اليمن: إجراءات حوثية تعسفية تتسبب في موجة غلاء جديدة

  • 6/7/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بينما ينتظر موظفو القطاع العام ومؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية صرف رواتبهم المتوقفة منذ ستة أعوام حسب بنود الهدنة الإنسانية المعلنة؛ عاجلتهم الميليشيات بإجراءات تعسفية وإتاوات تسببت بموجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع. وبحسب ما يقوله ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجماعة الانقلابية فرضت على أصحاب السلع من كافة المستويات، جملة أو تجزئة؛ دفع الإتاوات مقابل السماح لهم بالبيع بما يناسبهم ويعوض عليهم المبالغ التي يدفعونها، ليكون الضحية هو المستهلك الذي يتعرض للتجويع الممنهج والإفقار، خصوصا أنه دون دخل أو راتب. ورغم انتهاء أزمة الوقود عقب سريان الهدنة؛ فإن الميليشيات عادت لرفع أسعاره مجدداً بعد أقل من أسبوعين من توافره؛ وبعد انقضاء عيد الفطر الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الدجاج والبيض بشكل مفاجئ نتيجة فرض ضريبة جديدة على الدواجن، ما تسبب في عجز كثير من المواطنين عن شرائها. وينص أحد بنود الهدنة الإنسانية المعلنة مطلع أبريل (نيسان)، والتي جرى تجديدها لشهرين إضافيين؛ على التزام الميليشيات بصرف رواتب موظفي الدولة من إيرادات ميناء الحديدة الذي أعيد تشغيله بكامل طاقته وفقاً لأحد بنود الهدنة، برغم أن الميناء كان يعمل قبل الهدنة بشكل اعتيادي، فإن الهدنة سمحت بمزيد من الأنشطة فيه، ما يؤدي إلى ارتفاع إيراداته التي كان مقرراً أن تذهب لمعالجة الأوضاع المتردية للمواطنين في مناطق سيطرة الميليشيا. وزعم مدير شركة النفط المسؤولة عن توريد المشتقات النفطية والتي تسيطر عليها الميليشيات أن ارتفاع تكلفة الوقود عالميا هي السبب في رفع أسعاره محليا، وأن الأسعار الجديدة تمت بعد احتساب التكلفة الفعلية وفقاً للمتغيرات في مؤشرات البورصة العالمية، إلا أن الحكومة اليمنية الشرعية تفند ذلك، وتؤكد أن أسباب الأزمات النفطية تتمثل بمنع الميليشيات وصول إمدادات النفط عن طريق البر من المحافظات المحررة إلى مناطق سيطرة الميليشيات. ويقول بشير وهو أحد سكان صنعاء إن الأسبوعين الماضيين شهدا ارتفاع أسعار عدد من السلع في أسواق العاصمة صنعاء، وتراجعا في أوزان الرغيف في المخابز، وزادت أسعار الأدوية ذات الطلب الكبير والمستخدمة في علاج الأمراض المزمنة والفيتامينات، واختفى العديد منها من الصيدليات وأسواق الدواء. وذكر مجاهد الأصبحي، وهو صيدلي يعمل في تسويق الأدوية؛ أن قادة حوثيين بدأوا منذ أربع سنوات الاستثمار بشكل تطفلي في سوق الأدوية، وأجبروا عددا من التجار على منحهم حصصا من استثماراتهم في مساعٍ للسيطرة على هذا المجال، وتضاعف هذا التدخل خلال جائحة «كورونا» قبل عامين. ونفذت الميليشيات عددا من الإجراءات للسيطرة على سوق الأدوية، وشملت تلك الإجراءات فرض الإتاوات على شركات الأدوية والصيدليات، وإجبارها على تزويد المستشفيات الحكومية تحت سيطرتها أو التابعة لقادتها؛ بالأدوية والمعدات والأجهزة مجانا، إضافة إلى منافسة تجار الأدوية بأدوية إيرانية مهربة، وهو ما يدفع تجار الأدوية إلى رفع الأسعار لتعويض خسائرهم. واشتكى عدد من ملاك المخابز في صنعاء، من توجيهات صدرت إليهم من جهات رسمية تسيطر عليها الميليشيا بتخفيف أوزان أنواع الخبز بجميع أنواعه، بعد