حثّ الخبير الاقتصادي أسامة معين الدول الخليجية ومنها مملكة البحرين، ممثلة في وزارات المالية والاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى البنوك المركزية، على ضرور إيجاد صيغة لما يسمى بالتوازن الاقتصادي بين ارتفاع الدخل من جهة والارتفاع في الأسعار من جهة أخرى، للسيطرة على التضخم المتوقع في الأسعار، وتجنب تأثيرات الركود المتوقع في أكبر اقتصادات العالم، وهو الاقتصاد الأمريكي، والذي حذر منه عدد من الخبراء الاقتصاديين، من بينهم رئيس مجلس إدارة بنك «جي بي مورغان» جيمي ديمون. وتركت تصريحات ديمون مؤخرًا حول التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي التي وصفها بـ«الإعصار»، والتي حثّ من خلالها الفيدرالي الأمريكي على اتخاذ إجراءات قوية لتجنب إيقاع أكبر اقتصادات العالم في براثن الركود الاقتصادي، أصداءً واسعة لدى العديد من الدول التي ترتبط اقتصاداتها بشكل وثيق وكبير بالاقتصاد الأمريكي. وقال معين لـ«الأيام» إن دول مجلس التعاون، خاصة مملكة البحرين، هم جزء مهم وكبير في المنظومة الاقتصادية العالمية، موضحًا أن هذه المنظومة تمثل جزءًا لا يُستهان به من الاقتصاد العالمي، خاصة أن دول المنطقة تمثل النسبه الأكبر في تصدير النفط، ومقابلها استيراد المواد الأساسية والاستهلاكية، وهنا لا بد دون أدنى شك أن نتأثر بهذه الحالة لارتباطنا المباشر بالمجموعة الاقتصادية العالمية، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والمنظومة الأوروبية. أما عن ارتفاع أسعار النفط وأثره الإيجابي على ارتفاع الدخل القومي، فأشار معين إلى أن ذلك يعكس حالة إيجابية، مضيفًا أن التضخم الحادث وارتفاع الأسعار لجميع السلع الأساسية والمدعومة من الدولة سيكون له تأثير سلبي على هذة الزيادة وستستنفذ الجزء الاكبر منها، وهنا ستكون وزارات المالية والاقتصاد الوطني إضافة إلى البنوك المركزية بحاجة إلى إيجاد صيغة لما يسمى بالتوازن الاقتصادي بين ارتفاع الدخل من جهة والارتفاع في الأسعار من جهة أخرى. وبناءً على ما سبق، فإن أسعار المواد الاخرى الاستهلاكية وحتى غير الأساسية ستتجه للارتفاع، وقد بدأ حدوث ذلك بشكل ملحوظ، وهو قابل للارتفاع بشكل مطرد، وسنجد أن الضرر هنا سيقع على المواطن العادي أو المستهلك، وسيكون بشكل ملحوظ في الأشهر المقبلة. وذكر معين أن بدء الحرب الروسية الاوكرانية وبدء عمليات العقوبات الاقتصادية المتبادلة بين الغرب وأمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا، أسهمت في تسارع ارتفاع وتيرة التضخم المالي في الولايات المتحدة الامرييكية بصورة كبيرة، ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المسّ بالاحتياط الاستراتيجي للنفط، إذ سمح بضخ مليون برميل نفط منه يوميا لمدة 6 أشهر، أي بحدود 180 مليون برميل نفط، من أجل محاولة ضبط أسعار المحروقات التي وصلت الى حدود 35$ للصفيحة في الفترة الماضية، وهذا يعني أن معركة التضخم أصبحت النقطة المحورية في جدول أعمال الرئيس الأمريكي في المرحلة الحالية والمقبلة، ما يؤكد عمق الأزمة التضخمية التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية على مختلف الأصعدة. وأشار معين إلى أن العلاقة بين معدلات التضخم وأسعار النفط هي علاقة مترابطة، إذ إن ارتفاع الأسعار والتضخم يسهمان في ارتفاع كلفة الانتاج، وبالتالي يؤدي الى ارتفاع أسعار النفط، والعكس صحيح؛ عندما ترتفع أسعار النفط سيؤدي ذلك الى ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع الأسعار، ما سيسهم في مزيد من الارتفاع بمعدلات التضخم المالي، لافتًا إلى أن هذا ينذر بأننا سنواجه قريبًا أزمة كبيرة مرتبطة بارتفاع معدل الغلاء المعيشي، الأمر الذي سوف يؤثر حتمًا بالدرجة الاولى على الدول النامية والفقيرة التي سوف تستورد التضخم من الدول الصناعية التي تستورد منها معظم حاجاتها الاستهلاكية، لذلك وجب الحذر من الآن والعمل الجدّي في هذه الدول على تطوير إنتاجاتها المحلية للتخفيف من حدة تأثير الأزمة عليها في المستقبل القريب. وبيّن أن التضخم في أمريكا يرتفع بنسبة 8.6% مسجلاً أعلى مستوى منذ 40 عامًا في مايو، مضيفًا: «باعتقادي انه لم يصل إلى الذروة بعد، فما زالت أسعارالبترول والغاز في تحدٍّ وارتفاع، وما زالت الأوضاع في أوروبا غير مستقرة بسبب الحرب في أوكرانيا ونتوقع تطورها في وقت لاحق». مؤكدًا أن هناك العديد من السلع الاساسية التي تأثرت أيضًا بشكل مباشر في هذه الأوضاع إضافة الى النفط والغاز، مثل القمح والشعير والذرة وغيرها العديد، وعليه فإن أسعار المواد الغذائية الأساسية والسلع المرتبطة بها ستتأثر عالميًا بشكل كبير، وأيضًا ترتبط هذه السلع بالكميات المنتجة وتوزيعها. ومن هنا يزداد التضخم بشكل كبير ويؤثر بشكل اكبر على الدول ذات الاقتصادات الكبيرة. ولفت إلى أن حجم السيولة النقدية في السوق الأمريكي أصبح كبيرًا جدًا بفعل طبع البنك المركزي الأمريكي لآلاف المليارات من الدولارات من أجل تغطية العجز المالي الحاصل بعد غزو فيروس كوفيد-19 للولايات المتحدة في العامين الماضين، إذ اعتمدت الحكومة الأمريكية وقتها سياسة طبع العملة من دون تغطية اقتصادية وإنتاجية حقيقية للكمية المطبوعة.
مشاركة :