تعلمنا الحياة دروساً جديدة كل يوم، وتفتح لنا التجارب آفاقاً أوسع وإدراكاً أكبر من كل تجربة، ولا تزيدنا معارفنا إلا فضولاً لاستكشاف المزيد والجديد، وأثناء مسيرتنا وتجاربنا نصادف ومضات وإضاءات من حكمة، أو هكذا نظن، فنوثقها ونقيدها على صفحات الكتب، لعل الله ينفع بها أجيالنا وأوطاننا وشبابنا... بهذه الكلمات التي تحمل في طياتها حرص القائد على تقاسم المعرفة مع من حوله، استهل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مقدمة كتابه الجديد ومضات من حكمة..، وقال: نهديهم بعض هذه الصفحات وشيئاً من هذه الومضات. الكتاب الذي ما إن تهم بقراءة أولى صفحاته، حتى تدرك سر تربع رؤية تميز وبعد نظر سموه، فضلاً عن تبوئه مكانة كبيرة في أوساط الشباب العربي، حيث يلخص في 17 كلمة الوسيلة المثلى لحكم الزعماء لشعوبهم، مقدماً سموه لهم وصفة سحرية عنوانها الحب.. الحب الذي طالما تبادله مع الناس، مجسداً إياه بمبادرات تخدم الإنسانية جمعاء، ومشاريع الهدف منها الإسعاد. الكلمات ال 17 هي: من السهل أن تحكم الناس بالخوف ولكن قلة نادرة من الزعماء الذين استطاعوا أن يحكموا الناس بالحب.. وفي إهدائه للكتاب، دون سموه بعض الكلمات الملهمة، فقال: تعطينا الأيام ومضات من حكمة.. وتضيء لنا لنا التجارب قبسات من معرفة.. لنكتشف كل يوم مدى حاجتنا لنتعلم من بعضنا... وبين أولى صفحات الكتاب وآخرها، توضح الصورة كاملة لسر حكمة سموه، حيث صورة القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، رحمه الله، تلخص عظمة قائد مفترشاً الأرض للحديث مع أبنائه ببساطة وحب، وكأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يريد أن يخبر قراءه أنه من السهولة أن تحكم الناس بالخوف، ولكن قلة قليلة حكموا بالحب، فعلها زايد، أحب شعبه فأحبوه وأخلصوا له ولذكراه. الكتاب يحتوي على مجموعة أقوال وحكم مختارة لنائب رئيس الدولة، تناول فيها الحديث عن الابتكار في الباب الأول من الكتاب، وفي الباب الثاني تحدث سموه عن القيادة، في حين تناول الباب الثالث الحديث عن الحياة، وفي الرابع الوطن.. وتناول الباب الخامس الإيجابية.. واختتم سموه أبواب الكتاب بباب الحديث عن الحكومة في خدمة الناس. الباب الأول: الابتكار في هذا الباب قال سموه: لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين.. سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار وأستغرب من بعض الحكومات التي تعتقد أنها استثناء من هذه القاعدة.. الابتكار هو أن تكون أو لا تكون: أنا حكومة مبتكرة إذاً أنا حكومة موجودة.. مسبار الأمل الذي سيستكشف المريخ هو رسالة للعرب بأنه لا يوجد مستحيل وبإمكاننا منافسة بقية الأمم العظمى ومزاحمتها في السباق المعرفي.. مسبار الأمل.. هو رسالة للعالم بأننا أهل حضارة وكما كان لنا دور سابق في المعرفة الإنسانية سيكون لنا دور لاحق أيضاً.. أن تبدع هو أن تضيف شيئاً جديداً للحياة لا أن تكون إضافة أخرى لها.. وقال سموه: سألني أحدهم كيف تكون مبدعاً؟ فقلت له: يجب أن تتعود على ألا تتعود.. الابتكار في الحكومات ليس ترفاً فكرياً أو تحسيناً إدارياً أو شيئاً دعائياً، الابتكار في الحكومات هو سر بقائها وتجددها وهو سر نهضة شعوبها وتقدم دولها. الباب الثاني: القيادة من السهل أن تحكم الناس بالخوف ولكن قلة نادرة من الزعماء الذين استطاعوا أن يحكموا الناس بالحب.. القيادة عملية مستمرة من الإنجاز والتطوير وتغيير حياة الناس للأفضل، وكل شخص متمكن من علمه هو قائد، وكل شخص منجز في عمله هو قائد أيضاً.. الأفكار العظيمة لا تصنع قادة، لأنها مجرد أفكار، الإنجازات وإن كانت صغيرة تصنع بتراكمها قائداً عظيماً.. كل إنجاز تحققه يجعلك قائداً أفضل، وكل مهارة تتعلمها تجعلك قائداً أفضل، تستطيع كل يوم أن تطور القائد الذي في داخلك، وتستطيع كل يوم أن تكون إنساناً أفضل وقائداً أعظم.. في الوطن العربي من السياسيين ما يسد الحاجة ويفيض، لكننا نفتقد الإداريين المبدعين القادرين على إخراجنا من المآزق المستمرة التي نعانيها.. الحياة السهلة لا تصنع الرجال ولا تبني الأوطان، التحديات هي التي تصنع الرجال، وهؤلاء الرجال هم من تُبنى بهم الأوطان.. الرؤية واضحة، والأهداف محددة، والبنية التحتية جاهزة، والثقة بكوادرنا كبيرة، والمستقبل لا ينتظر المترددين.. ومن كان فيها ذا مقام ودولةٍ.. فخير له جمع الفضائل والذهب.. القائد العظيم يصنع قادة عظماء، ولا يختزل المؤسسة في شخص واحد فقط.. القائد الحقيقي هو من يحوّل الفكرة لواقع، والحلم لحقيقة، والتصور لتطبيق، ولا مكان للحالمين في سجل التاريخ.. لو انتظرنا استقرار المنطقة حتى نطلق المشاريع الكبيرة، أين سنكون اليوم؟.. اعط المرؤوس يعطك، قدّره يقدرّك، أحببه يحبك، قوه يقوك، احترمه يحترمك، قده من الأمام يتبعك إلى آخر دنيا التنمية، هل هناك أبسط من هذه المعادلة؟.. المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه، المستقبل لا يُنتظر، المستقبل يُمكن تصميمه وبناؤه اليوم.. ثق تماماً أن من يزرع يحصد، ومن ينشئ قادة يحصد إنجازات وطاقات بشرية وأبطالاً، ومن يصنع مجداً شخصياً يحصد مجاملة تنتهي إلى زوال.. الذي يحكم نفسه يستطيع أن يحكم غيره ويحكم العالم من حوله، والذي لا يملك نفسه فهو عن غيره أعجز.. التدريب يفتح عينيك على نقاط الضعف، ويعطيك ثقة في نفسك، ويجعلك أقرب لتحقيق النصر.. داخلك مارد هو العزم وتكون به قوي العزم صوتك له صداه.. يزيد شرف القائد الحكومي ومكانته بمقدار منفعته للناس وليس بمقدار منصبه، ولا تغتر بمنصبك فهو زائل، ويبقى ما ينفع للناس.. التفوق هو أسلوب وعادة، وحب وعشق للمراكز الأولى، وهو رحلة مليئة بالتعلم والمثابرة والصبر، وللتفوق لذة لا يعرفها إلا من جربها. الباب الثالث: الحياة إن المستقبل ملك لجميع البشر، لكن الذين ينالون حصة فيه هم فقط الذين يلبون نداءه ويتقنون لغته ويحرصون على معرفة حركته واتجاهاته، المستقبل لا يعرف الانتظار ولا التأجيل ولا التراخي.. لا تكون ندمان على كل ما فات.. لي فات مات ولا بقاله بقية، للوقت ساعات وللعمر لحظات.. تشقى بها والا تجي لك هنية.. أخذ الدليلة من وصوف الدلايل.. ولا كل من يركب على الخيل خيال.. إن لم تكن في الطليعة فأنت في الخلف، إن لم تكن في المقدمة فأنت تتنازل عن مكانك الطبيعي لصالح منافس آخر ربما كان أقل منك مقدرة واستعداداً وإبداعاً. إن كنت دخلت السباق ولم تفز في المرة الأولى فلا بأس، هذا ليس فشلاً بل كبوة، ولكل جواد كبوة، الفشلالحقيقي ليس أن تقع على الأرض لكن أن تظل على الأرض عندما يطلب منك الوقوف.. نظم وقتك واعرف أولوياتك واستمتع بحياتك واترك أثراً يدل عليك ..