كلنا نعرف أن الموت هو مصيرنا الذي لا مفر منه، وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إليه مثل الأمراض، الحوادث.. ولكن الغريب بأننا قد نموت ببساطة إذا قررنا أن نتخلى عن الحياة! وهذا ما يُطلق عليه "الموت النفسي". يعتبر الموت النفسي مرحلة تسبق الموت الفعلي، وتوصف بأنها: "مرحلة استسلام تام، وفقدان للرغبة في الحياة، تجد فيها المرء راقدًا دون أن يحرك ساكنًا، حينها لا يمكن لأي شيء أن يوقظه من سباته". وعادة ما تستغرق هذه الحالة عدّة أيام. يقول مصطفى محمود رحمه الله: "أحياناً يموت الإنسان من الداخل، ينطفئ شغفه في الحياة فجأة، ثم يبقى يحمل جثته معه إلى آخر العمر". ويقول "د.جون ليتش" في دراسة له بعنوان "الاستسلام" بأن هذا المصطلح قد طُرح منذ عقود في الفرضيات الطبية، إلا أن دراسته تعتبر أول دراسة علمية تتفحّص هذه الظاهرة، وقد أشار خلالها لأن "الموت النفسي" لا يعتبر انتحارًا ولا اكتئابًا، وإنما هو فعل التخلّي عن الحياة نتيجة أحداث صادمة وقاسية جدًا تحدث في حياة الأفراد، وتؤثر عليهم بشكل كبير جسديًا أو معنويًا، ويمكن تعريف "الموت النفسي" بأنه: حالة من الصدمة النفسية تصيب الشخص ويشعر خلالها بالعجز التام، وبأنه لا مفر من الوضع الراهن فيعتبر الموت هو الخيار الوحيد بالنسبة له، ويمر الشخص خلالها بخمس مراحل تنتهي عادة بالموت خلال أيام. وبحسب "د. ليتش" فإن هذه الأفكار السوداوية تأتي نتيجة تغير يحدث في الدوائر الأمامية تحت القشرية للدماغ، وتحديدًا في الدائرة الحزامية الأمامية (CCA) المسؤولة عن تحفيز الجسد للعناية بنفسه من أجل الاستمرار في الحياة. ➢ مراحل الموت النفسي: 1. العزلة الاجتماعية: خلال هذه المرحلة تظهر على الشخص علامات الانسحاب الاجتماعي، والهروب من اللقاءات، وهي طريقة للتحرر من المشاعر والالتزامات العاطفية. 2. قلة الاهتمام الشخصي والفتور: خلال هذه المرحلة يهمل الشخص نفسه واحتياجاته الجسدية ونظافته الشخصية. 3. فقدان الحافز: يفقد الشخص خلال هذه المرحلة قدرته على القيام بأي عمل مهما كان بسيطًا، مثل المهام اليومية بسبب الحزن والإحباط، فلا يتفاعل مع الآخرين ولا يأكل ولا يساعد نفسه للقيام بأي شيء. 4. انعدام الحركة والخمول التام: بالرغم من أن الشخص الذي يمر بحالة الموت النفسي قد تكون قوته العضلية موجودة وسليمة؛ إلا أنه يصبح غير قادر على استخدامها، فيعاني من حالة تعذر في الحركة، وقد لا يشعر بالألم الجسدي مهما كان قويًا. 5. الموت النفسي: يصل الشخص لهذه المرحلة في غضون أربعة أيام تقريبًا من وصوله لحالة تعذر الحركة، ويقول "د. ليتش" واصفًا هذه المرحلة: " إنّ الأمر أشبه بتفكك الشخص. إنها اللحظة التي يتخلى بها الشخص ويهجر كل شيء، وقد يبقى راقدًا أو نائمًا على برازه وفضلاته، ولا يفعل شيئًا". وعلى الرغم من جدية وخطورة هذه الظاهرة، إلا أنها قابلة للعلاج من خلال مساعدة الشخص على استعادة أحاسيسه ومشاعره من جديد، ومحاولة رفع هرمون "الدوبامين" المسؤول عن إنعاش الشخص وإعطائه شعورًا بالعافية، وحثّ المريض على القيام ببعض التمارين الرياضية، وفتح أفق جديد له في الحياة لمساعدته على تجاوز حالة الصدمة التي تعرض لها. وختامًا يجب القول بأنه من الضروري ألا نتهاون مع حالات الصدمة التي تحدث للأشخاص من حولنا، وأن نتعامل معها بجدية، وأن نحاول أن نمد يد العون لهؤلاء الأشخاص من خلال السماح لهم بالتعبير عن آلامهم، ومحاولة تخفيفها عليهم، وتذكيرهم بأهميتهم وبأنهم أشخاص محبوبون ومهمون. كما يجب أن نتعامل مع "الموت النفسي" على أنه أمر حقيقي يحدث كل يوم حول العالم. كما يجب ألا يغيب عنا قول النبي -صلى الله عليه وسلّم- أن الله تعالى يقول: " أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملا ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعًا ، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
مشاركة :