أنور بن خميس العريمي ** alaraimianwar@gmail.com نظرًا لكون الأوامر التغييرية من الأمور التي من الصعب تجنبها في المشاريع الهندسية؛ بل إنه من النادر جدًا أن تمر تلك المشاريع مرور الكرام بدون إجراء تغييرات فيها؛ حيث تكون أحيانًا أمرًا طبيعيًا وصحيًا لمعالجة بعض الأخطاء التصميمية وتقويمها، وظهور بعض المستجدات المهمة أثناء تنفيذ المشروع، مما يتطلب إضافة أعمال أخرى أو إلغاء بعضها بهدف تحقيق المصلحة في ذلك بسبب طول المدة الزمنية المعروفة للعقود الهندسية. وبذلك يمكن تعريف الأمر التغييري -وفقًا للمعهد الأمريكي للمعماريين في الاشتراطات العامة ونص المادة رقم (7)- على أنه "أمر كتابي معدّ بواسطة المعماري (ممثل رب العمل) وموقّعٌ عليه من المقاول والمعماري ورب العمل، يُلزم المقاول بإحداث تغييرات في أعمال العقد ويوضح فيه تكلفة تلك التغييرات والقيمة الإجمالية للعقد نتيجة التغييرات، وكذلك الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ تلك التغييرات (إن وجدت) وإجمالي الفترة الزمنية للعقد بعد تنفيذ تلك التغييرات". وكان رئيس مجلس المناقصات في عام 2014 وخلال تقديم عرض مرئي أمام أعضاء مجلس الشورى في أعمال الجلسة الافتتاحية الاعتيادية الرابعة، تطرق إلى عدد وقيمة الأوامر التغييرية التي أصدرها مجلس المناقصات خلال الفترة من عام 2009 وحتى عام 2013، وأوضح أن عدد الأوامر التغييرية في عام 2009 بلغ 455 أمرًا تغييرًا بقيمة 490 مليون ريال، وفي عام 2010 بلغ عدد الأوامر التغييرية 344 أمرًا تغييريًا بـ428 مليون ريال، وارتفعت عدد الأوامر التغييرية في عام 2011 ليصل إلى 309 أوامر بأكثر من 660 مليون ريال. وبلغ عدد الأوامر التغييرية في عام 2012 بلغ 271 أمرا تغييريًا بقيمة 442 مليون ريال، وفي العام 2013 بلغ عدد الأوامر التغييرية 218؛ بما يعادل 365 مليون ريال. وعدد الأوامر التغييرية مرتبطة بحجم الأعمال لدى الجهات المعنية، وبلغت قيمتها على مدى 5 سنوات ما يقارب 2.4 مليار ريال عماني. لا شك أن المبلغ كبير جدًا ويستنزف ميزانية الدولة، والأولى أن يتم إنفاقه في مجالات تطويرية مختلفة ومشاريع تنموية أخرى متنوعة. في اعتقادي أن هناك عدة أسباب وعوامل سابقة لمرحلة التنفيذ أدت إلى تفاقم طلبات الأوامر التغييرية من الجهات الحكومية أثناء مرحلة تنفيذ الأعمال؛ منها: الاستعجال في طرح المناقصات دون دراسات جدوى دقيقة للمشروع من تخطيط وغيره، أيضًا عدم تطبيق دراسات الهندسة القيمية، إضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات المعنية بتلك المشاريع من ناحية توفير المعلومات الأساسية المطلوبة في الوقت المناسب. كذلك عدم المراجعة الدقيقة لمستندات العقد حينما يتم تقديمها من قبل المكاتب الهندسية الاستشارية المسؤولة عن إعدادها. ومن خلال تجارب عملية في أغلب المشاريع أن تلك المكاتب للأسف أحيانًا تعيد تكرار نسخ ولصق نفس مستندات لمشروع سابق بآخر جديد مختلف تمامًا عن ظروفه وأعماله ومتطلباته وطريقة تنفيذه مع بعض التعديلات البسيطة، مما يؤدي في المستقبل إلى تعديلات كثيرة بعد إبرام العقد وأثناء عملية التنفيذ، لذا على الكوادر المتخصصة لدى صاحب العمل أو ممثليه -أيًا كانت- من الجهات الحكومية أو المؤسسات الخاصة مراجعة تلك الوثائق