الأخطاء الطبية تتفاقم في تونس بسبب غياب حماية المريض

  • 6/11/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقدر الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية وقوع نحو 15 ألف شبهة خطأ طبي سنوياً تشمل مختلف التدخلات الطبية، فيما يتم سنويًا إيقاف بين 30 إلى 50 طبيبًا بسبب الأخطاء الطبية أو الموت المستراب وغيرهما من الأسباب. وأفاد عصام العامري، رئيس اللجنة التونسية لإعانة المتضررين من الأخطاء الطبية، بأن “الأخطاء تتفاقم في تونس ومختلف البلدان العربية”، قائلا “من أهم الأخطاء التي رصدتها الجمعية منذ أكثر من 8 سنوات على بداية نشاطها هي الأخطاء الطبية الناتجة عن جراحة التجميل نظرا إلى وجود متطفّلين في هذا المجال، وغياب عنصر التخصّص في جراحة التجميل”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الأخطاء ناتجة عن وجود لوبيات في القطاع الصحي تعرقل سنّ قوانين وتشريعات من شأنها أن تنظّم المجال وتضمن حقوق المتضررين من الأخطاء”. وتابع العامري “هناك صعوبات كبيرة يصطدم بها المتضررون من الأخطاء في ظلّ قصور التشريعات، كما أن الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك، فضلا عن كون هجرة الكفاءات الطبية فاقمت ظاهرة الأخطاء الطبية، وأحدثت نقصا كبيرا في تكوين الكوادر الطبية بالمؤسسات الاستشفائية المحلية”. 3000 طبيب يختارون الهجرة في وقت تعاني فيه المستشفيات الداخلية من نقص في الكوادر وسعت أطراف برلمانية وسياسية سابقة للمطالبة بسنّ قانون يكفل حقوق المريض في صورة حصول إخلال أو خطأ طبي ويحدد نطاق مسؤولية الطبيب. وقال عياشي الزمال رئيس اللجنة الطبية بالبرلمان السابق إن “القوانين الحالية قديمة وتجعل المتضرر يشتكي لأن فترة الإجراءات طويلة جدا، كما أن عائلته تظل تنتظر النتائج، والطبيب يبقى أمام الأبحاث والقضاء”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن اللجنة “اشتغلت على قانون جديد يسمى المسؤولية الطبية، وتقدمنا فيه أشواطا عديدة (23 جلسة عمل)، وتوصلنا بعد عمل مشترك بين خبراء ولجان وأطباء وقضاء إداري وغيرهم إلى صيغة نهائية للقانون تتضمن لجانا في مختلف أنحاء البلاد، ويتم النظر في ملف الخطأ الطبي المرتكب في ظرف ستّة أشهر ثم ترصد قيمة التعويض”. وتابع الزمال “الأخطاء يمكن أن ترتكب من الطبيب المباشر أو مساعديه أو من تجهيزات المصحة وتقنياتها، وكل طبيب معرّض للخطأ، وعلينا أن نحسّن في مستوى الخدمات حتى نقلّص من هجرة الأطباء لأننا في حاجة إلى الكفاءات الطبية وخبراتها”. وفي شهر أبريل الماضي قال رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالصحة كريم عبدالواحد إن “للجمعية موقفا من كيفية التعاطي مع الملفات ولجان التحقيق المختصة في عدة قضايا منها الأخطاء الطبية والحوادث الاستشفائية”. واعتبر في تصريح لإذاعة محلية أنه من المفروض على تلك اللجان إعلان نتائج التحقيقات ومسارها ومستجداتها ونشرها على موقع وزارة الصحة ومنح المواطن العادي حق الاطلاع عليها. Thumbnail وأضاف عبدالواحد أن “هناك لجانا محصنة وضعت في إطار الأخلاقيات الطبية والسرية والتمشي الأحادي مما جعلها محل انتقادات وتضارب في المواقف خاصة وخلق نوعا من التخوين من ذلك في المجالين الصحي والاستشفائي بسبب كيفية إيصال المعلومة إلى الرأي العام من طرف الكوادر الطبية والإدارية أو الصحافة المكتوبة أو المرئية”. وتابع أن “هناك مشكلة في عدم القدرة على التواصل خلقت عدم الثقة والشك في أي معلومة تصدر عن اللجان الصحية”، مشيرا إلى قضية “وفاة الرضع” والمسارات المتعاهد عليها أخلاقيا وطبيا والتي حدثت في كنف الغموض ولم تتم ضمن ظروف علمية مركزة أو تتسم بالوضوح والشفافية والحياد لأنها أنجزت في لجان مضيقة. وترى شخصيات حقوقية أن الحق في الصحة مسألة يضمنها الدستور التونسي، معتبرة الأخطاء الطبية انتهاكا من انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، محملة الدولة وهياكلها المشرفة على القطاع الصحي مسؤولية تفاقم الظاهرة. 