجيب الشابي -عن جبهة الخلاص الوطني- من أن “هذا الإجراء الخطير (…) يؤذن بدفع البلاد إلى المواجهة بين الدولة وبين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الوطنية وأصحاب الرأي الحر من إعلاميين ومدونين وأكاديميين، ولن يزيد الأزمة السياسية إلاّ استفحالا”.
مشاركة :