هناك العديد من المشكلات المعقدة والمتشابكة التي تتسبب في عرقلة تنفيذ المشاريع الحكومية، منها تداخل الاختصاصات بين الأجهزة التنفيذية ونقص كفاءة إعداد المواصفات الفنية، وتنامي ظاهرة الأوامر التغييرية والتقاعس عن مساءلة أي مسؤول تنفيذي أو إشرافي. وبالرغم من التأثير الواضح للأوامر التغييرية في تنفيذ المشاريع، إلا أنها لم تأخذ حقها في الدراسة والتحليل لمعرفة دورها في تعثر المشاريع الحكومية، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى الطابع الفني البحت لهذه الأوامر، بالإضافة إلى السرية التامة التي تحيط بها. والمقصود بالأوامر التغييرية هو أي تغييرات أو تعديلات أو تبديلات تراها الجهة الحكومية ضرورية في شكل الأعمال أو نوعها أو كمياتها أو مواصفاتها في المشروع، ويكون التغيير ناتجا عن رغبة الجهة في تعديل بعض الأعمال بالإضافة أو الحذف أو تعديل أو استبدال تصميم بعض عناصر المشروع مما يؤدي إلى زيادة في الكميات أو تغير في طبيعة الأعمال. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرارات التعديل أو التغيير، شأنها شأن سائر أعمال الإدارة، التي لها السلطة في تعديل شروط العقد وطريقة تنفيذه، بما يتضمن زيادة أو إنقاص التزامات المتعاقد معها، ولكن يجب أن تصدر متفقة مع الأنظمة والتعليمات في عناصرها وأركانها المختلفة بالإضافة إلى العناصر الشكلية. هذا وقد نصت المادة (36) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية على أنه "يجوز للجهة الحكومية زيادة التزامات المتعاقد ضمن نطاق العقد بما لا يتجاوز (10%) من القيمة الإجمالية للعقد، أو تخفيض هذه الالتزامات بما لا يتجاوز (20%)". كما نصت المادة (59) من اللائحة التنفيذية للنظام على أنه "لا يجوز للمتعاقد تنفيذ أية أعمال أو خدمات غير مشمولة بكميات وبنود العقد، إلا بتعميد خطي بها، ولا يستحق المتعاقد قيمة الأعمال التي ينفذها بالمخالفة لذلك". وقد حددت الأنظمة الضوابط التي تجب مراعاتها عند إجراء أي تعديل، منها على سبيل المثال: أن يكون التعديل متصلاً بموضوع العقد وليس خارج نطاقه، وألا تكون هذه التعديلات مخلة بالشروط والمواصفات التي تحقق المصلحة العامة، ويجب أن يكون التغيير في ظل الاعتماد المالي المقرر له، وأن يكون التعديل خلال مدة العقد، وألا يخل بالتوازن المالي للعقد، فإذا ترتب على التعديل إخلال بالتوازن المالي بما يرهق المتعاقد مع الإدارة، يكون لهذا المتعاقد الحق في طلب التعويض. وبناءً على ما سبق، فإنه قد تعترض المشروعات مطبات ومعضلات تتطلب إيجاد مخارج قانونية لها، لذلك قد يتم اللجوء إلى ما يعرف بالأوامر التغييرية، والتي تصبح تلاعباً وهدراً للمال العام أكثر من كونها حاجات ضرورية. هذا بالإضافة إلى أن بعض المسؤولين في بعض الجهات الحكومية يتدخلون بشكل مباشر في إحداث تغيرات في التصميم الهندسي للمشروع، وذلك إما عن طريق الضغط على اللجنة الهندسية لإحداث هذه التغيرات أو عن طريق شكليات متطلبات الأنظمة والتعليمات التي سبق ذكرها آنفاً. فعلى سبيل المثال تنص الأنظمة بأن المقاول لا يستطيع تنفيذ الأوامر التغييرية إلا إذا صدرت كتابياً، ولكن قد يحصل إعطاء أمر شفوي من الاستشاري بالتعديل أو التغيير ثم يوعد المقاول بعد ذلك بإعطائه أمرا كتابيا سواء قبل أو بعد بداية تنفيذ العمل به، وهنا قد يستغل عدم وضوح صلاحيات الاستشاري أو اللجنة الهندسية التابعة للجهة الحكومية، كما قد يستغل أيضاً اللجوء إلى التفسير الخاطئ لشروط ومواصفات العقد بين الجهة الحكومية والمقاولين. كثيراً ما تكون التغييرات سواء المباشرة منها أو غير المباشرة لها تأثيرات جانبية على باقي أعمال المشروع التي لم يطلب عمل تغييرات فيها، وتكون هذه التأثيرات سواء في مجال تكلفة هذه الأعمال أو تأخر تنفيذها أو تأثر إنتاجية العمالة وكفاءتها ولكنها تستغل في سبيل رفع الاعتمادات المالية المقررة للمشروع. هذا باختصار شديد فيما يتعلق بكيفية التلاعب في الأوامر التغييرية، الأمر الذي يؤدي إلى تعليق بعض الأعمال أو إيقاف العمل جزئياً أو كلياً، وهذا التعليق ليس مرتبطاً بسبب سوء مصنعية الأعمال أو أخطاء من المقاول أو بسبب الأحوال الجوية، وإنما بسبب كثرة الأوامر التغييرية في الأعمال والتصميم للأسف الشديد. تكاد تصبح أسباب تعثر المشاريع روتينية وبيروقراطية مثل ضعف الإمكانات الفنية للمقاولين أو التأخر في تسليم المواقع أو وجود عوائق طبيعية تعترض سير تنفيذها وربما كانت هذه الأسباب حقيقية، وربما أيضاً تخفي وراءها أسباب الأوامر التغييرية. لذا من المهم جداً أن تولي الأجهزة الرقابية وبالأخص الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، قضية الأوامر التغييرية الاهتمام الكافي من حيث دراسة منطقية المبررات المقدمة لذلك ومدى دقتها، وذلك بالرجوع لرأي الفنيين المستقلين من ذوي الاختصاص ومدى تناسب فترة التمديد مع حجم الأعمال بالأوامر التغييرية، بحيث لا يقصد منها استغلال اعتمادات متاحة أو تهرب المقاول من دفع غرامات تأخير، بالإضافة إلى النظر في وضع ضوابط رقابية مناسبة في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، بحيث تحد من التوسع في الأوامر التغيرية حتى لا يصبح الهدر المالي سمة من سمات المشاريع الحكومية بمختلف أشكالها.
مشاركة :