ظاهرة الفساد يتجسد فيها دوماً أبعاد عديدة: الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي.. وكل ذلك يُلقي بظلاله السلبية على التنمية في البلدان، فتنحرف عن أهدافها، وتتبدد مواردها وتضعف إمكاناتها، وبالتالي تعيق مسيرتها، فضلاً عما يحدثه ذلك من خَلْق حالة من التذمُّر والقلق وفقدان الثقة. وفي كتاب (النزاهة في مواجهة الفساد، تجربة المملكة) الذي تفضَّل مؤلفُه معالي الأستاذ محمد بن عبدالله الشريف بإهدائي إياه، وثّق المؤلف جهود المملكة التي بذلتها في سبيل مكافحة الفساد الإداري والمالي، وروى القصة بموضوعية، وهو أول رئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وقد بذل من الجهد والوقت والمثابرة لإيصال هيئة النزاهة إلى ما هي عليه الآن، حيث اكتسبتْ الهيبةَ والسمعة العالية. وقد لوحظ مؤخراً توسيعُ صلاحياتِ الهيئة استجابة لمطالب قديمة، مما مكّن الهيئة من ممارسة الدور المأمول فيها. الشكر والتقدير إلى الرجل الذي كان قدوة لمرؤوسيه، والنموذج في الصدق والعزم والتفاني في العمل، وله بصمة حُفِرتْ في ذاكرة الوطن، حيث عُرِف بشغفه وتميُّزه، وترك صرحاً شامخاً من خلال إبداعه وتفانيه في تأسيسه. ومما لفت نظري في كتاب النزاهة ص168 ما تم تدوينه عن الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد وهي منظمة دولية غير ربحية تبرعت النمسا بتوفير مقر لها، ولها أغراض أساسية لتوفير التدريب المتخصص والأكاديمي لمبادئ النزاهة والعدل وسيادة القانون من خلال تهيئة أشخاص ذوي مهارات متميزة ولديهم القدرة على استنباط مواطن الفساد والتعرُّف على مرتكبيه والتحقيق معهم ومقاضاتهم.. هذه الأكاديمية لا تقبل إلّا مَن توافرت فيه المعايير التي حدَّدتها. هناك جهات عالمية أخرى منها منظمة الشفافية الدولية ومقرها برلين بألمانيا، وهي التي تصدر مؤشر مدركات الفساد، الذي يسمى اختصاراً (CPI)، من خلال تقرير سنوي يتضمن قائمة مقارنة للدول من حيث انتشار الفساد حول العالم. وقد استعانت هيئة النزاهة لدينا -بعد الله- ببعض الخبرات الدولية المتاحة بما يعزز مكانة الهيئة. ولعلي أنصح كل المهتمين بأمور حماية النزاهة ومكافحة الفساد باقتناء الكتاب الذي صدر عن العبيكان للنشر والتوزيع لمعرفة قصة (نزاهة) في بلادنا والوقوف على نظام الهيئة وما اشتمل عليه، والمعوقات التي واجهت الهيئة والمقترحات لتطويرها، لا سيما أن حماية النزاهة تستلزم برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي يستلزم تعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته وإرساء القيم والمبادئ الأخلاقية للإدارة والمجتمع وتعزيزها.