والمستندات والتدقيق على التصاميم قبل اعتمادها والتصديق عليها، لتلافي الكثير من التعديلات المستقبلية. من أجل ذلك، تمت مراعاة تضمين العقود الموحدة في السلطنة الخاصة بالمشاريع الهندسية، وبناء الإجراءات التنظيمية للأوامر التغييرية باعتبار أن تلك العقود مستوحاة من العقود النموذجية الهندسية الدولية "فيديك" للتسهيل على أطراف العقد للرجوع إليها، والعمل بها في حال تطلب الأمر ذلك؛ حيث تم إعطاء صاحب العمل الحق في إجراء أية تغييرات في شكل أو نوعية أو كمية الأعمال أو أية أعمال إضافية أو الآلات أو مواد أو خدمات ضرورية للأعمال الدائمة أو أي جزء منها بالحذف أو الإضافة أو عمل تعديلات في أجزاء من العقد وليس في كامل العقد ولا في جوهره الأصلي، وذلك وفقا للبند رقم (51) من العقد الموحد 1999 والبند رقم (13) من العقد الموحد 2019 (تحديث 1)، وكذلك المادة (42) من قانون المناقصات العُماني تسمح للجهة المعنية بإصدار أوامر تغييرية بالزيادة أو النقصان في مدة أو قيمة أو كميات أو مواصفات الأصناف أو الأعمال أو الخدمات محل العقد وذلك خلال فترة سريان العقد. وينبغي على جميع الأطراف الامتثال والالتزام بما احتواه العقد من شروط وبنود إجرائية؛ ومن جملتها تلك المتعلقة بالأوامر التغييرية لتحقيق الهدف المنشود من التعاقد، وبالتالي على طرفي العقد الإحاطة من جميع الجوانب بحقوقهما وواجباتهما في تلك الأوضاع المختلفة والأحداث المستجدة الطارئة التي تحصل خلال تنفيذ المشروع نتيجة متغيرات من صاحب العمل أو أسباب أجنبية خارجة عن إرادة أطراف العقد . وحسب المادة 51 و52 وفقراتهما من العقد الموحد لعام 1999، وأيضًا المادة 13 وفقراتها من العقد الموحد لعام 2019 (تحديث 1)، حددت الإجراءات الخاصة بالتغييرات والتعديلات في العقد بعد إبرامه وأثناء تنفيذه؛ حيث تم في البداية تحديد أنواع التغييرات المشروعة وماهيتها، وإنها لا تفسد العقد أو تبطله، ثم تطرقت بعد ذلك إلى إستراتيجية إصدار الأمر التغييري الرسمي بطريقة تعاقدية وقانونية صحيحة . وهناك بعض الأمور المهمة ينبغي على صاحب العمل (الجهات الحكومية أو الخاصة ) أخذها بعين الاعتبار خلال الإجراءات بتلك البنود وهي: التأكد من توفر المبالغ المالية للأمر التغييري، وتحديد مدة تنفيذه وتكلفته وشكله ونوعه عند إصداره وقبل تنفيذه، ومتابعة تنفيذه في المشروع وفقًا للمواصفات وحسب المدة المحددة، والتأكد من موافقة المقاول على الأمر وإمكانية تنفيذه، وإدراج أعمال الأوامر التغييرية ضمن الجدول والبرنامج الزمني للمشروع، وتحديثه بإستمرار وفقًا لذلك. بيد أن عدم الالتزام بإجراءات الأوامر التغييرية خلال تنفيذ الأعمال يؤدي إلى حدوث مطالبات مفاجئة من المقاول يتم الاعتراض عليها من المهندس، وبالتالي يتم رفضها رفضًا قاطعًا من قبل رب العمل، الأمر الذي يؤدي إلى تعقد الأمور وظهور النزاعات كما نرى ذلك دائمًا في الواقع، لذا ينبغي على أطراف التعاقد معرفتهم بالأسلوب والإجراءات المحددة في العقد معرفة جيدة لأن العقد شريعة المتعاقدين، فعليهم تنفيذه بجميع ما اشتمل عليه وطبقًا لمضمونه لتجنب كثير من النزاعات والخلافات التي تؤثر سلبًا على سير الأعمال وعلى أداء الأطراف في المشروع. ** خبير هندسة مسح الكمیات ومحكم تجاري
مشاركة :