يرى خبراء أن ألمانيا تواجه خطر انكماش اقتصادها لتصبح "رجل أوروبا المريض" بعد أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا، خصوصاً بسبب أزمة سلاسل التوريد وتداعيات قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا. فما مدى واقعية هذه المخاوف؟ خبراء يحذرون من أن تصبح ألمانيا "رجل أوروبا المريض" بسبب تداعيات حرب أوكرانيا وأزمة كورونا، فما مدى جدية هذه المخاوف؟ ترى الكاتبة جانا راندو أن هناك احتمالاً بأن تصبح ألمانيا "رجل أوروبا المريض" في ظل تعثر السياسات التي كانت وراء قوة عمل المصانع الألمانية. فبعد سنوات من زيادة الصادرات إلى الصين و إقامة روابط تتعلق بالطاقة مع روسيا ، يواجه أكبر اقتصاد في أوروبا مجموعة كارثية من المخاطر . وتقول راندو في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء إن اعتماد ألمانيا الكثيف على التصنيع يجعلها أكثر عرضة من نظرائها الأوروبيين للتأثر بالاضطرابات المتعلقة بالحرب في إمدادات الطاقة الروسية والاختناقات في قطاع التجارة. وتتمثل نتيجة ذلك في خطر التعرض للانكماش وربما ارتفاع الأسعار مما يزيد من الضغط على المستهلكين الذين يعانون بالفعل . وقالت آلاين شولينغ، وهي من كبار الاقتصاديين في بنك "إيه بي إن امرو" الهولندي إن "ألمانيا في وضع اقتصادي كارثي.. وهناك ما يبرر تماماً المخاوف بشأن مستقبلها". وتتوقع انكماش ناتج ألمانيا في الربع الثاني. وعلى الرغم من أن الاقتصاديين في بنك "أمريكا ميريل لينش" و"بانكو سانتاندر" من بين من يشاركونها هذا الرأي، ما زال إجماع الاقتصاديين في بلومبيرغ يؤكد على أنه سيكون هناك نمو بنسبة 0,4%. وتتوقع المفوضية الأوروبية أن إستونيا فقط هي التي سوف تسجل نموا أبطأ من ألمانيا هذا العام- بسبب تأثيرات مماثلة لكن لأنها أكثر قرباً من روسيا - بينما من المتوقع أن يكون التضخم في الدولتين أقوى من معدل منطقة اليورو التي تضم 19 دولة. وترى راندو أن الضغط أصبح واضحاً في جوهر الاقتصاد الألماني. فحوالي 77% من شركات التصنيع تشكو من أن نقص المواد والمعدات يؤثر سلباً على أعمالها- أكثر من أي مكان آخر في أوروبا. وخفضت شركات تصنيع الآلات من توقعاتها لنمو الانتاج من 4% إلى 1% فقط. ويبرز على قمة المتاعب الاقتصادية، احتمال أن يستنفد السفر للخارج في الصيف قدراً كبيراً من الأموال حيث ينفق المستهلكون الألمان المال في دول البحر المتوسط المشمسة بعد عامين من الجائحة. وربما بدأ تجار التجزئة يشعرون بالمعاناة بالفعل حيث انخفضت المبيعات في نيسان /أبريل أكثر من أي وقت آخر في السنة. روسيا والصين تجعلان عام 2022 صعباً للغاية وقال رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، زيغفريد روسفورم، الأربعاء الماضي إن حرب روسيا ضد أوكرانيا وتأثير سياسة "صفر كوفيد" التي تتبعها الصين سيجعلان عام 2022 "صعباً للغاية". وقال بعد محادثات مع وزير الاقتصاد روبرت هابيك وممثلي النقابات إن "تداعيات الاضطرابات تفرض اتخاذ إجراء سريع" لأن "الوقت يمر بسرعة". وترى راندو أن متاعب ألمانيا نابعة من تجاهل المخاطر الجيوسياسية التي تفرض تدعيم قاعدة التصنيع بها، والتي ساعدت إلى جانب الاصلاحات العمالية الكبيرة في إنقاذ البلاد من التدهور في مطلع القرن الحالي. فقد قامت مستشارة ألمانيا السابقة أنغيلا ميركل وسلفها غيرهارد شرودر بتكثيف اعتماد البلاد على الطاقة الرخيصة من روسيا، مع تشجيع الشركات على إجراء معاملات تجارية مع الصين. وقال المستثمر الملياردير جورج سوروس في منتدى دافوس الاقتصادي الأسبوع الماضي إن "ذلك جعل ألمانيا أفضل اقتصاد أداء في أوروبا، ولكن الآن هناك ثمن باهظ ينبغي دفعه". ويبدو أن المستشار أولاف شولتس اعترف بالمخاوف، إذ قال: "بعض الأشخاص كانوا أقل اهتماماً في الماضي". وقال في منتدى دافوس بسويسرا إن ألمانيا تحتاج الآن إلى سرعة تنويع سلاسل الإمداد وأسواق التصدير. وتابع شولتس: "يتعين على كثير من الشركات مواجهة ذلك. فقد انتهكت في الغالب ما تعلمته في بداية دروس النشاط التجاري؛ وهو أنه يتعين على المرء عدم وضع كل ما لديه من بيض في سلة واحدة". ومنذ تولى شولتس منصبه كانت أول رحلة إلى آسيا إلى اليابان، بينما استضاف أيضاً رئيس وزراء الهند نيريندرا مودي في برلين. ولم يزر الصين حتى الآن وكثف انتقاداته لانتهاكات حقوق الإنسان فيها. كما عقدت دولته مباحثات مع قطر كجزء من جهودها لإيجاد بديل للغاز الروسي . دلائل مبشرة وعلى الرغم من السحب الثقيلة في سماء مستقبل ألمانيا الاقتصادي، هناك بعض الدلائل المبشِّرة، إذ من الممكن أن يساعد تخفيف الإغلاقات بسبب الجائحة في بكين وشنغهاي في زيادة الطلب على السلع الألمانية وإنهاء بعض اختناقات سلاسل الإمداد التي تعرقل عمل شركات التصنيع في البلاد. وتتوقع شركات تصنيع السيارات بما في ذلك شركة دايملر للشاحنات ، أكبر شركة تصنيع للسيارات التجارية في العالم أن تخف مشكلة نقص الرقائق الإلكترونية هذا الربع وأن يتحقق تحسن كبير في النصف الثاني. ويرى يواخيم ناغل محافظ البنك المركزي الألماني (البوندسبانك) أن الاقتصاد الألماني متماسك، وأنه من الممكن أن يزيد الناتج بنسبة 2% هذا العام. وقال شولتس في البوندستاغ إن حكومته تتخذ "خطوة غير معتادة" تتمثل في إجراء مباحثات مع أصحاب الأعمال والنقابات خارج مفاوضات الأجور المنتظمة، وذلك كجزء من جهود الدولة لمواجهة التضخم. وأضاف: "نريد عملاً منسقاً ضد ضغط الأسعار". م.ع.ح/و.ب (د ب أ)
مشاركة :