رسام الكاريكاتير الساخر و الفنان العالمي جورج بهجوري.. ابن قرية بهجورة الصغيرة في صعيد مصر، الذي درس الفنون الجميلة بالقاهرة، وتابع دراسته بباريس في نفس المجال، لتمتد مسيرته الفنية والمهنية علي مدى ما يقرب من نصف قرن، لم يتوقف خلالها عن استكشاف طرق مبتكرة للتعبير، فهو فنان مبتكر ينزع للتجريب بقدر ما هو حالم، ولد بهجوري عام1932، وبرع في عدة مجالات من الفنون مثل الرسم والكاريكاتير والفن التشكيلي والنحت، بالإضافة للكتابة الأدبية، ولكونه فناناً عالمياً وغزير الإنتاج، فقد شارك بهجوري في العديد من المعارض في مصر والشرق الأوسط وأوروبا، وحصل على العديد من الجوائز العالمية كما نشر عدة روايات ترجم بعضها إلى الفرنسية. وأثناء زيارته للشارقة لحضور افتتاح معرض للوحاته بمتحف الشارقة للفنون، ضمن فعاليات معرض علامات فارقة، حظينا بفرصة لقائه، وكان هذا الحوار. } ما تقييمك لزيارتك الحالية للشارقة؟ هذه ثاني زيارة للشارقة، ولكنها أول مرة أقيم فيها معرضاً للوحاتي في الإمارات، ولذلك فأنا سعيد بالطبع لمشاركتي في معرض علامات فارقة بمتحف الشارقة للفنون، هذا الصرح الفني والثقافي المبهر، وفخور لاستضافتي بالشارقة التي وجدتها داعمة للفنون والثقافة والإبداع، وتهتم كثيراً بالإنسان وتنمية وعيه والارتقاء بذوقه وقدراته، وهذه مجهودات حميدة نتمنى أن تسود بمجتمعاتنا العربية. } الفنان نتاج تجربته الشخصية، و تنعكس عادة بإبداعاته، فكيف كانت طفولتك؟ طفولة حزينة لطفل يتيم الأم، وأب يتزوج من غيرها. رغم وجود دور للخالة والعمة، إلا أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يملأ فراغ الأم، وعلاقتي بزوجة أبي كانت سيئة للغاية، وقمت بثورة ضدها، حتى أحطم سلطتها، وأحجم دورها في البيت، وكانت علاقتنا متوترة للغاية في طفولتي، وانعكس ذلك على شخصيتي كثيراً، فاتجهت للفن للتعبير عن مشاعري، وقلت لها يوماً: خدي بالك نحن لسنا أطفالاً صغاراً و ضعافاً كما تعتقدين. } وهل هناك لوحة معينة تعبر عن هذه المرحلة من المشاعر؟ أول رسم كاريكاتيري رسمته لشخص كان لها لزوجة أبي، وكان بهدف الانتقام والسخرية منها، فقد كانت ملهمتي من دون أن تدري أنها سبب اكتشاف موهبتي في فن الكاريكاتير. } هل الفنان على المستوى الإنساني يكون عادة مزاجه متقلباً وصعب المراس؟ بالفعل، ولكن قلبه كبير ومشاعره فياضه ويتطلب الكثير من التفهم. فحتى زوجة أبي بعد طول الخلاف، استطعنا أن نصبح أصدقاء في النهاية، بعد أن تفهم كل منا الآخر وأصبحت أساعدها مادياً، وأصبحت تفتخر بنجاحي. } متى وكيف التحقت بمجال الصحافة والكاريكاتير؟ دخولي مجال الصحافة كان من قبيل الصدفة بعد تفوقي في كلية الفنون الجميلة، وفي مدة قصيرة أصبحت أهم رسام في الكلية، قبل أن أصبح الأهم على مستوى مصر، أساتذتي في الجامعة كانوا خير عون لي، ودعموني كثيراً، رغم أنني كنت مهتماً بالجانب الفني والعملي أكثر من الجانب النظري للدراسة، وبدأت رسوماتي تلفت أنظار الأساتذة، مثل الأستاذ كمال أمين، وكان صديقاً لأخي الأكبر، واحتضنني وأوصلني بعالم الصحافة. } قلت سابقاً إن الكاريكاتير يعبر عن صورة الشخص أكثر من البورتريه، كيف؟ مقولة صحيحة تماماً في رأيي، فالكاريكاتير يظهر ملامح الشخصية من وجهة نظر الفنان أكثر من البورتريه، لأن الكاريكاتير يمنح الرسم روحاً خاصة، ويصبح له علامة مميزة. } من هو مثلك الأعلى؟ صاروخان، وهو من أهم رواد فن الكاريكاتير في مصر، كان أرمينيا وحكم عليه بالإعدام في الحرب العالمية الأولى، وهرب من مذابح الأرمن، وأثناء هربه تسلى بالرسم وأبدع فيه، وأثناء زيارته لمصر، قابلته عندما كنت طالباً ولازمته لفترة وسعد برسوماتي كثيراً، ونصحني بالاهتمام بموهبتي قائلاً: أنت تحمل بوادر فنان كبير فلا تهمله. } لقد برعت في الكاريكاتير والفن التشكيلي والنحت والكتابة الأدبية، أي المجالات أقرب إليك وأكثر تعبيرا عنك؟ أكثر ما أبرع فيه وأحبه هو التفرس في تفاصيل الوجه وإظهار ملامح الشخصية سواء كان من خلال الرسم أو حتى بالنحت وعن طريق صناعة تمثال ضاحك أو عابس أو مختال أو مهموم، مهاراتي في اكتشاف ملامح دقيقة في الشخص، والتعبير عنها فنيا، هو ما يعبر عني أكثر. } في معظم أعمالك تستخدم شخصية البهجوري الصغير، فماذا تمثل لك؟ كانت تمثلني في طفولتي وما تعرضت له من ظلم وقسوة وحرمان من الكبار من حولي، وهناك عدة عوامل أخرى يمكن أن تؤثر مجتمعة في الفنان، مثل استغلال البعض لبراءتك ونواياك ومشاعرك الطيبة للاستفادة منك، والكاريكاتير عادة ما يقترن بمعاناة أو اضطهاد أو ظلم، يتعرض له الفنان أو المجتمع ككل، ويستخدمه الفنان كسلاح للسخرية من الشر والظلم والفساد والدفاع عن ذاته أحياناً ضد من ظلموه. } هل ما زال الكاريكاتير يلعب دوراً مهماً في الصحافة كما كان في السابق ؟ الكاريكاتير وصل للقمة، ولكنه الآن في تراجع، وهو فن له طبيعة خاصة، يحتاج للحرية ليزدهر، وإذا تم التضييق عليه يفقد أهميته ويتلاشى دوره. } حدثنا عن تجربتك بفرنسا؟ عشت في فرنسا نحو 30 عاماً، وتعلمت فيها الفن على أصوله، ونجحت أن أحول موهبتي إلى شيء مهم يجتذب الأنظار، ويهتم به الكثيرون، قبل سفري إلى فرنسا لم يكن الكاريكاتير يحظى بكثير من الاهتمام، ولكنني بعد دراستي للفنون الجميلة في السوربون، وجدت أن البيئة المحيطة وظروف المجتمع هناك، تساعد على ازدهار الفنون بشكل عام، وهذا ساعدني كثيراً على إطلاق طاقاتي الإبداعية التي لاقت نجاحاً داخلياً وخارجياً، وفي مجتمعاتنا العربية الفن مطلوب، و له دور مهم لأنه يرفع الروح المعنوية للشعوب، وينفس عن همومهم ومشاكلهم بطريقة محببة وساخرة ويخاطب جميع المستويات الثقافية، لذلك فغياب فن الكاريكاتير وتراجع الاهتمام به علامة غير جيدة على ضعف انفتاح العديد من الشعوب العربية وتحضرها. } هناك مقولة شهيرة لك تقول: رسم صغير أبلغ من مئات الكلمات كيف تراها الآن؟ أوافق عليها جداً. } ولماذا اتجهت للكتابة إذن؟ اتجهت للكتابة الساخرة، لأن الكتابة تحمل رأياً صريحاً ومباشراً أكثر من الرسم، ولكن الرسم يحتاج الى فطنة من المشاهد ليستوعبه. } ما أهم كتاباتك؟ لقد أنتجت خمسة كتب، وكلها تتناول مراحل ومواقف مختلفة في حياتي الشخصية، وأتمنى أن يكون لي الحظ لإنتاج المزيد من الكتب في مجالات متعددة. } علاقتك بثورة يناير، كيف عبرت عنها في رسوماتك؟ رأيت أن الثورة قاربت ما بين الشباب وأهلهم، وجعلت الكبار قادرين على أن يخرجوا عن صمتهم وينزلوا للتعبير عن رأيهم وحماية مستقبل أبنائهم، واكتسبوا روح الشجاعة من أبنائهم الشباب، ونزلوا لشد أزرهم وحمايتهم. } هل هناك صورة رسمتها تعبر عن الثورة وحال مصر؟ أعتقد أن الوجوه الفارغة ما زالت تعبر عن حال المصريين، وبالنسبة لي يمثل عبدالناصر رمزاً مهماً يعبر في رأيي عن روح الثورة الحقيقية. } هل أنت راض عما حققته من نجاح في مشوارك من نجاح و عالمية، أم أن هناك حلماً ناقصاً لم يحقق بعد؟ أنا راض عما قدمته من رصيد فني، وعبرت عن رأيي بصراحة وسخرية ووضوح، ولجوئي إلى الرسم والتعبير بالكاريكاتير، ساعدني على توصيل أفكاري ولكنني ما زلت أحلم بأن أجد من يخلفني ويكمل مسيرتي الفنية، فالفن يحييه التواصل والاستمرار ويقتله الجمود، وإقامة هذا المعرض بالشارقة كانت فرصة جيدة على جميع المستويات لفتح آفاق جديدة لجمهور جديد للاطلاع على فني ولوحاتي. } بعد عودتك من فرنسا، ألم تفكر في إقامة مدرسة لتعليم فن الكاريكاتير.. مثلاً؟ بعد عودتي من فرنسا، عملت مدة في الأهرام في زاوية باسم خط واحد ولكن بعد مدة لم ألق اهتماماً كافياً ولم يعد الكاريكاتير يحظى باهتمام خاص وأن الرسامين على الساحة أقل في العدد و في المستوى من الذي أتمناه وللأسف الكاريكاتير لا يمكن تعليمه ولا يمكن أن تفرض على الرسام أساليب أو قواعد معينة فهي يجب أن تكون موهبة خالصة نابعه من داخله. } ما أحدث إصداراتك؟ عندي كتاب على وشك الصدور بعنوان شجرة الجوافة، ويتناول تفاصيل حكايتي مع شجرة الجوافة بقريتي الصغيرة بهجور، بصعيد مصر، والتي لازمتني في طفولتي وتحمل الكثير من ذكرياتي، وشاركتني بداياتي وإبداعاتي، عندما كنت ألوذ بها وأجلس فوقها لأرسم وأستلهم الوحي، وأتناول من ثمارها كغذاء لجسدي وغذاء لروحي، وما زلت أذكرها كسميرة لأيامي وأنيسة لأحلامي، وشاهدة على أفكاري و ورسوماتي، ومعاناتي من زوجة أبي في سنين عمري الأولى. } ألم تتخلص أبداً من عقدة سوء معاملة زوجة الأب؟ فعلاً، فهي لم تعطف علي أو تتفهمني أو تقتنع يوماً بقدراتي ، رغم أن معاناتي معها فجرت داخلي طاقات إبداعية وخبرة بفهم البشر، واكتشاف عيوبهم. } وماذا عن المرأة في حياتك؟ هي زوجتي الحالية التي تمثل الصديق والونيس ورفيق العمر خاصة أنني لم أر أمي، ورغم ذلك حاولت أن أتخيلها ووصلت لملامحها من خلال رسوماتي ورغم أنها صورة من خيالي، إلا أن الخيال أوصلني للواقع.
مشاركة :