عقوق جيل الآباء وثقافة الاعتذار

  • 6/6/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

طبيعي جدًا أن يخطئ الإنسان أو يغلط سواء كان الخطأ أو الغلط في حق من تعرف أو من لا تعرف، حتى لو زل بك اللسان فتصف جيلاً كاملاً بأنه جيل «الله لا يعيده» وأن تنسف أوله وآخره وأن تتبرأ حتى منه ومن الحقبة الزمنية التي جمعتك به وأن يلبسك الندم وتركبك الحسرة أنك كنت منه، كل ذلك مقبول لأنه لا يوجد من لا يخطئ، نقبل من الجميع الخطأ، صغر أو كبر ذلك الخطأ لأننا ندرك أن من الأصول أن من أخطأ يثوب إلى رشده ويعود له عقله وظننا دائمًا بالمخطىء خيرًا وأنه يعود الى صوابه ويتوب الى ربه وعندها يتقدم أمام الملأ والناس والتاريخ فيعتذر عما بدر منه وفيما أخطأ فيه، فإن لم يفعل فأقل ما يقال في حقه أنه منزوع الاحترام، غير مبال في الاعتراف بحق الآخرين، فكيف إذا كان من غلطنا في حقهم الوالدين وجيل الآباء والأمهات؟! وكنت في نفسي أعتقد انه سيسارع في الاعتذار لاسيما انه على مستوى عال من الثقافة، إلا أن ما تم عكس ذلك تمامًا حيث في تعليقه الثاني صدم المجتمع بكلام غير مفهوم وكأن ما بدر منه ليس إلا شيئًا عاديًا، والحقيقة أن الكثير كان يؤكد لي أنه لن يعتذر لأنه سبق أن أخطأ خطأين جسيمين وأعظم بكثير من الخطأ الثالث ولم يعتذر، أولهما ما مس به جناب الرسول صلى الله عليه وسلم وعلاقته بالسيدة خديجة والسيدة عائشة رضي الله عنهما، والثانية ما مس المواطنين في الشمال والجنوب ووصفه لهم بأنهم بائعي الضمير وليس لهم ولاء، وجاءت الثالثة لتكون ثابتة من حيث الإصرار وعدم الاعتذار وهي ما مست جيل الآباء والدعاء عليهم وهي في حقيقتها ليست بعيدة في حجم الخطأ عما سبق ولذا أقول دائمًا أن التعليم عليه أن يعلم الطلاب والطالبات منذ الصغر ثقافة الاعتذار خاصة أنها من الهدي النبوي وفعل الصحابة وثقافة المجتمعات المتحضرة شرقًا وغربًا مع العلم أن هناك مكتسبات كثيرة للاعتذار منها راحة النفس والبال والضمير ومنها أنها أدب عال وأنها تعيد بناء الثقة بين من أخطأ ومن أخطأ في حقه بل إن القرآن الكريم توسع في مصطلحات الحث على قبول الاعتذار، وحث الله على ذلك بقوله (خذ العفو) ويقبل العذر ويكون ممن اتصف بالصفح وأطلق عليه مسمى الصفح الجميل (فاصفح الصفح الجميل) ومنها يقبل العذر ويكون من أهل المغفرة التي هي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وجاءت كلها في آية واحدة في قوله تعالى (فاعفوا واصفحوا واغفروا) وكلها تحث على قبول الاعتذار وتمهد النفوس لقبوله. فتصوروا لو اعتذر لذلك الجيل كيف يكون ردود ذلك في قلوب المجتمع السعودي وقبلها لو اعتذر عن النيل من أهل الشمال والجنوب كم يكون لذلك من بهجة في نفوسهم، وكيف لو تم الاعتذار لسيدنا رسول الله وزوجتيه خديجة وعائشة رضي الله عنهما فإنه بذلك الاعتذار يملأ الأرض قاطبة سعادة بأن من تعدى على نبيهم عاد الى رشده وعقله فنفى عنه عليه السلام بأنه ناقص وهكذا هي ثقافة الاعتذار صفقة رابحة وفيتامين يعيد للجسم صحته ويعيد للنفوس بهجتها وللقلوب محبتها فالاعتذار كله خير ولا يأتي إلا بخير.

مشاركة :