وفي بعض فشلي.. نبوغ 2-3

  • 12/17/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كنا في الأسبوع الماضي قد أشرنا إلى بعض من قاسوا من مرارة الفشل في حياتهم مرات ومرات، واستطاعوا بعدها أن يبنوا لأنفسهم مجداً وتاريخاً مشرِّفاً، فصاروا دار خبرةٍ لمن جاءوا من بعدهم، واليوم والأسبوع القادم إن شاء الله سنتناول الحديث عن رموزٍ أخرى تعجب منها النفس كيف صمدت وأكملت مسيرتها في وسط الإحباطات والانهزامات النفسية، حتى إن أحدهم ذهب إلى الصحراء يريد الانتحار فغلبته نفسه المؤمنة بالله واستعاذ وعاد وبنى صرحاً اسمنتياً وتاريخاً يُشار إليه بالبنان، اثنان من ضيوفنا تشابها في طفولةٍ مرةٍ قاسيةٍ فقد عاشا بين أبوين منفصلين، وتنقلا وهما في سنٍ صغيرةٍ بين بيوت الجد والعم والخال!! عبدالله فؤاد.. ابن المنطقة الشرقية البار، ورجل الأعمال الذي لا يُقهر، كان -يرحمه الله- كلَّما خرج من قصةِ نجاحٍ باغتته بعض المفاجآت التي تهدم كلَّ ما بناه، ومع ذلك يعود بعزيمةٍ وهمَّةٍ أقوى لتعقبها هزيمةٍ أعنف وأقسى، تعرَّض لخسارةٍ قاسيةٍ بسبب ركود اقتصادي ضرب الأسواق العالمية فدفعت البنوك الأجنبية في البحرين إلى مطالبة رجال الأعمال بتسديد ما عليهم من قروض، وقد وصلت ديونه إلى (800) مليون ريال، فاضطر لبيع كل أملاكه في الداخل والخارج ولم ينقذه من مصيرٍ مظلمٍ -بعد عناية الله- إلا تلك التسوية التي كلَّفته كل ما يملك، خذله من كان يعرفهم وصدوا عنه وتهربوا منه لظنهم أنه سيطلب منهم مساعدة، وكأنَّ لسان حاله يقول لهم: (وتجلدي للشامتين أُريهُمُ... أني لريبِ الدهر لا أتضعضعُ)، منذ الطفولة عرف الحُزن قلبَه، فقد عاش بين أبوين منفصلين، رحلت والدته عن بيت أبيه فرحل معها وهو يتبعها بخطواتٍ ثقيلةٍ، وكان عمره آنذاك ثلاثة أعوام، جاهدت أمه في تربيته، فقد كانت تخيط (البراقع) بيدها مقابل بعض (البيض) تشتريه طعاماً لوليدها، وعن مولدِه تسأله: متى وُلدت؟ سيقول لك: في سنة الطبعة، عندما هبَّت عاصفة شديدة ضربت الخليج العربي، وكان الناس ينامون في محاملهم (مفرده: محمل) فغرق العديد من أسطول الغوص، جاء ضيفنا في ظروفٍ صعبةٍ قاسى الناس فيها من العذاب والشتات، وكان يتساءل هل مولده في هذا التوقيت بالذات هو من حُسن الحظ أم من سوئه؟!! البعض رآه أنه من سوء الطالع، ولكنه نظر إليها نظرةً متفائلة بأنَّ القدر أراد أن يُعوِّده منذ بداية مولده على الأهوال التي تنتظره في مشوار حياته القادمة، طفولته كانت تنقله بين بيت عمه وخاله ويوم في سكن العمال الذي التحق به، أول وظيفة له رسمية كانت (مراسلا) في أرامكو السعودية، كان ينقل البريد والأوراق من المكاتب إلى الورش والمستودعات براتب قدره (75) هللة يومياً، تعرَّض للفصل من عمله إثر خطأ غير مقصود بقرار تعسفي من رئيسه، كان أول مشروع تسلمه من أرامكو (مقاولة غسيل السيارات) إلا أن بداية انطلاقته الكبرى كانت مع مشروع التابلاين. حظه العاثر جعله يستبدل أرضه بأرض أخرى في حي العدامة مع أحد التجار عندما كان مضطراً لهذه المبادلة، فوصلت أرضه (بعد التبادل) إلى 200 مليون ريال بينما الأرض البديلة لم تتعدَّ 3 ملايين فقط!! ومن هنا تأتي نصيحته لرجال الأعمال المبتدئين (اجتهدوا وثابروا واعملوا في المجالات التي تفهمون فيها جيداً ولا تتركوا إدارتها للغير)! تبرَّع مؤخراً بمبلغ ( 20) مليون ريالاً لإنشاء برج طبي في المنطقة الشرقية مساهمةً منه في رفع مستوى الخدمات بالمنطقة، وكانت أمنيته التي لم يحققها في حياته هي إنشاء دار للأيتام في المنطقة إلا أنه استطاع أن يُسهم وبشكل كبير في الأعمال الخيرية والاجتماعية للتعويض عن ذلك. في عام 1989 كتب على ورقةٍ بيضاء مقولة ووضعها في برواز لا تُفارق عينيه، هذه المقولة تستحق أن تُكتب بماء الذهب وتُدرَّس بحق في مناهج التعليم العام والكليات والجامعات والغرف التجارية والصناعية، ولعلِّي أقتطف بعضاً منها:- (لا تخف، دافع عن حقك، صمودك هو نصف المعركة، ونفاذ صبرك هو بداية الاستسلام، إذا صادفتك في حياتك مصاعب وعقبات فهذه ليست نهاية العالم، ملايين غيرك واجهوا الشدائد، وتغلبوا على المحن، وقعوا على الأرض، فشلوا عدة مرات ونجحوا في النهاية، انظر حولك إلى كل الناجحين في الحياة، نجاحهم لم يكن سهلاً، فقدوا صحتهم، شقوا طريقهم وتعذَّبوا، وبعد ذلك وصلوا إلى ما هم فيه من مجدٍ ونجاح، إذا جاء الليل أضيء الكهرباء، وإذا انقطعت فأشعل شمعة، وإذا ذابت فأشعل عود ثقاب، وإذا انطفأ فأغمض عينيك وانتظر شروق الشمس من جديد)!

مشاركة :