وصفت أوساط دبلوماسية في العاصمة الأميركية إعلان الجنرال المتقاعد جون ألين عن استقالته من إدارة معهد بروكينغز بأنه اعتراف غير معلن بصحة الاتهامات الموجهة إليه بالتأثير على قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لصالح قطر في أزمة 2017 مع جيرانها، في الوقت الذي أكدت مصادر أميركية مطلعة أن التحقيقات توسعت لتشمل شخصيات سياسية مهمة في الكونغرس. وقالت هذه الأوساط إن الاستقالة خطوة استباقية تخفي إقرارا واضحا بالتهم الموجهة إلى جون ألين من خلال التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي على بياناته الإلكترونية، وإن الهدف امتصاص الصدمة التي ستحدث لو أن القائد السابق للقوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان استمر في المكابرة ولم يعترف باشتراكه في الفضيحة السياسية التي باتت تعرف باسم “قطر غيت” والتي سيقود الكشف عن تفاصيلها إلى صدمة في الأوساط السياسية الأميركية. واعتبرت الأوساط ذاتها أن إعلان ألين عن استقالته لن يتمكن من تطويق فضيحة “قطر غيت” خصوصا بعد تسريبات عن استجواب مكتب التحقيقات الفيدرالي لعدد من أعضاء الكونغرس، مما يفتح المجال لتوجيه اتهامات أخرى لشخصيات سياسية معروفة في واشنطن. إعلان ألين عن استقالته يخفي مسعى لتطويق {قطر غيت} وحصر المسألة في عدد محدود من النافذين ورفضت قطر الرد على الاتهامات بضلوعها في “قطر غيت”، لكن إفادة السفير السابق لدى الإمارات ريتشارد جي أولسون عن المسألة واعترافه بالمسؤولية يفتحان الباب لتحقيقات أكبر بهذا الخصوص. وكتب الجنرال المتقاعد استقالته في رسالة إلى معهد بروكينغز أورد فيها أنه سيغادر المؤسسة “بقلب مثقل”، وأن استقالته هي “الأفضل لجميع المعنيين في هذه اللحظة”، دون أن يقدم تفسيرا لقراره، وهو ما أعطى انطباعا قويا بأن جون ألين يريد تطويق تداعيات القضية وحصرها في مجموعة من النافذين في واشنطن ومنع تحويلها إلى قضية رأي عام. وكانت دوائر أميركية قد اتهمت قطر بتجنيد أعضاء في الكونغرس وأن نفوذها بات قويا في وسائل إعلام عريقة، وأنها نجحت في التأثير على قرار وزارة الخارجية في ما يتعلق بالأزمة مع دول المقاطعة الأربع. ومن شأن تحريك مختلف هذه الملفات الآن أن يظهر مصداقية الدول المقاطعة ومشروعية مطالبها من إدارة ترامب تجاه قطر. كما أنه يفسر إلى حد كبير أسباب البرود المستمر إلى الآن في علاقات واشنطن بدول مثل السعودية والإمارات. وعملت قطر في مسعاها لبناء لوبي ذي تأثير قوي على استقطاب شخصيات عملت في مواقع مهمة وساعدتها على أن تظل في الواجهة من خلال تمويل مشاريع ذات أبعاد فكرية وسياسية ولديها حظوة في المشهد الإعلامي والسياسي مثل معهد بروكينغر، وذلك لتكون تلك الشخصيات قادرة على توظيف المعلومات التي حصلت عليها أثناء أداء مهامها للتأثير على التوجه الرسمي للإدارة الأميركية وعلى الرأي العام، ودون أن تلفت إليها الانتباه. اقرأ أيضا: قطر غيت: معهد بروكينغز يوقف رئيسه عن العمل لوبي أميركي أنقذ قطر من أزمة المقاطعة الخليجية وأوقف معهد بروكينغز الأربعاء الماضي رئيسه جون ألين عن العمل على خلفية التحقيق الفيدرالي معه بشأن التأثير على قرار إدارة ترامب، في خطوة استباقية من المعهد للنأي بنفسه عن “قطر غيت” خاصة أنه سبق أن حصل من الدوحة على تمويلات لأنشطته. ففي 2007 وافقت وزارة الخارجية القطرية على تمويل فرع تدعمه المؤسسة في الدوحة وهو مركز بروكينغز الدوحة. وقالت الحكومة القطرية في بيان صحافي صدر سنة 2012 إن دور المركز تضمّن إبراز “صورة قطر المشرقة في وسائل الإعلام الدولية، وخاصة الأميركية”، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أظهر أن قطر قدمت 14.4 مليون دولار من التبرعات لمعهد بروكينغز على فترة امتدّت أربع سنوات. وقال أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في إفادة خطية بشأن مذكرة البحث إن هناك “دليلا جوهريا” على أن الجنرال ألين قد انتهك عن عمد قانون جماعات الضغط الأجنبي، وأدلى ببيانات كاذبة وحجب وثائق “تجريم”. وتضمّن عمل ألين وراء الكواليس السفر إلى قطر والاجتماع بكبار المسؤولين في البلاد لتقديم المشورة لهم حول كيفية التأثير على السياسة الأميركية، بالإضافة إلى الترويج لوجهة نظر الدوحة لدى كبار المسؤولين في البيت الأبيض والكونغرس، وفقا لإفادة مكتب التحقيقات الفيدرالي. وساهم الجنرال ألين في تغيير موقف إدارة ترامب كليا من قطر في خلافها مع دول المقاطعة الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بالرغم من أن موقف الرئيس السابق كان في انطلاقه يميل لصالح السعودية والإمارات. وضغط ألين على مستشار الأمن القومي آنذاك إتش آر ماكماستر لجعل إدارة ترامب تتبنّى لهجة أكثر ودية مع قطر، وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى ماكماستر إن القطريين يريدون من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية إصدار بيان بلغة تدعو جميع أطراف الأزمة الدبلوماسية الخليجية إلى “ضبط النفس”. واستجاب وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون بعد يومين فقط، وأصدر بيانا دعا فيه دول الخليج الأخرى إلى “تخفيف الحصار المفروض على قطر” وطالب “بألا يكون هناك المزيد من التصعيد من الأطراف في المنطقة”. Thumbnail وكتب عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي باباك أديب في طلب مذكرة تفتيش أن ألين أساء التصريح بدوره في حملة الضغط أمام المسؤولين الأميركيين، ولم يكشف عن أنه “كان يسعى لإبرام صفقات تجارية بالملايين من الدولارات مع حكومة قطر”. وقاد التحقيق كذلك إلى إماطة اللثام عن الدور الذي لعبه السفير السابق لدى الإمارات أولسون في التأثير على موقف بلاده في الأزمة الخليجية، وقد أقر بممارسة الضغط بشكل غير قانوني لصالح حكومة قطر. ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي إن ألين قدم “نسخة غير صحيحة من الأحداث” حول عمله لصالح قطر خلال إجابته عن استفسارات مسؤولي إنفاذ القانون في 2020 ولم يقدّم رسائل البريد الإلكتروني ذات الصلة ردّا على أمر استدعاء سابق لهيئة المحلفين. ورفض ألين التعليق على التهم الموجهة إليه. ونفى سابقا نشاطه كعميل قطري، وقال إن جهوده بشأن قطر في 2017 كانت مدفوعة لمنع اندلاع حرب في الخليج من شأنها أن تعرّض القوات الأميركية إلى الخطر.
مشاركة :