ما انفكت الصراعات السياسية والتهديدات العسكرية تقف عائقاً أمام وضع الشراكات الاستراتيجية المتبادلة بين الدول موضع التطبيق، لكن الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية جاءت مغايرة للشراكة المعتادة بمعناها التقليدي، فمع أن الأهداف والمقاصد الأمنية تحتل بؤرة الاهتمام فيها، فإن أول ميادينها الملموسة قد تجسد في بعدها المدني. وفي كتابه الذي نستعرضه هنا حول «الشراكة الاستراتيجية بين كوريا الجنوبية ودولة الإمارات العربية المتحدة»، يحاول نيو سونج، الأستاذ بجامعتي «جورج تاون» و«شنغهاي للدراسات الدولية»، استشراف خصائص الشراكات الاستراتيجية ودراسة أنماطها، متخذاً من العلاقات الإماراتية الكورية الجنوبية نموذجاً. وكما يذكر «سونج» فإنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية ودولة الإمارات عام 1980 سلكت العلاقات الثنائية بين البلدين مساراً اتسم بالانتظام والديمومة. وبحلول القرن الـ21، وإلى جانب النشاطات التجارية التي شهدها القطاع النفطي، أبرمت كوريا الجنوبية عقوداً لنباء عدد كبير من محطات تحلية المياه في دولة الإمارات، فضلاً عن المساهمة في إنجاز مشاريع مهمة أخرى فيها، وتصدير كميات كبيرة من الأجهزة والأدوات المنزلية إليها. وعقب الأزمة المالية عام 2008، أبدت كوريا اهتماماً كبيراً بالاستفادة من خدمات التمويل الإسلامي. وتتويجاً لمسار علاقات التعاون المتنامي بينهما، أرسى الجانبان في عام 2009 أساس الشراكة الاستراتيجية بدءاً بمشروع إنشاء محطات للطاقة النووية في دولة الإمارات. ففي ذلك العام فاز تحالف الشركات الكورية الجنوبية، الذي ترأسته الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) بعقد لبناء محطات الطاقة النووية الإماراتية، بلغت قيمته 20 مليار دولار، وبذلك تصبح الإمارات الدولة العربية الأولى التي توظف الطاقة النووية المدنية، وأول من يستخدم الصادرات النووية الكورية الجنوبية. وعلاوة على التعاون في مجال الطاقة النووية، يتطرق المؤلف إلى تطوير حقول النفط والغاز كميدان آخر للتعاون الاقتصادي بين كوريا الجنوبية ودولة الإمارات، فهذه الأخيرة هي ثاني أكبر مصدِّري النفط لكوريا الجنوبية، ومن هنا يأتي تفاعل المصالح المتبادلة بين البلدين بالنسبة للقضايا النفطية. وبغرض المضي قدماً في هذا المجال، يقول المؤلف، فقد وقّعت الدولتان عام 2011 مذكرة تفاهم تتعلق بمشاركة كوريا الجنوبية في عمليات التنقيب عن النفط. وانطلاقاً من تلك المشاريع وغيرها من مشاريع التنمية الاقتصادية الأخرى، فقد توسعت الشراكة الاستراتيجية بي البلدين وصولاً إلى الميدان العسكري، لاسيما في مجالي التدريب والتسليح، علاوة على التعاون في مجال محاربة القرصنة. وهكذا تضافرت مشاريع بناء محطات الطاقة النووية وتطوير عمليات إنتاج النفط والغاز لتمكين كوريا الشمالية ودولة الإمارات العربية المتحدة من إقامة علاقات ثنائية ترتكز إلى التنسيق والتعاون المتبادلين. وكما يشرح المؤلف، فإن تمتين العلاقات بين البلدين وتطويرها قد ارتبط -ولا يزال- ارتباطاً وثيقاً بالاستراتيجيات التي ينتهجها كل منهما على المستوى الدولي. فمن جهة بدأت كوريا الجنوبية تختط لنفسها طريقاً في الدبلوماسية الخارجية أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى فإن الخيار الاستراتيجي لدولة الإمارات يشكل ركناً مهماً من أركان سياسة «التطلع شرقاً» التي اختطها العالم العربي لنفسه، كما أن الحيوية التي تتميز بها دولة الإمارات في مجال الحرية التنافسية وفي انفتاحها على العالم، جعلت كوريا الجنوبية -لما تتمتع به من قدرات اقتصادية قوية وصناعات تكنولوجية متطورة- ركناً أساسياً من أركان سياسة «التطلع شرقاً» التي تنتهجها دولة الإمارات. هذا علاوة على شروع هذه الأخيرة في الانتقال نحو عصر ما بعد الوقود الأحفوري.. ليشكل كل ذلك معاً أساساً مكيناً لإقامة شراكة استراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية. محمد ولد المنى الكتاب: الشراكة الاستراتيجية بين كوريا الجنوبية ودولة الإمارات العربية المتحدة المؤلف: نيو سونج الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2014
مشاركة :