يقول آرثر شوبنهاور «من يصمم على الانتصار.. يقترب جدا من النصر»! نعم، إنها الإرادة، التي تقرب المسافات، وتقهر المستحيل، لذلك يبقى السبب وراء فشل الكثيرين ليس غياب الرؤيا بل غياب العزيمة، فمن له إرادة له القوة، التي تجعل للقدمين جناحين، يدفعان صاحبهما للخطوة الأولى على طريق الكفاح، ويمكناه من بلوغ أهدافه، مهما اعترض طريقه من تحديات. زهرة إبراهيم رحيمي، امرأة برعت في استثمار الألم لصناعة الأمل، وفي تحويل المحن إلى منح، وبالرغم من ضياع سنوات طوال من عمرها هباء إلا أنها استطاعت بما تتمتع به من إرادة فولاذية الانتصار في معركة الحياة، وقهر الكثير من العثرات والتجارب الصعبة، فقد صعدت السلم من أوله، وتربعت على قمته من خلال تميزها وتفردها في عالم النساء المليء بالنجاحات والكفاحات. هي أول خليجية وبحرينية تتخصص في إصلاح وصباغة السيارات، وأول شاعرة تصدر ألبوما شعريا رقميا، وتشارك في دويتو شعري مع فنان عربي شهير، هذا فضلا عن كونها صاحبة مشروعين في مجالي الطبخ وصناعة العطور والبخور، الأمر الذي جعلها في مصاف سيدات الأعمال المتألقات على الساحة. حول تجربة هذه المرأة المتعددة المواهب قاهرة الصعاب كان الحوار التالي: حدثينا عن نشأتك؟ لقد نشأت في عائلة علمتني معنى وقيمة تحمل المسؤولية منذ صغري، فقد كان والدي موظفا حكوميا مسؤولا عن الصيانة في إحدى الوزارات، أما والدتي فهي سيدة أعمال بدأت مشوارها بتملك ثلاث كراجات لتصليح السيارات، ونظرا لأنها تنتمي إلى بيئة محافظة تحكمها عادات وتقاليد معينة، اضطر والدي إلى مباشرة العمل في تلك الكراجات بنفسه عوضا عنها، وكنت لهما الابنة الكبرى، أي بمثابة الابن الأكبر لأبي، لذلك كنت أساعده كثيرا في أمور عدة، وتعلمت منه الصنعة، كما دربني على قوة واستقلالية الشخصية، وكنت أعاني من قسوته في التربية، إلا أنني أدركت قيمة هذا الأسلوب لاحقا، وإليه يرجع الفضل فيما حققته اليوم. ماذا عن هواياتك في الطفولة؟ هواياتي منذ الطفولة كانت متعددة ومتنوعة، ومنها على سبيل المثال هواية القراءة والاطلاع بصورة نهمة، كما كنت أكتب الشعر، وأقوم بشراء وجمع السيارات خاصة (السبورت) منها، فقد كنت شديدة التعلق بها منذ الصغر حتى يمكن أن نقول إن حبي لها كان يمثل نوعا من الهوس، حيث كنت أعشق اقتناءها حتى أصبح لدي أسطول كبير منها. هذا فضلا عن حبي للطهي، الذي قادني لامتلاك مشروع خاص بها بالشراكة مع والدتي، إلى جانب حبي وإتقاني لصناعة العطور والبخور. وما الجديد الذي يقدمه مشروع الطبخ؟ مشروع الطبخ مشترك بيني وبين والدتي، وهو يختص بالطباخ الشعبي البحريني الأصيل، وقد بدأت والدي هذه المهنة منذ ثلاثين عاما تقريبا، حيث أطلقت مشروعها من المنزل، وقد عزمنا على توسعته وتطويره، وهو يعتمد على إضافة النكهات المبتكرة والجديدة للطبخات التقليدية الأصيلة. بماذا تتميز تجربتك الشعرية؟ لقد بدأت كتابة الاشعار منذ أن كان عمري 14 عاما، وكنت هاوية بشدة لقراءة الشعر، وفخورة لكوني أول شاعرة تصدر ألبوما شعريا رقميا، وتشارك مع الشاعر العراقي الكبير الشهير جبار المياحي لعمل دويتو شعري. أول محطة عملية؟ لقد التحقت بأول وظيفة عند عمر 19 عاما، وكان ذلك أثناء دراستي الجامعية لتخصص الأدب الإنجليزي، والتي توقفت عن مواصلتها بهدف التفرغ لعملي ولمسؤوليتي تجاه اخواني واخواتي الست، ويمكن القول بأنني كبرت قبل الأوان، وتعلمت معنى الاستقلالية مبكرا للغاية، حتى أنني ضيعت أجمل سنوات عمري هباء وسط زحمة الحياة ومسؤولياتها وعدم التوفيق في بعض الاختيارات الخاصة. كيف أصبحتِ أول خبيرة في تصليح وصباغة السيارات؟ لقد التحقت بالعمل لدى أحد وكلاء السيارات الشهيرة بالبحرين، وتدرجت في المهنة إلى أن أصبحت مسؤولة الورشة التي تعد من أكبر الورش على مستوى المنطقة، وذلك بعد أن عملت بمختلف الأقسام بها، واكتسابي خبرة واسعة في كل ما يتعلق بعالم السيارات. ما أهم الصعوبات في البداية؟ لا شك أن عملي هذا لم يكن سهلا، حيث أقوم بمهام صعبة مثل تقييم الاضرار، ومتابعة شركات التامين وإدارة المرور، ثم اتخاذ قرار إدخال السيارة للتصليح، ومع الوقت تعلمت كل شيء في هذا المجال من صباغة ولحام وحدادة وغيرها، وتصل خبرتي اليوم إلى حوالي 12 عاما في هذا العمل الذي افخر به، كما انني جمعت بين عملي في المطار وبين عملي كمذيعة بالتليفزيون بصورة مؤقتة، وكانت تجربة جميلة وممتعة أيضا، أسهمت كثيرا في تخلصي من بعض الضغوط النفسية التي كنت امر بها في تلك الفترة. وعن التحدي الأكبر؟ لعل أكبر تحدٍ واجهته اثناء عملي هذا هو كيفية التكيف مع موظفين أقدم مني في المهنة، ومن جنسيات وعقليات مختلفة، ولكني تعلمت من تجارب الحياة عدم الاستسلام لأي صعوبات، فالله سبحانه وتعالى لا يعطي أصعب المعارك إلا لأقوي جنوده، وعموما أنا شخصية اعتادت أن تتحدي نفسها، ولا أعترف بالفشل أو اليأس، حتى أنني جمعت في فترة من الفترات بين كونى موظفة ومذيعة وطالبة وصانعة بخور وعطورات، بهدف زيادة دخلي المادي. كيف كانت بداية مشروع العطور والبخور؟ لقد خضت هذا المجال بالشراكة مع شخص أعجب كثيرا بمنتجاتي التي صنعتها للاستخدام الشخصي، حيث عرض عليّ العمل سويا في مشروع لصناعة العطور والبخور، وبالفعل رحبت بالفكرة واستثمرت موهبتي في عمل أحقق من وراءه دخلا ماديا، ووفقت في ذلك ولله الحمد ومازالت أمارس هذا العمل بكل شغف، وبصفة عامة يمكن القول بأن خروجي للعمل مبكرا صنع مني شخصية مسؤولة في كل شيء، وكنت أصغر فتاة تمنح مسؤولية قاعة الدرجة الأولى ورجال الأعمال في مطار البحرين الدولي، وقضيت خمس سنوات في ذلك العمل. هل واجهتِ أي انتقادات؟ بالطبع واجهت في البداية بعض الانتقادات من قبل فئة قليلة، وأذكر أن والدي -رحمه الله- لم يكن مرحبا بعملي في مجال السيارات، بسبب ما تفرضه علينا العادات والتقاليد في تلك الفترة، ولكني أصررت، وتحديت نفسي، وتحملت مشقة هذا العمل الذي يقال إنه عمل يناسب الرجال بدرجة أكبر، وواصلت وحققت مكانة متألقة، هذا فضلا عن عملي التطوعي وخاصة لصالح ذوي الهمم ودعمي لأعمال الاسر المنتجة، وعضويتي في التوست ماستر العالمية لفن الخطابة والمناظرات. هل شعرتِ بندم على عدم إكمال دراستك؟ نعم، من المؤكد أنني نادمة على عدم حصولي على شهادة جامعية، وخاصة أنني أنهيت حوالي عامين ونصف تقريبا في الجامعة، ورغم انني أحمل اليوم دبلوما دوليا عاليا في الامداد والتموين وآخر في الإدارة والقيادة، فإنني أفكر حاليا بجدية في مواصلة مشواري العلمي. أجمل حصاد؟ رغم شعوري بأن أجمل سنوات العمر ضاعت هباء وسط زحمة الحياة والمسؤوليات والاختيارات غير الموفقة في بعض الأمور، إلا أنني أجزم بأن الله سبحانه وتعالى قد عوضني عن ذلك بالكثير، فكم أشعر اليوم بفخر شديد حين تم اختياري بموقع مشاهير العالم كإحدى الشخصيات المهمة حول العالم، إلى جانب اختياري من ضمن عشرين شخصية نسائية مهمة من قبل برنامج طموح واستشراف الإذاعي، كذلك تم اختياري ضمن الشخصيات المميزة في كتاب «بحرينيون مميزون عام 2021»، وضمن لجنة التحكيم الوطنية لمهارات تصليح السيارات، إلى جانب إنجاز آخر مهم. ما هو ذلك الإنجاز المهم؟ لقد تم مؤخرا ترشحي من قبل وزارة التربية والتعليم كصاحبة قصة ملهمة للخريجين الجدد، الأمر الذي يشعرني بفخر شديد، بأن أصبح قدوة ونموذجا ناجحا ومكافحا للشباب فهذا في حد ذاته من أعظم الإنجازات التي حققتها عبر مسيرتي، وأتمنى الاقتداء بي فيما يتعلق بالإصرار والإرادة ومحاولة كسر القاعدة وتحطيم القيود من أجل تحقيق شغفي مهما واجهني من صعوبات أو عثرات أو تحديات. هدفك الحالي؟ لا شك أنه مازال في جعبتي الكثير من الطموحات التي أتمني تحقيقها في المستقبل ولعل أهم حلم يراودني حاليا هو وجود أكبر معهد تدريبي عملي لتصليح السيارات بالبحرين، ليصبح مع الوقت مركزا خليجيا مهما في هذا المجال، وأن يكون لي شرف المشاركة في تأسيسه وإدارته، وأتمنى أن ينطلق من تحت مظلة المجلس الأعلى للمرأة ليضاف إلى رصيده من الإنجازات المهمة.
مشاركة :