في اليابان، ينهي 30 ألف مواطن حياتهم سنوياً بسبب الديون والبطالة، فيما يعرض البريطانيون أعضاء من أجسادهم للبيع للحصول على مبالغ مالية لتجاوز مشكلاتهم المالية، وهو ما يحدث كذلك في الهند حيث يدفع الفقر مواطني تلك الدولة إلى بيع أبنائهم للتخلص من أعباء الديون، وهو ذات السبب الذي جعل مراهقا صينيا يبيع كليته من أجل الحصول على جهاز iPad2. أما السعودي وعلى الرغم من همومه اليومية التي لا تقل حدة عما ذكرنا، فتجده في إحدى الاستراحات يتناول رأسا من «المعسل»، أو مع أصدقائه في جلسة «بلوت»، وهو لا يحمل في محفظته سوى بطاقة صراف ليس بها إلا ريالات معدودة لم يتمكن من سحبها كون أجهزة الصرف الآلي لا تسمح بأي عملية أقل من 100 ريـال بعد أن استحوذ البنك على نصف راتبه لتسديد مديونيته وذهب النصف الآخر من ذلك الراتب ما بين دفع مستحقات فواتير الكهرباء والمياه والهاتف و«حفائض» الأطفال وأقساط شركات السيارات. كم عظيم هذا المواطن! يعلم أنه بلغ الستين ولم يمتلك منزلاً، ويعي تماما أن دوره قد حان للتقاعد وأنه لن يحصل إلا على الفتات من المال كما هو حال «العسكر»، وأن في رقبته «كوم عيال» وقد بلغ الثلاثين عاماً وهو لا يزال عاطلاً عن العمل، ويفكر في شراء منزل في إندونيسيا أو سريلانكا ليقضي فيه مع أم «العيال» بقية سنوات عمريهما. يدرك السعودي أنه اضطر للاستلاف من جاره تارة ومن زميله في العمل تارة أخرى إلا أنه يؤكد لـ«ربعه» في الديوانية وهو « يخمس» يده في «المندي» أنه سيسافر إلى تركيا لقضاء الإجازة القادمة بين ربوعها مع أسرته! يحتمل المواطن «هنا» زحام السيارات والمارة بسبب مشاريع الجسور على أمل أن تفي أمانة مدينته بموعد افتتاحه ليتفاجأ أن عقارب الزمن لتسليم المشروع قد وقفت، ويشتكي من ضعف البنية التحتية التي تنال من سيارته وصحته وقبل كل ذلك من كرامته، مع علمه أن ما تم إنفاقه على مشاريع البنية التحتية بين عامي 2003م و2012م تجاوز 412 مليار ريـال، ويبتلع بمرارة هدر إنسانيته وهو يراجع إلى بعض «الدوائر» الحكومية، وهو لا يعلم ما اسم أمين مدينته أو وزير البلديات ومدير المرور ومسؤول المحكمة والجوازات التي يضطر أن ينام في مقرها للحصول على رقم لإنهاء معاملته. كم عظيم هذا المواطن باحتماله سوء إدارة بعض وزرائه ومسؤوليه، فهو لا تهمه أسماء المسؤولين وألقاب معاليه وسعادته، إلا أنه يتحدث في مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك سوء إدارة، فوزراؤه المنعمون أبا عن جد والمشغولون عن تلبية احتياجاته لا يعرفون ما هي همومه، ووكلاء متمسكون بكراسيهم منذ أن ولدنا، وقرارات كثير من المؤسسات الخدمية التي تعني بخدمة المواطن هي هبة فقط للمسؤول الأول يعطيها متى شاء وكيفما يشاء. نعم، مشكلتنا «هنا» هي سوء الإدارة التي حذر منها قائد هذه الأمة عندما قال للوزراء حين إعلانه ميزانية الدولة لهذا العام: لا عذر لكم بعد اليوم في أي تقصير أو تهاون أو إهمال، وهو ما كرره أيضا عندما اجتمع مع سفراء المملكة العام الماضي. إن سوء إدارة أولئك الوزراء ومسؤولي مؤسساتنا الحكومية وبيروقراطيتهم زرعت داخلنا لا مبالاة حول من يكون وزيراً أو مسؤولاً، فقد تجاوزنا ذلك لندرك أن الأحق في ذلك المكان هو الأجدر فعلاً لا نسباً خاصة بعد أن بلغت خسائرنا بسبب سوء إدارتهم أكثر من 60 مليار ريـال سنوياً. أولئك المسؤولون والقابعون على كراسيهم وقلوبنا سواء كانوا وزراء أو ما دون ذلك يجب محاسبتهم فبسببهم سجلت المملكة نسب فساد مالي وإداري قدر بـ3 تريليونات ريـال سعودي سنويا، وفقد شبابنا 120 ألف وظيفة في العام ليساهموا بصورة أو أخرى في انتشار بعض صور الفساد الإداري في المملكة جعلها في مراتب متراجعة حددتها منظمة الشفافية العالمية، حيث أتت المملكة في المرتبة 80 من أصل 160 دولة في العالم. وطننا مملوء بالكفاءات التي تدرك مشكلاتنا عن قرب، فنحن لا نريد سوى مسؤول يعي مسؤولياته تجاه شعبه، نريد محافظي مدن يلقون بـ«مشالحهم» بعيداً ويخرجون إلينا ليستمعوا إلى مطالبنا، نريد مسؤولاً عن الأمن يضع الخطط «الحكيمة» لخفض حوادث الطرق التي تكبد الاقتصاد السعودي13 بليون ريـال سنوياً. نحلم بأن يكون لدينا وزير اقتصاد وتخطيط يكافحان لتنويع مصادر الدخل يعلمان ما هي الاحتياجات الفعلية لمناطق ومدن وقرى المملكة المختلفة من المشاريع التنموية، ووزير تعليم يراهن على معلميه بعد إعطائهم حقوقهم المالية والاجتماعية، ووزير خدمة مدنية يستشعر خطر البطالة على الوطن ويعترف أن هناك ضعفاً واضحاً في أجهزة الخدمة المدنية، وزير صحة يعاني مثلما نعاني عند مرضنا بسبب قلة المستشفيات الحكومية وجودة عملها، نتمنى أن يكون لدينا وزير «تعليم عالي» مدركاً أهمية التنمية في حياتنا بإصداره «فرماناً» بتدريس التنمية بمختلف أنواعها واعتبارها من المقررات حتى يكون لدينا الكوادر العلمية والكفاءات المهنية القادرة على وضع وتنفيذ الخطط التنموية بكفاءة عالية، نريد مجلس شورى لديه صلاحيات التحقيق والمساءلة، وسرعة البت في قضايا الفساد، نريد قضاة مبتسمين لا يتباطأون في إصدار الأحكام، وهيئة ادعاء تتبنى إجراءات فاعلة في الهيئات الحكومية لضمان إمكانية المساءلة للعاملين في الخدمات العامة. نريد مسؤولين مخططين في وزاراتنا، أقوياء يغلقون ثغرات ترسية المشاريع لغير مستحقيها، يعون أهمية أن يتوافق مستوى تكلفة المعيشة للمواطن الموظف بالأجهزة الحكومية بما يتناسب والعيشة الكريمة. نريد قيادات مدربة على كيفية صياغة وتنفيذ الخطط التنموية من خلال معرفتهم الدقيقة باحتياجات البلاد ومواطنيها والمعوقات التي تقف في سبيل تحقيق التنمية والعمل على علاجها أو الحد من تأثيرها على عملية التنمية.
مشاركة :