يوما بعد آخر تؤكد الدراسات الحديثة أن فيروس الورم الحليمي البشريHuman Papillomavirus, HPV يعدّ من أكثر الفيروسات الجنسية انتشارا في العالم، وأنه المسبب لـ95 % من حالات سرطان عنق الرحم. ولهذا الفيروس أشكال عدة، تتفاوت في خطورتها، فمنه أنواع عالية الخطورة تؤدي إلى الإصابة بالسرطان واشهرها النوعان 16 و18، وأنواع منخفضة الخطورة، تسبّب الثآليل الجلدية والتناسلية، وأشهرها 6 و11. وربما يعد مصدر الخطر الأكبر من الفيروس أن معظم المصابين لا يدركون حقيقة إصابتهم، وذلك لعدم ظهور أعراض واضحة عند الإصابة به. أثمرت جهود الباحثين في محاولة القضاء على الفيروس بعد اكتشاف ارتباطه بالإصابة بسرطان عنق الرحم في الثمانينات الميلادية، حيث تمكنوا في البداية من إنتاج لقاحين للوقاية منه. اللقاح الأول "جارديسيل" وهو لقاح رباعي التكافؤ يوفر حماية ضد أربعة أنواع من الفيروس (16، 18، 11، 6) وهذا اللقاح يعطى للمرأة والرجل من عمر 11 سنة إلى 26 سنة. بينما اللقاح الآخر "سيرفيركس" ثنائي التكافؤ يوفر حماية ضد نوعين (16و18) ويعطى للمرأة فقط. كما أن عجلة الأبحاث لم تتوقف عند هذا الحد، ففي عام 2014 وافقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية على اللقاح المطوّر "جارديسيل 9"، الذي يوفر حماية ضد تسعة أنواع من الفيروس. ونجد أنفسنا بعد هذا السرد العلمي المختصر للفيروس أمام سؤال بالغ الأهمية، وهو ماذا عن نسبة انتشار فيروس الورم الحليمي البشري في المملكة؟ الإجابة بكل أسف أنه لا توجد لدينا إحصائية شاملة وذلك لعدم تطبيق تحليل الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي عند إجراء مسحة عنق الرحم خلال الكشف الدوري للمرأة. حيث إن اختبار مسحة عنق الرحم وحده غير كاف ولا يشخص الإصابة بـHPV. لذلك من الضرورة أن نقوم بدراسة شاملة لمعرفة الإحصاءات الدقيقة حول الفيروس، لا سيما أن دراسات حديثة من مناطق مختلفة من المملكة أثبتت أن نسبة انتشار الفيروس في تزايد. وأصدر المركز الخليجي لمكافحة السرطان إحصائية شاملة 1998 - 2009 لحالات سرطان عنق الرحم في الخليج، التي كشفت عن نتائج مخيفة، حيث قدّرت أن أكثر من 50 % من إصابات سرطان عنق الرحم لا يتم اكتشافها إلا في مراحل متقدمة، مع نسبة شفاء قليلة. فكيف يمكن أن يصل السرطان إلى مراحل متقدمة دون علم المصابة؟ قد يكون الجواب مزيجا من عدم إجراء فحص مسحة عنق الرحم عند الفحص الروتيني ونقص الوعي حول ضرورة تحليل الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري. ففي البلدان المتقدمة يُعدُّ فحص مسحة عنق الرحم وتحليل فيروس الورم الحليمي اختبارا ثنائيا أساسيا للمرأة فوق عمر الثلاثين. هذه العناية الطبية المتقدمة في الغرب ومع بدء تطبيق اللقاح الإجباري والتوعية الصحية، ظهرت نتائجها الإيجابية على الفور، حيث أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية للعام الحالي 2015 أن حالات سرطان عنق الرحم تراجعت للمركز الرابع بعد أن كانت في المركز الثاني، لكن وعلى الجانب الآخر أظهرت تنبؤات منظمة الصحة العالمية أن حالات سرطان عنق الرحم سوف ترتفع في السعودية لتصل إلى المركز الثامن بعد أن كانت في المركز الحادي عشر. الحل إذًا هو دراسة بحثية وطنية شاملة لمعرفة نسبة انتشار الفيروس، وتوافر قاعدة بيانات أساسية لبناء خطة وقائية لمكافحة السرطانات التي يسببها هذا الفيروس، علاوة على تفعيل برامج توعوية لتثقيف المرأة حول أهمية فحص مسحة عنق الرحم واللقاحات المتاحة للوقاية من العدوى الفيروسية.
مشاركة :