التاريخ لا يسير في اتجاه واحد فقط والعالم ليس مكاناً ثابتاً، بل إن سر تجدد حضاراته في تغيره المستمر.. الوقت كالنهر الجاري، لا تستطيع أن تضع رجلك على الماء نفسه مرتين في نهر جار، لدي مبدأ ثابت وهو أن كل دقيقة من حياتنا تستحق أن نملأها بإنجاز أو سعادة أو عمل لآخرتنا أو غيره إذا أردت تحقيق الإنجازات فاحرص على كل دقيقة من حياتك.. وأحسن بالخيل تشبه بعض خلاني.. فيها الكرامة وفيها المرجلة واللوم.. هل يستطيع أحدنا أن يحيا بغير أم أو أخت؟ وهل تملأ الرحمة البيوت بغير بنت أو زوجة؟ وهل تحلو الحياة بغير روح الحياة؟ قيمتنا الحقيقية فيما نعمله والعمل مثل الحب، كلاهما يتضاعف بالتضحية والإخلاص وكلاهما أيضاً مهم لاستمرار الحياة.. فكيف تخشى على ما الله حافظه.. كفى به حافظاً في كل منزلق.. الأمم العاقلة هي الأمم التي تؤمن بالإنسان وبقيمته، وأن رأسمال مستقبلها الحقيقي في عقل هذا الإنسان وأفكاره وإبداعاته.. ومن جرّب الدنيا عطته البراهين.. ومن لام نفسه لا يخاف الملامة ..المرأة سر توازن الحياة، وسر جمال الكون، ومصدر المحبة والرحمة في هذا العالم.. الحياة خلقت بسيطة ولا بد أن نعيشها كما خلقت، البساطة هي الفطرة وهي راحة للنفس وهدوء للروح ..الوظيفة جزء من الحياة، والحياة أثمن من أن نضيعها في التعاسة.. لا توجد قوة أكبر من قوة الأمل بحياة ومستقبل أفضل. الباب الرابع: الوطن منطقة الشرق الأوسط ليست منطقة توترات ونزاعات، بل منطقة لالتقاء الحضارات وامتزاج الثقافات وصناعة الإبداعات ..البداية كانت من زايد، والجود أصله وبدايته زايد، والعطاء الحقيقي له اسم آخر يسمونه زايد.. البناء أصعب من الهدم، والسلام أصعب من الحرب، والإقناع أصعب من الفرض، لكن الثلاثة أدوم وأطول عمراً ..من الماضي خذ العبرة وحكمة سالفين جدود.. وعيش الوقت في وقته بقانونه وميزانه، وكل عصر وله لبسه وله إنسانه المولود.. ولي ما جدد أفكاره تغرب داخل أوطانه.. رؤيتنا واضحة وطريقنا ممهد والساعة تدق، ولم يبق مجال أو وقت للتردد أو أنصاف الأهداف والحلول، كثيرون يتكلمون ونحن نفعل، والتنمية عملية مستمرة لا تتوقف عند حد، والسباق نحو التميز ليس له خط نهاية.. تبنى الحضارات بالعقل الذي رجحا.. وبالعزيمة نهجاً بان واتضحا، ومن يجدّ يجد في الجد مطلبه، ومن على العلم ألقى حمله نجحا.. ما حكم التاريخ على زايد وراشد؟ كيف يذكرهما الناس اليوم؟ أنا اعرف الكثيرين ممن إذا تذكروا زايد أو راشد دمعت عيونهم، هكذا هو حكم التاريخ.. نم قرير العين بعد التعب.. يا أبي الأكبر من بعد أبي، أنت ما كنت لشعبي قائداً.. بل زعيماً لجميع العرب، لم يكن زايد فينا واحداً.. بل هو الأمة حين النّوب.. لا بد أن تكون لدينا الروح التنافسية القوية مع الدول والأمم الأخرى، متى فقدنا هذه الروح، بدأنا في التراجع.. الوطن هو القلب الذي يسكننا، والروح التي تسري فينا، والحب الذي يجري في عروقنا، والغالي الذي نفديه بنفوسنا.. نحن دولة صغيرة بمساحتها، عظيمة برجالها، قوية بإنجازاتها.. أحد أهم دروس التاريخ، قديمة