كشفت الخلافات بين القوى السياسية اللبنانية خلال الأيام القليلة الماضية، بشأن الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة ورئاسة البلاد، عن جزء ولو بسيط من حجم التحدي الذي يواجه لبنان في المرحلة المقبلة. وتجلى ذلك في إصرار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على رفض أي حليف لحزب الله لمنصب رئيس الوزراء، وتأكيده مقاطعة الحكومة إذا تشكلت على غرار الحكومات السابقة، قائلا "إذا حكومة مثل العادة لن نوافق ولن نشارك". وعلى الرغم من الانقسامات بين القوى السياسية، يرى محللون أن هناك بارقة أمل بشأن إمكانية تحجيم نفوذ حزب الله وسيطرته على شؤون البلاد، التي تشهد إحدى أسوء الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث. ويقول هؤلاء إن لبنان بات لديه الآن تحالف معارض بعد انتخابات برلمانية قضت على طموح الحزب. مها يحيى: الانقسام قد يؤدي إلى معوقات تعترض طريق الإصلاح وشهدت الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التي أجريت في الخامس عشر من مايو الماضي، أول التحركات لتحالف محتمل قادر على كبح وربما إزاحة حزب الله وسيطرته الحديدية على البلاد، حيث خسرت الجماعة المسلحة وحلفاؤها الأغلبية البرلمانية، ويواجهون الآن أكبر معارضة منذ عام 2009. وعلى الرغم من أن البرلمان الجديد أعاد انتخاب نبيه بري حليف حزب الله، رئيسا للمجلس، إلا أنه نجح في ذلك بأغلبية ضئيلة بـ65 صوتا من أصل 128 صوتا، مقابل 98 صوتا حصل عليها عام 2018، وهو مؤشر على تراجع التأييد للحزب. وتعمل المعارضة على تحفيز السياسة الخارجية أيضا. ودللت على ذلك بتحميل البطريرك الماروني بشارة الراعي حزب الله مسؤولية زعزعة الاستقرار وصد الاستثمارات الأجنبية وقتل النمو الاقتصادي بالبلاد، حيث يرى الراعي أن المخرج من أزمة لبنان هو نزع سلاح حزب الله والحياد الإقليمي، وكذلك إحياء هدنة الأمم المتحدة عام 1949 بين لبنان وإسرائيل. وتشترط المنظمات الدولية الإصلاح لمساعدة لبنان ماليا، لكن حلفاء حزب الله السياسيين أوقفوا الإصلاح خشية أن تجف تدفقات الأموال الفاسدة التي اعتادوا عليها. وكان الراعي من أوائل من لفت الانتباه إلى الرواية القائلة إن الإصلاح لن يحدث دون نزع سلاح حزب الله أولا. وفي ظل مكانته كزعيم ديني لا يمكن المساس به، أصبح الراعي صوت الحركة المعارضة الجديدة التي تطالب بنزع سلاح حزب الله. ويقول دبلوماسيون "يجب على واشنطن أن تؤيد رؤية الراعي الوطنية والإصلاح الشامل، وأن تنظر في دعوته لزيارة البيت الأبيض". وترى مها يحيى، مديرة مركز مالكولم كير كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، أن الانتخابات أسفرت عن "برلمان منقسم" وأكثر تفتتا مما كان عليه قبل هذه الانتخابات، "وهو ما قد يؤدي بدوره إلى معوقات تعترض طريق قرارات مصيرية، مثل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يحتاجها قرض صندوق النقد الدولي". ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :