يستعيد لبنان شريط ذكريات سينمائية وثقافية مستخرَجة من حكايات الماضي، ليعيد إلى أذهان أبنائه زمنا ذهبيا في وقت يعانون فيه وضعا اقتصاديا هو الأسوأ في تاريخهم، وذلك ضمن فعاليات مهرجان أيام بيروت السينمائية. فبعد غياب ثلاث سنوات، عاد هذا المهرجان ليلوّن أيام لبنان متنقلا بين ربوعه في دورة عرض تستمر من العاشر إلى التاسع عشر من يونيو. ويتضمن المهرجان أعمالا سينمائية من الأردن ومصر ولبنان واليمن وفلسطين وسوريا. وقالت المديرة التنفيذية للمهرجان جيسيكا خوري إن “موضوع هذه السنة هو عن علاقتنا مع ماضي المدينة، وهناك معرض عن بيروت في أيام العز ما قبل الحرب ومقتطفات من الأفلام التي كان يتم تصويرها هنا والجو العام الذي كان سائدا في بيروت”. وقالت ريهام عاصي المديرة الفنية للمهرجان “بعد الأزمة والصعوبات والتحديات المعيشية والانفجار الذي حدث في مرفأ بيروت، يمكن لهذا المهرجان أن يواجه التحديات للمقيمين في هذا البلد والذين يعانون كثيرا، وهو يشكل لهم متنفسا ومساحة مفتوحة لمشاهدة أفلام، أما المخرجون فيعبرون عن حالهم بعرض الأفلام”. وافتُتح المهرجان الجمعة بعرض الفيلم الروائي الطويل “فرحة” للكاتبة والمخرجة الأردنية دارين سلام. وتقول مخرجته إن اسمه يرمز إلى “الفرحة المسلوبة قسرا من الفلسطينيين، فقد كبرتُ وأنا أستمع إلى أجدادي يتحدّثون بحسرة عن فلسطين وأيامها، كأنها فرحة لم تكتمل، لذا أسميتُ فيلمي باسم الشخصية الرئيسية من دون تفكير”. ويطرح الفيلم قصة فرحة الفلسطينية البالغة من العمر 14 عاما والتي تحلم بتلقي تعليمها رافضة فكرة الزواج المبكر مثل قريناتها في ذلك الحين، وحينما تنجح في إقناع والدها وتتسلم ورقة تسجيلها بالمدرسة تقع أحداث حرب 1948 حيث يتوالى خروج الفلسطينيين من ديارهم، ويدفع خوف الأب على ابنته إلى حبسها داخل المنزل لتراقب من خلال الشقوق تحوّل القرية إلى خراب. وقالت دارين سلام إن فكرة الفيلم مستوحاة من حدث حقيقي كانت هي نفسها أحد من استمعوا إليه. وأضافت أن “القصة سافرت من خلال السنين وبقيت في بالي”. ويعرض المهرجان الفيلم الوثائقي السوري “حكايات بيتية” للمخرج نضال الدبس الذي أُجبر على مغادرة سوريا مع احتدام الحرب وتوجّه مع أسرته إلى القاهرة حيث يتملكه الحنين إلى منزله الدمشقي، ويجد ملاذه في مقاطع الفيديو والذكريات الخاصة ببيت العائلة. ويحاول الدبس من خلال الفيلم التسجيلي عرض الآمال والانكسارات والتعبير عن الحنين للوطن من خلال مسرح سينما قديم مغلق اكتشفه في قلب القاهرة مستخدما أشرطة الفيديو المنزلية ليروي قصة أمل، ربما كانت مشوبة باليأس أيضا. وتُختتم دورة المهرجان السينمائي بفيلم “البحر أمامكم” للمخرج اللبناني إيلي داغر والذي عُرض ضمن برنامج المخرجين في مهرجان كان عام 2021. ويعكس الفيلم الحالة الراهنة في لبنان من خلال قصة جنى الشابة اللبنانية التي تعود إلى بلادها بعد غياب طويل والمرور بتجارب سيئة في غربتها بفرنسا. ويتناول داغر في شريطه السينمائي حالة المواطن اللبناني بما يعتريه من قلق وترقب وخوف من الآتي، حتى أنه لم يعد يقوى على مجرد الحلم وسط السلبيات السائدة. ويُبرز المخرج من خلال شخصية البطلة حالات لبنانية مثقلة بالهموم والأحزان وينقل من خلالها أوجاع الشباب الذين توقفوا عن الحلم بعد أن تملّكهم اليأس وحاصر أيامهم فأصبحوا ينتظرون انفجارا أو تسونامي يعصف بالبلد الممزق. وعلى هامش المهرجان يُفتتح الأحد معرض صور بعنوان “في هذا المكان – شرائط لوسط بيروت” يسترجع مراحل زمنية مختلفة من مدينة بيروت في سنوات تألقها، متنقلا بين موانئ وفنادق وحانات وشوارع المدينة في الفترة الممتدة من عام 1935 إلى 1975. وفي ختام المهرجان سيقام حفل موسيقي للمطربة اللبنانية ريما خشيش على مسرح المدينة في التاسع عشر من يونيو، حيث تتجسد فكرة المهرجان من خلال أغنيات الزمن الجميل من أفلام مصرية كلاسيكية غنتها مطربات وممثلات شهيرات مثل ليلى مراد وهدى سلطان وصباح وشادية وسعاد حسني.
مشاركة :