الإسلام السياسي والديمقراطية

  • 6/10/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

للوقوف على مدى صحة ما تم طرحه في برنامج «المحايد» الذي يقدمه الإعلامي سعدون محسن ضمد وتبثه قناة «العراقية»، وهي إحدى القنوات المملوكة لشبكة الإعلام العراقية الحكومية، كان حريًا بالقضاء العراقي البحث والتقصي لكي يثبت أنه فعلًا سلطة دستورية مستقلة وأنه لا يرى في كل ما بُث بالبرنامج إلا وجهًا من وجوه استعمال الحق في حرية التعبير المكفولة على ما يبدو في الدستور العراقي. هذا أقل القليل المطلوب من سلطة تدعي الدفاع عن الديمقراطية. ما طُرِح من آراء في البرنامج معروف لدى العراقيين ويجري على لسان كل مواطن، بل إن المواطن العراقي المسكين يستشعره مهانة ضد كرامة بلده العراق وبني جلدته من العراقيين مصدرها أحزاب الإسلامي السياسي بمختلف انتماءاتها، ولا بأس من التذكير دائمًا أن هذه الأحزاب لم تتورع يومًا عن إذلال العراق خاصة عندما يسر لها الحمق الأمريكي اعتلاء سدة الحكم؛ لتعلن على الملأ انحيازها الكلي لجهة إيران وتمثيلها الرسمي لمصالحها المُقدَمة دائمًا على مصلحة العراق.   أصل القصة التي نتناولها هنا هو أن قطعان الأحزاب السياسية الولائية المسيرة بالمشيئة الإيرانية انبرت تتدافع، تلبية لأوامر زعماء هذه الأحزاب، لتطويق مبنى القناة التلفزيونية لإثبات قدرتها على كتم الأصوات التي تدين التدخلات الإيرانية في الشؤون العراقية وتفضح الأحزاب والشخصيات التي تمتهن الكرامة العراقية، هو أن البرنامج المذكور استضاف الكاتب والمحلل السياسي سرمد الطائي الذي وجه سيلاً من الانتقادات لكل من رآه فاعلاً مؤثرًا في الشأن العراقي الداخلي، بدءًا من المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي وقائد فيلق القدس المقبور سليماني، إذ ليس في الأمر سر إذا قيل إن المالكي هو من سهل لـ«داعش» الدخول إلى الموصل ليضع كل أهالي الموصل في دائرة الاتهام بالتطرف والإرهاب لداعش، ويبيح لنفسه ارتكاب مذبحة طائفية بغطاء مكافحة داعش التي مكن لها في الأرض العراقية لغايات في نفسه، وليس في الأمر مزايدة أو كذب إذا ما أُعلن أن قاسم سليماني، وهذا واقع لمَسَهُ كل أبناء العراق، قد أدار عمليات القتل والاغتيال على الهوية في عموم العراق وأنه كان الحاكم الفعلي للعراق. هذه مجرد أسماء شواهد من جملة الأسماء التي تعتبرها الأحزاب الولائية رموزًا دينية و«جهادية» وخطًا أحمر ولا تسمح بانتقادها، بل وتكاد تُفتي بتحريم ذلك وبخروج من تجرأ على نقدها من الملة وجواز هدر دمه.  أما السيد فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي أصدر مذكرة قبض في حق الكاتب والباحث سرمد الطائفي بسبب اتهامه لزيدان بـ«التلاعب في المحكمة الاتحادية وبأنه يستخدم القضاء ليمارس انقلابًا سياسيًّا وأمنيًا على نتائج الانتخابات البرلمانية..»، وهي الانتخابات التي جرت منذ أكثر من ثمانية أشهر وشهدت ما شهدت من محاولات الالتفاف على نتائجها التي كانت صفعة في وجه عملاء طهران ومواليها. وللتذكير فحسب نقول بالمناسبة إن مذكرة القبض هذه هي الثانية، إذ جاءت الأولى على إثر شكوى من نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، ويا لسخرية الأقدار التي سخرت لعملاء إيران هيئة قضائية عليا تتصيد كل ناقد أو متأفف من إيران وعملائها! سخرية الأقدار هذه تتبدد إذا ما علمنا أن كل ما ساقه الكاتب والباحث سرمد الطائي في حق القاضي فائق زيدان صحيح، فتهم التلاعب في عملية تشكيل الحكومة وفق الأصوات الانتخابية واقعة ثابتة تؤيدها قرائن عديدة وأدلة ليس أقلها شأنًا أن السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى هو في الواقع أخ زوجة أبو مهدي المهندس الذي أوصى بتعيين أخ زوجته رئيسًا للقضاء، ولا يخفى على أحد أن رئيس القضاء هو رجل إيران في السلطة القضائية. وبقطع النظر عن هذه المسألة، لنُذكر فحسب بأن الأسماء التي انتقدها الكاتب سرمد الطائي قد جلبت الويلات للعراق ما أدى إلى انفجار احتجاجات شعبية في عام 2019 راح ضحيتها أكثر من سبعمائة شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى.  ما كان يميز سلوك الأحزاب السياسية الطائفية منذ مجيئها في عام 2003 إلى العراق على ظهر الدبابة الأمريكية إنه لم يعرف عنها إلا تفضيل مصلحة إيران على مصلحة العراق واختلاق رموز دينية لجعلها مرجعيات سياسية يتعارض وجودها مع الديمقراطية. البرنامج المذكور لم يقل شيئًا جديدًا عن الواقع السياسي، وإنما من خلال هذا البرنامج تواصل الأحزاب الدينية فرض وصايتها على الشعب العراقي. وقول مؤسسة القضاء في مستند اتهامها للبرنامج المذكور ولضيفه سرمد الطائي بـ«إهانة القضاء» إنما تعطي بذلك مسوغًا للتضييق على المواطنين في نقد ممارسات باتت تمس مصالح المواطنين وكرامتهم بشكل مباشر.   هكذا هي أحزاب الإسلام السياسي، سنية وشيعية، تتشدق بالديمقراطية وتزعم أنها تدافع عنها وتحمل لواء تفعيلها في مجتمعاتنا الشرقية، ولكنها بمجرد أن تصل إلى السلطة، وبأية طريقة كانت سواء على ظهر دبابة أمريكية أم بتدبير مخابراتي ينشر الفوضى لقلب أنظمة الحكم القائمة وإحلال بيادق الإسلام السياسي محل القيادات الوطنية، فإن أول ما تقوم به هو التنكر للديمقراطية ومبادئها القائمة على حرية التعبير والمعتقد وتكافؤ الفرص والشفافية والنزاهة والعدالة واستقلالية القضاء؛ لتمارس دكتاتوريتها وتتفنن في إذلال الشعوب وإرغامها على الهوان والذل والتبعية وإغراقها في بحار الجهل المقدس والتفقير الممنهج. أحزاب الإسلام السياسي العراقية ليست إلا واحدة من جملة أحزاب أخرى ظهرت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين الذي يبقى السرطان الرئيس الذي تولدت منه أورام سرطانية انتشرت هنا وهناك في الجسد العربي المسكين.

مشاركة :