ثلاثة أشهر من رفع سعره، وهي خطة يُراد منها رفع سعر الخبز مجددا، كون الخبز يُباع بالعدد وليس بالوزن. ويقول رجل الأعمال نذير قادري إن الميليشيات تفرض وبشكل شبه يومي إتاوات وضرائب جديدة وتحت تسميات مختلفة، وكأن لديها خطة لتحقيق إيرادات مالية بمبلغ محدد سلفاً، وهو ما يتم التعارف عليه في مجال الإدارة بـ«الهدف»؛ فتتخذ وسائل مختلفة لتحقيق هذا الهدف من خلال الجبايات. ويشير قادري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الشهر الماضي تم استغلاله من طرف الميليشيات في جباية الزكاة بعد انقضاء شهر رمضان، حيث يقوم أفراد يعملون في هيئة الزكاة الحوثية، وهي جهة جباية مستحدثة، بالنزول الميداني الموسع إلى مختلف الأحياء والمناطق لتحصيل الأموال، واتخاذ إجراءات عقابية بحق من يرفض التعاطي مع الهيئة. ويضيف قادري «يتم ارتجال بنود للجباية بشكل دائم تحت تسميات الزكاة والضرائب والجمارك والتبرعات للاحتفالات وغير ذلك من التسميات، إلا أنه لا يتم الإعلان رسميا عن غالبية هذه الجبايات، لكونها غير قانونية أصلا؛ ولأن الميليشيات تحاول التنصل من التسبب في ارتفاع الأسعار، وتريد أن تلقي بالمسؤولية على الحكومة الشرعية والتحالف العربي والشركات والتجار وأصحاب المحلات». مشيراً إلى أن انخفاض سعر العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية رافقه ارتفاع الأسعار على عكس المتوقع، بسبب هذه الجبايات الهائلة على حد تعبيره. ويفسر الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي لـ«الشرق الأوسط» عوامل ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن بشكل عام، وفي مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي بشكل خاص؛ بالتضخم، سواء كان تضخما خارجيا مستوردا كارتفاع أسعار السلع بشكل عام في ظل تحذيرات من أزمة الغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وفرض عدد من الدول قيودا لحظر تصدير المواد الغذائية والتحديات التي تواجه سلاسل التوريدات، أو التضخم الداخلي. ويؤكد المساجدي أن ارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يتضاعف كثيراً، نظراً للإجراءات التي فرضتها الميليشيات مثل الازدواج الجمركي الذي تعمل الميليشيا من خلاله على تحقيق عوائد مالية على البضائع القادمة من المناطق المحررة سواء كانت محلية أو مستوردة، وإقرار المزيد من الرسوم على البضائع والسلع، وزيادة تكلفة نقل البضائع والسلع بين المدن، مع استمرار قطع الطرقات الرئيسية واتباع طرق فرعية خطيرة، وتزايد الجبايات والإتاوات المفروضة على القطاع الخاص، وتضاؤل القدرة الشرائية لدى المواطنين، واتساع رقعة الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وبحسب ما يقوله المساجدي كان مأمولا أن تساهم الهدنة في التخفيف من معاناة المواطنين وإنهاء الأزمات، إلا أنه ومع دخول الهدنة حيز التنفيذ، ووصول سفن الوقود وتحصيل جماعة الحوثي أكثر من سبعين مليار ريال كرسوم ضريبية وجمركية لسفن الوقود خلال فترة الهدنة؛ لم تستخدم الجماعة أيا من تلك الأموال في دفع الرواتب والأجور، كما لم يسهم دخول الوقود في خفض أسعارها، بل أضيفت كل تلك الأموال إلى الأرصدة الخاصة بالجماعة التي تحقق مزيداً من الثراء عقب الأزمات التي تفتعلها، ما يعمق من الاختلال القائم في توزيع الثروة، وتركزها في أيادي قلة قليلة مقابل توسع رقعة الفقر والمجاعة.

مشاركة :