الإسلام السياسي والديمقراطية في التجربة التركية

  • 8/17/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

انشغل العرب طويلاً بالتحولات التركية الأخيرة في ضوء المحاولة الانقلابية الفاشلة، سواء بالتعبير عن نوع من (الشماتة) من الاردوغانية، باعتبارها نموذجًا من الاسلام السياسي الذي نجح، او من خلال المنزع الدفاعي اتساقًا مع اصطفاف أيديولوجي معلن وغير خاف، إلا ان هذه المواقف اغفلت - في زحمة الانفعال - ما هو اهم من ذلك، وهو تقييم تجربة الإسلام السياسي في تركيا الجديدة. او تجربة حزب العدالة والتنمية في الحراك السياسي او في إدارة الدولة، حيث أثبت أن بإمكان حزب إسلامي يعمل في إطار منطق الدولة المدنية، وفي سياق ديمقراطي أن ينجح في إقناع الجمهور وكسب ثقته، طالما انه لا يدخل في تناقض مع مشروعية الدولة المدنية وأسسها المستقرة والقائمة على مبدأ سلمية التداول على السلطة في إطار احترام الثوابت. فبعد انتصاره في انتخابات 2002م جدد حزب العدالة والتنمية الإسلامي - الليبرالي الحاكم في انتصاره، بحصوله على الأغلبية في الانتخابات التشريعية في المواجهة الانتخابية الثانية، في يوليو 2007م ومن يومها تتعزز مواقع هذا الحزب على الصعيدين المحلي والخارجي، خاصة في ظل النجاح الاقتصادي الباهر، في زمن الكساد والأزمة المالية في العالم. ونجاح حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبًا محافظًا ديمقراطيًا - وفق المنطق السياسي الأوروبي - يؤشر إلى الأفق الوحيد لإمكانية نجاح الإسلام السياسي، على الصعيد العملي، بنفذ الشعارات الأيديولوجية والعمل ضمن أفق السياسية ومحكاتها وجعل مصالح الناس الفيصل في كل شيء. ولا شك ان نجاح هذه التجربة يقدم البرهان على ان تركيا البلد ذا الغالبية الإسلامية يمكن ان يكون منسجمًا مع العالم المعاصر، بل ومتسقًا مع المنطق العلماني في إدارة الدولة المدنية دون الحاجة الى انتزاع هويته من قلوب الناس وحياتهم.. لقد جاء انتصار حزب العدالة والتنمية قبل كل شيء كاستفتاء على نجاح البرنامج الاقتصادي الذي انتهجه الحزب، وليس تكريسًا للتوجه الإيديولوجي للحزب، بل ربما شكل هذا الانتصار الثاني شكلت احتجاجا على الفساد وعلى إفلاس نظام عفا عليه الزمن ولكن هل يستطيع حزب العدالة والتنمية استكمال مشروعه في تحقيق الآمال التركية لفي التحول بالبلاد إلى قوة اقتصادية بثبات ديمقراطي وتحييد تدريجي لتدخل المؤسسة العسكرية في السلطة، حيث بدا الامر وكأنه لم تعد هنالك حاجة للضمانة العسكرية للإبقاء على النظام السياسي العلماني، إلا أن المحاولة الانقلابية الأخيرة اثبتت ان الامر لم يستقر بعد، وأن تطلعات اردوغان الرئاسية وتقييده للحريات، ما تزال تثير مخاوف العديد من القوى الاجتماعية والسياسية كما المؤسسة العسكرية. لقد أثبتت المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة أن استقرار الأمور لحزب العدالة والتنمية ورئيسه - في ظل الأوضاع القائمة - ليس مضمونًا على الإطلاق، فبالرغم من انتصاره في الانتخابات التشريعية لعدة دورات، فإن الحزب بات يدرك ان عليه من اجل تعزيز سلطته تحقيق المزيد من النتائج الايجابية في المجال الاقتصادي والحقوقي وحل مشكلة التمرد الكردي، وتحييد المؤسسة العسكرية الذي لن يتحقق نهائيًا إلا بضمان علمانية الدولة ومؤسساتها، فقد تعلم حزب أردوغان كثيرًا من التجربة الإسلامية السابقة لحزب الرفاه الذي حكم البلاد لمدة عام واحد برئاسة السيد نجم الدين اربكان الذي أرغمه الجيش على التنحي في 1997، وخلافًا للرفاه، سعى حزب العدالة للوصول إلى حل سلمي للمسألة القبرصية، والى الانفتاح على الحقوق الثقافية للأكراد، والاستجابة للعديد من المطالب الأوروبية المرتبطة بالمعايير الديمقراطية والحقوقية والتشريعية. إن المشكلة الأساسية التي ستظل قائمة تتمثل في خوف القوى العلمانية المحلية والخارجية من نموذج حزب العدالة والتنمية، والخوف في جوهره يتعلق بالحقائق والممارسات الفعلية على الأرض وبالنوايا، حيث اتضح من سلسلة الاجراءات استثنائية المتخذة على اثر فشل الانقلاب وصف اغلبها بكونها تعسفية ولا إنسانية في بعض جوانبها - كالقتل والسحل والاهانة العلنية للمؤسسة العسكرية - والحقيقة التي لا شك فيها ان حزب العدالة يمتلك مشروعًا سريًا طويل المدى يسعى من خلاله لفرض برنامج إسلامي يؤدي في النهاية إلى تقويض أسس الجمهورية العلمانية، مثل السعي إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والعودة الى حكم الإعدام والتحول من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، الذي ينفرد به الرئيس بكافة عناصر السلطة السياسية.. والحقيقة أن زعيم الحزب السيد اردوغان ليس إسلاميا بالمعنى التقليدي للكلمة، بل هو من الذين تمردوا على الإسلاميين التقليديين من صنف اربكان، الذين ظلوا يتحدثون عن السلطة المقدسة (الخلافة) بل وبالعكس من ذلك اتجه نحو المزيد من الاعتدال وتأثر بسياسات السوق الحرة والليبرالية، مع التمسك بالقيم الإسلامية، وذلك من خلال بناء تحالف واسع من القوى، من بينها قوى غير إسلامية، وقد برهن تعامل الحزب مع قضية الحجاب على سبيل المثال درجة من الواقعية التي يتمتع بها، حيث لم يتخذ أي إجراء حتى اليوم في اتجاه طرح مسألة الحجاب لأنه لا يشكل أولوية. إن نجاح تجربة الإسلام السياسي في تركيا قامت على معادلة مؤلفة من الإسلام والديمقراطية، لا يراهما الحزب متناقضين - بالرغم من التناقض الموضوعي الأكيد بينهما - إلا أن هذه الرؤية قد لا تساعد الحزب طويلاً في الحكم - خاصة بعد المحاولة الانقلابية الجديدة وما تولد عنها من تفجيرات - فالمسألة برمتها باقية تحت رقابة العسكريين والنخبة العلمانية - بالرغم من الانكسار الأخير والاذلال الذي مارسه أردوغان ضدهما، حيث يظل الحزب موجودًا في الحكم لكنه لا يمسك بالسلطة كاملة ولعل هذا هو الأفضل للجميع.

مشاركة :