نتائج الانتخابات اللبنانية وصدمة «حزب الله»!

  • 6/11/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل‭ ‬لبنان‭ ‬كان‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬خاض‭ ‬غمار‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بالمخاض‭ ‬الناقص‭. ‬جرب‭ ‬الشعب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬بطريقته‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقلب‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬المعادلات‭ ‬التي‭ ‬يستمد‭ ‬النظام‭ ‬منها‭ ‬قوته‭. ‬وهي‭ ‬معادلات‭ ‬هشة‭ ‬يمكن‭ ‬اللعب‭ ‬بعناصرها‭ ‬بطريقة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬سبق‭ ‬للأحزاب‭ ‬أن‭ ‬تسترت‭ ‬بها‭ ‬واعتبرتها‭ ‬غطاء‭ ‬لاستمرارها‭ ‬في‭ ‬الحكم‭.‬ كان‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬تهديده‭ ‬لمَن‭ ‬يسعى‭ ‬للعب‭ ‬بموازين‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬عند‭ ‬النقطة‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬إليها‭. ‬كان‭ ‬حديث‭ ‬زعيم‭ ‬الحزب‭ ‬عن‭ ‬المئة‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬دقيقا‭. ‬من‭ ‬غير‭ ‬السلطة‭ ‬ستكون‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬هي‭ ‬البديل‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فإن‭ ‬الأحزاب‭ ‬الولائية‭ ‬تملك‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬المنتسبين‭ ‬إلى‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬إمكانهم‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الفوضى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬فرق‭ ‬الموت‭ ‬مجهولة‭ ‬الهوية‭.‬ في‭ ‬الحالين‭ ‬كان‭ ‬التحدي‭ ‬يمتزج‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬ومن‭ ‬ديمقراطيته‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬واقفة‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الافتراض‭ ‬والتلاسن‭ ‬الفارغ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬معنى،‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬آفاق‭ ‬سياسية‭ ‬بديلة‭. ‬سيبقى‭ ‬الأفق‭ ‬مسدودا‭ ‬ومرتهنا‭ ‬بمفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬احتكرت‭ ‬تمثيل‭ ‬الطوائف‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الشعب‭ ‬الضائع‭ ‬بين‭ ‬وطنه‭ ‬المفقود‭ ‬ومواطنته‭ ‬المهدورة‭.‬ من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والأحزاب‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فإن‭ ‬الأمور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬مجراها‭ ‬‮«‬الطبيعي‮»‬‭ ‬تلقائيا‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬حُسم‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬النظام،‭ ‬بل‭ ‬وتكرسه‭ ‬مصيرا‭ ‬نهائيا‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بديلا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬جاهزا‭ ‬أثناء‭ ‬انتخابات‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬إعدادها‭ ‬لتكون‭ ‬مجرد‭ ‬مسرحية‭ ‬لإضفاء‭ ‬شرعية‭ ‬صورية‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬حملة‭ ‬السلاح‭ ‬بأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬عبارة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬تلمس‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تجسده‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التداول‭ ‬الواقعي‭ ‬والوصف‭ ‬المباشر‭.‬ واقعيا‭ ‬فإن‭ ‬أتباع‭ ‬إيران‭ ‬كانوا‭ ‬مطمئنين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬لن‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يستعيد‭ ‬مواطنته‭ ‬المهدورة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صنعوا‭ ‬واقعا‭ ‬مفخخا‭ ‬بالأزمات‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬بالخبز‭ ‬لتنتهي‭ ‬بالقتل‭. ‬لقد‭ ‬حولوا‭ ‬كل‭ ‬تفصيل‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬مضاد‭ ‬يمكن‭ ‬استعماله‭ ‬لإلهاء‭ ‬الشعب‭ ‬وإذلاله‭ ‬وإسكاته‭ ‬واستضعافه‭ ‬وإفساده‭ ‬واللعب‭ ‬بوجدانه‭ ‬العام‭ ‬وإن‭ ‬فشلت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬فإن‭ ‬السلاح‭ ‬جاهز‭ ‬لكي‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬لاستعراض‭ ‬الحقيقة‭ ‬بطريقة‭ ‬سلمية‭ ‬هي‭ ‬التعبير‭ ‬الممكن‭ ‬الوحيد‭ ‬عما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭.‬ ليس‭ ‬من‭ ‬الاستهانة‭ ‬بالشعب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬إرادته‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تمييعها‭ ‬أو‭ ‬سرقتها‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭. ‬كان‭ ‬لبنان‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬العراق‭ ‬بطائفيته‭. ‬جريمة‭ ‬فرنسية‭ ‬تم‭ ‬تمريرها‭ ‬بين‭ ‬ملفات‭ ‬تاريخية‭ ‬مضطربة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الطائفية‭ ‬الفلكلورية‭ ‬وإن‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬محلية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بابا‭ ‬للخيانة‭ ‬وتخلي‭ ‬اللبناني‭ ‬عن‭ ‬وطنيته‭ ‬والمغامرة‭ ‬بالحرية‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أعز‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬الإنسان‭. ‬أما‭ ‬العراقيون‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬الطائفية‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬ولم‭ ‬يعمهم‭ ‬غبار‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬ماكينة‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬أفرزت‭ ‬عمليات‭ ‬عزل‭ ‬وتهجير‭ ‬وتهميش‭ ‬وتجييش‭ ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬مرويات‭ ‬تاريخية،‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬زائف‭ ‬أما‭ ‬قليلها‭ ‬فلا‭ ‬يمت‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬بصلة‭. ‬كان‭ ‬مهما‭ ‬أن‭ ‬تنقطع‭ ‬صلة‭ ‬العراقي‭ ‬واللبناني‭ ‬بالعصر‭. ‬لقد‭ ‬أسدل‭ ‬عملاء‭ ‬إيران‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬حاضر‭ ‬البلدين‭ ‬وحملوا‭ ‬شعبيهما‭ ‬إلى‭ ‬ماض،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬أحقاده‭.‬ كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬خلفية‭ ‬لديمقراطية‭ ‬مرسومة‭ ‬حدودها‭ ‬بالرصاص‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نقضه‭ ‬الشعبان‭ ‬حين‭ ‬رُسمت‭ ‬تلك‭ ‬الحدود‭ ‬بأقلام‭ ‬الرصاص‭. ‬كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬فعلا‭ ‬ميؤوسا‭ ‬منه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عملت‭ ‬الأحزاب‭ (‬الإيرانية‭) ‬على‭ ‬تكريسه‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬تقترع‭ ‬لصالح‭ ‬عملاء‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬بيتك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬بقيمة‭ ‬صوتك‭ ‬المسروق‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نهب‭ ‬علني‭ ‬للأصوات‭ ‬في‭ ‬حفلة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬لو‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شرعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬الآخرين‭ ‬الغرباء‭ ‬من‭ ‬الاعتراض‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭.‬ أما‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬العراقيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع‭ ‬ليؤكدوا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬إرادتهم‭ ‬العصية‭ ‬على‭ ‬الاحتواء‭ ‬فإنهم‭ ‬يعبرون‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬وجودهم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭. ‬لم‭ ‬يُهزم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بل‭ ‬هُزمت‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬لبنان‭. ‬لقد‭ ‬صدمت‭ ‬الانتخابات‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬بحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حيا‭. ‬لبنان‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬تفاهة‭ ‬الحماية‭ ‬الإيرانية‭ ‬والانقطاع‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬العراقيون‭ ‬بالضبط‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يلتفتوا‭ ‬إلى‭ ‬الخطابات‭ ‬الطائفية‭ ‬ومارسوا‭ ‬ديمقراطيتهم‭.‬ ليس‭ ‬مهما‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬سيفعله‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬المهزومة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬قال‭ ‬كلمته‭ ‬بحرية‭ ‬وكما‭ ‬يحب‭.‬ {‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي‭.‬

مشاركة :