8500 عدد الأطباء الناشطين في تونس فيما تعاني مستشفيات البلاد الداخلية من نقص كبير في أصحاب الاختصاصات وأفادت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن “الأخطاء الطبية ظاهرة متفاقمة في تونس، وهو ما نعتبره انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، لأن الحقّ في الصحة يعتبر من الحقوق الأساسية، كما أن الدولة رفعت يدها عن الاهتمام بالمرفق العمومي للصحة، فكثر المشعوذون في الميدان بحثا عن الربح المادي”. وأضافت لـ”العرب” أنه “عندما يكون هناك إفلات من العقاب تتفاقم الظواهر، ولو تمت محاسبة كل المخطئين لتمكّنا من الحدّ من الظاهرة خصوصا في المصحّات الخاصة والمستشفيات العامة”. ولفتت الناشطة الحقوقية إلى أن “عمادة الأطباء هي أول من يتحمّل المسؤولية، لأن هذه الممارسات تعتبر لعبا بصحة الناس وجناية في سلم العقوبات القانونية والقتل غير العمد”، مشيرة إلى أن “عامل الكفاءة منقوص وهو ما يمكن أن تنجر عنه عمليات جراحية خاطئة، فضلا عن وجود الاستهتار واللامبالاة بحياة الأشخاص”. وفي استعراض للحلول الممكنة للحدّ من تلك الممارسات التي تمس من صحّة وسلامة الأفراد، قالت الزموري إنه “يمكن على المدى البعيد دعم القطاع العمومي للصحة وتوفير كل الآليات والعناصر البشرية والتجهيزات لاسترجاع ثقة الناس في الصحة العمومية وإدخالها في المخططات القادمة ومعاقبة كل المخطئين والمزيفين للحقائق”. وتابعت الزموري “على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها وتعاقب كل من ثبت تورّطه، وعمادة الأطباء كهيكل مشرف على القطاع عليها أن تتعامل بكل جدية مع ملفات الأخطاء”. Thumbnail وتوفر المؤسسات الصحّية التونسية سنوياً 18 مليون عيادة ومليون عملية جراحية و800 ألف إقامة في المستشفى. وتتكون شبكة المؤسسات الصحية من 29 مستشفى جامعياً و33 مستشفى جهوياً و121 مستشفى محلياً و2080 مركز صحة أساسيّة بكامل أنحاء البلاد. وتنفق السلطات على كليات الطب والصيدلة، حيث يكلّف تكوين طالب طب واحد الدولة نحو 100 ألف دينار تونسي سنويا (نحو 35 ألف دولار). وحسب تقرير أصدرته الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، يبقى عدم المساواة في الخدمات الصحية العائق الأكبر، حيث أن سكان الجنوب والوسط يشتكون من عدم ولوجهم إلى مرفق صحي قريب، وإذا ما بلغوه فإنه لا يتكفل بتلبية حاجياتهم ولا يلائم تطلعاتهم. وتعاني المنظومة الصحية في تونس من تدهور حاد في البنية التحتية والخدمات الصحية والأجهزة تعمق بعد ثورة 2011 مع تعاقب حكومات أهملت الاعتناء بقطاع الصحة العمومية. ويجمع الخبراء على ضرورة مراجعة شاملة لمنظومة الصحّة بفرعَيها العمومي والخاص، مع التداعيات الوخيمة التي فرضها وباء كورونا. وتفتقر تونس إلى قانون شامل للصحة ينظم القطاع وتكون مهمته دراسة استراتيجيات تطويره ويتناول مختلف القضايا منها على وجه الخصوص تصنيع الأدوية والعمل بالمستشفيات العمومية وجامعات الطب. ويبلغ عدد الأطباء الناشطين في تونس حوالي 8500، فيما اختار 3000 طبيب الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج في وقت تعاني فيه مستشفيات البلاد الداخلية من نقص كبير في أصحاب الاختصاصات. ولم تستطع تونس رغم كل الخطط التي وضعتها وزارة الصحة لتحفيز الأطباء على العمل في المحافظات الداخلية وقف مغادرة 80 في المئة من أولئك الشباب إلى دول أجنبية. وتحدد وزارة الصحة النقص في عدد الأطباء بحوالي 3 آلاف، بعدما كشفت جائحة كورونا حجم هذا النقص في الكوادر الطبية وشبه الطبية.

مشاركة :