وحديثة، هو أن نهضة الدول والشعوب والحضارات تبدأ من التعليم، وأن مستقبل الأمم يبدأ من مدارسها.. تعرفت إلى الكثيرين من زعماء العالم، السياسيين والاقتصاديين، فلم أشاهد أكثر بساطة من زايد. الباب الخامس: الإيجابية ضع أهدافاً تجاه نفسك لتطويرها وتجاه حياتك للارتقاء بها، وتجاه أسرتك للحفاظ عليها، وتجاه وطنك لرد جميله والمساهمة في رفعته.. نحن في بداية الطريق، والطموح أكبر، والرؤية ممتدة، وكلما وصلنا إلى قمة تطلعنا للقمة التي تليها، ولا يعشق القمم إلا أصحاب الهمم.. التفوق يبدأ بحلم وطموح، ويكبر بتحدّ وعزيمة إلى أن يصبح أسلوباً وطريقة حياة، ثم حباً وعشقاً للمراكز الأولى ونجاحات وإنجازات عظيمة.. أسرع وسيلة لتكون سعيداً أن تغرس السعادة في نفوس الناس.. دائماً أقول للشباب: لا تنظروا للبدايات الصغيرة، بل احلموا بالنهايات العظيمة.. المستحيل كلمة يستخدمها البعض لوضع سقف لأحلامهم.. يقولون السماء هي سقف الطموحات، ونقول السماء والأجواء هي البداية فقط.. سنستمر في المسيرة من دون توقف أو راحة، لأن التوقف مضيعة للوقت، والراحة هي في الحقيقة تعب.. لا توجد حياة جيدة وأخرى سيئة، ولا يوجد عالم جميل وآخر صعب، فقط نظرة إيجابية متفائلة أو نظرة سلبية متشائمة سألني أحد المسؤولين العرب عن هدف دولة الإمارات من إطلاق أول مسبار عربي للمريخ وفائدته للمنطقة، قلت له: نريد أن نبعث برسالة أمل ل350 مليون عربي، نحن قادرون على استعادة مستقبلنا.. لسنا أقل من المركز الأول وأي شخص يقنع نفسه بأنه لا يستحق المركز الأول فقد حكم على نفسه بالفشل من البداية.. هل رأيت الصخرة إذا اعترضت ماء يجري، هل يقف الماء؟ لا يقف بل يذهب يميناً أو يساراً ليتجاوزها، وهكذا الإنسان صاحب الطاقة الإيجابية.. ليست العبرة بتواضع البدايات بل بحجم الطموحات.. لا تستطيع أن تقتل الحلم في الشباب ثم تطلب منهم الإبداع والتميز، إذا قتلت الحلم فأنت تقتل الأمل وإذا قتلت الأمل فماذا أبقيت في الناس من حياة. الباب السادس:الحكومة في خدمة الناس إذا نظرت للوظيفة الحكومية على أنها مجرد وظيفة فستكون أنت مجرد موظف.. أهم من الخدمة الحكومية طريقة تقديمها وأهم من عدد المعاملات رضا المتعاملين، وقيمة كل مسؤول هي ما ينجزه في خدمة الناس.. المجتمع هو من يحكم على نجاح الحكومة، ورضا الناس وسعادتهم غاية يمكن إدراكها.. الحكومات المبتكرة تطلق طاقات الشعوب، وترفع من قيمة عقل الإنسان، وتحقق الحكمة الربانية في أن نكون خلفاء الله في أرضه.. وظيفة الحكومة هي تحقيق السعادة للمجتمع، نعم عملنا اليومي هو تحقيق السعادة.. تطوير الأداء الحكومي تطوير للحياة، وهو صناعة نتاجها الرئيس سعادة الناس وراحتهم ورفاهيتهم.. الحياة بغير تحديات مملة، والحكومة بغير تحديات روتينية، والقادة بغير تحديات لا ينجزون.. علمتنا التجربة في الإمارات أن الفرق بين حكومة ناجحة وأخرى فاشلة هو عدد العراقيل التي تزيلها من طريق مواطنيها أو تضعها أمامهم.. الحكومات تشيخ، وتشيخ معها دولها وشعوبها أيضاً وتتراجع أهميتها، ويقل تأثيرها، فتصبح خارج دائرة المنافسة، أو لنقل بعبارة أخرى خارج دائرة التاريخ، ولا يبقى في السباق الحضاري إلا الأمم والشعوب التي تؤمن بالابتكار.
مشاركة :