فقاعة الدوت كوم 2

  • 6/7/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تقلبات سوق التكنولوجيا مزعجة لجيل جديد من رواد الأعمال البحرينيين الذين اتجهوا للعمل في جوانب من مجالات الثورة الصناعية الرابعة مثل التطبيقات الخدمية للهاتف النقال والمتاجر الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، وكان حدثاً بارزاً الأسبوع الماضي أن قامت إحدى الشركات العاملة في مجال تداول العملات الرقمية بتسريح مئة موظف دفعة واحدة، في انتكاسة كبيرة لمجال لم يكن في يوم من الأيام أكثر من مجرد فقاعة زاهية الألوان. وكما هي العادة دائما، يبدأ الانحدار أو الانهيار من السوق الأمريكي، من شركات مثل نتفلكس وفيسبوك وحتى أمازون ومايكروسوفت، ثم يتوالى سقوط حجارة الدومينو، وتصل ارتداداتها إلى كل مكان في العالم، بما في ذلك البحرين طبعاً. وهذه المعاناة نجمت أساسا عن الظروف غير المستقرة اقتصادياً وسياسياً ومعيشاً التي يعيشها الغرب أساساً. والواقع أن كثير من رواد الأعمال في البحرين، حالهم حال نظرائهم حول العالم، لا ينشؤون شركات تقنية بهدف جني الأرباح من خدماتها كما هو الحال في شركات السياحة أو الترجمة أو عربات الطعام، وإنما يكون نصب أعينهم تأسيس الشركة بناء على فكرة إبداعية، والابتكار في كل نواحي العملية التشغيلية، ثم الوصول إلى مرحلة إدخال مستثمرين فيها أو بيعها بالكامل بمبالغ طائلة، وذلك في استنساخ لتجارب شركات تقنية محلية مثل طلبات، أو عالمية مثل فيسبوك، لذلك ترى أن الشركات من هذا النوع في بداياتها ربما تخسر مالياً، لكن قيمتها السوقية ترتفع. لقد أصبحنا نسمع كثيرًا عن فقاعات شركات التكنولوجيا في كل مكان، وهذا الأمر طبيعي إلى حد ما في وادي السيليكون، حيث نرى أسهم التكنولوجيا والعروض العامة الأولية وشركات الاستحواذ والشركات الناشئة والعملات المشفرة، التي وصلت جميعها إلى مستويات مذهلة في السنوات القليلة الماضية، عادت انخفضت إلى أدنى مستوياتها لاحقًا. وفقاعة الدوت كوم قد تعود، هذا ما يراه البعض اليوم بعد ازدياد الاستثمار في شركات الإنترنت، التي تستخدم تقنيات ما يسمى بالويب 3 أو العملات الإلكترونية والرموز غير القابلة للاستبدال، لكن خطر ظهور فقاعة دوت كوم ثانية، عاد بعد سنوات قليلة من انفجار الأولى، مع ظهور شركات تقنية عديدة، من بينها الشبكات الاجتماعية التي نعرفها اليوم. فقاعة الدوت كوم الأولى – ونرجو أن تكون الأخيرة- بدأت في 1995 وهو العام الذي بدأ فيه الإنترنت بالانتشار، وبين 1995 و2000 ارتفع مؤشر بورصة ناسداك لشركات التكنولوجيا 400%، وبعد انفجار فقاعة الدوت كوم انخفض 78%، شركات عديدة أعلنت إفلاسها وإغلاق أبوابها وخرجت من السوق، الشركات التقنية الأخرى التي نجت تعرضت لخسائر فادحة كذلك، مليارات من أموال الاستثمار ذهبت هباء، ومؤشر ناسداك خسر 5 تريليونات دولار، أصبحت الفقاعة درساً من التاريخ يخشى البعض أن يتكرر، وقد يحدث ذلك في المستقبل القريب. المستثمرون في تلك الفترة تعلموا الدرس وأصبحوا أكثر حذراً، والآن هناك جيل جديد من المستثمرين وجيل جديد من التقنيات التي لم تثبت نفسها بعد، شركات عدة ناشئة تبحث عن استثمارات، ومستثمرون يبحثون عن الفرص، هذا يبدو للبعض فقاعة شركات تقنية أخرى، وإن انفجرت هذه الفقاعة فأثرها سيكون عالمياً. ولقد عانى القطاع التكنولوجي تقلبات مفاجئة، إلا أنه في السنوات الأخيرة تعددت العوامل التي أبرزت أهمية التكنولوجيا، ومنها جائحة كورونا التي أدت إلى انتشار فكرة العمل والحياة عبر الإنترنت، إضافةً إلى ازدياد الطلب على برامج التحفيز الحكومية والسياسات النقدية الفضفاضة، كلها عوامل جذبت المستثمرين تجاه النمو التكنولوجي في المستقبل. بالمحصلة هناك العديد من الشركات التقنية وشركات الإنترنت الحالية مع قيم سوقية أعلى بكثير مما هو واقعي، لكن لا يمكننا تخمين كون هذا الأمر سيقود لانفجار فقاعة أخرى أم لا حقاً، خصوصاً مع وجود العديد من العمالقة التقنية التي تمتلك قيمة سوقية تعكس الأرباح الهائلة التي تنتجها للمستثمرين. ولقد أظهر استطلاع أجراه بنك أمريكا أن مديري صناديق الاستثمار أصبحوا يمتلكون أسهمًا في قطاع التكنولوجيا بمعدل أقل من الطبيعي والمألوف للمرة الأولى منذ ديسمبر 2008، وبحسب تقديرات بنك جولدمان ساكس الأخيرة، فإنه من المتوقع أن ينخفض مؤشر ناسداك بنسبة 17% أخرى، إذا ما قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تشديد القيود على السياسات النقدية، التي يسعى بوساطتها إلى كبح التضخم. لكن نحن الآن في 2022 ولسنا في 1995 أو 2000، وباتت الانترنت تحيط بنا في كل مكان، فالجميع يستخدم الهواتف الذكية والحواسيب بأنواعها طوال الوقت، ولم يعد هناك جهاز ذكي لا يتصل بالإنترنت تقريباً، وحتى الأشياء التي لا يخطر بالبال كونها تحتاج للأمر باتت متاحة مع قدرة على الاتصال بالشبكة العالمية بداية من أجهزة التلفزيون وحتى البرادات وأقفال الأبواب في بعض الحالات، لكن على الرغم من صعوبة تخيل الأمر، فالحياة لم تكن دائماً هكذا، وفي التسعينيات كانت الأمور مختلفة للغاية. وعلى كل حال، من غير المنطقي أن نقارن الركود التكنولوجي الحالي بانفجار فقاعة الإنترنت قبل عقدين، لعدم امتلاك الشركات آنذاك ميزانيات عمومية جيدة ولا نماذج أعمال واعدة، في حين أن معظم شركات الحاضر تمتلكها، ورغم أن مؤسسي وعمال ومستثمري التكنولوجيا عاشوا فترة طويلة من الازدهار، إلا أنه من غير المرجح أن تتوقف سيطرة التكنولوجيا الرقمية على كل مجالات الحياة، ومن سيعبر هذه الأوقات الصعبة هم أصحاب ورواد الأعمال الذين يتحلون بالمرونة والصبر وقوة البصيرة.

مشاركة :