اعتاد الجمهور المصري منذ انطلاق جائزة الدولة التقديرية قبل سنوات طويلة أن يحتفي بالشخصيات التي يتم إعلان فوزها بالجائزة، لكن اللافت للانتباه أن يكون الاحتفاء الأكبر من نوعه على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام لاسم مرشحة خسرت أمام منافسيها، وهي المخرجة والكاتبة المتخصصة في أدب الطفل فاطمة المعدول. قابل الجمهور عدم حصول المعدول على إحدى جوائز الدولة الرفيعة قبل أيام بمظاهرة حب وتقدير، ليس من المثقفين ونقاد الفن والمسرح والأدب فحسب، بل من مواطنين عاديين على اختلاف خلفياتهم الاجتماعية، باعتبارها واحدة من الأسماء القليلة المعروف تاريخها ونجاحاتها في مصر، فهي رائدة في مسرح الطفل ومن أوائل من تخصصوا واجتهدوا في هذا المجال، ولا تزال. صحيح أن البعض من المصريين ليس لديهم اهتمام بالأدب والثقافة والمسرح والكتابة الآن، لكن اسم المعدول بالنسبة إلى كثيرين يحمل أثرا يصعب تجاوزه بسهولة، حيث وهبت حياتها في تخصص لم يمنحها الشهرة والمال وعملت كحاملة رسالة، وقمة نجاحها أن ترى النشء والأطفال والمراهقين أسوياء وشغوفين بالقراءة. الفوز والخسارة الاهتمام بالفئات الشبابية يطغى برأي المعدول على العناية بالأطفال الاهتمام بالفئات الشبابية يطغى برأي المعدول على العناية بالأطفال يُدرك كل من احتك بالعمل الثقافي والأدبي في مصر قيمة المعدول، فهي أكبر من مجرد كاتبة وأديبة، لأنها باتت مناضلة في مجال الطفولة على مدار سنوات طويلة، استطاعت خلالها أن تعيد هذا المجال إلى الواجهة بأفكارها ومقترحاتها ومسرحياتها التي جابت البلاد بهدف إعادة تنشئة الصغار على قيم التسامح وإبعادهم عن التطرف. عكس تعليقها على خسارتها لجائزة الدولة التقديرية في الفنون أخيرا جزءا من تصالحها مع نفسها والآخرين، فهي لا تمانع أن تكون في الخلف طالما تدفع ما تؤمن به إلى الأمام، وطيلة حياتها لم تبحث لنفسها عن تميز أو تفرد أو مكافأة. قالت عن ذلك “أبكي من محبة الناس بعد عدم توفيقي، لست حزينة، لأن الذين فازوا بالجائزة يستحقونها أكثر منّي بالفعل”. تسعى المعدول لأن تكون قدوة للصغار الذين وهبت حياتها من أجلهم، فهي أرادت من تقبلها للخسارة أن توجه رسالة إلى الأطفال والمراهقين والأسر أيضا بأن الحياة نجاح ورسوب، ولا يجب أن نفقد الأمل في العودة أقوياء، وأن الخسارة ليست نهاية المطاف، وهذه ثقافة يجب أن ينشرها الآباء في نفوس أولادهم، لأن النجاح تسبقه خسارة. تختلف عن الكثير من أقرانها الذين كتبوا عن الطفولة وتخصصوا في أدب الطفل في تطويرها من ذاتها طوال الوقت، ولا تقف عند نقطة بعينها، فهي تتابع مواهب الصغار على منصات التواصل لتكتشف الموهوبين منهم، وترى أنهم الذخيرة والاستثمار الحقيقي الذي يجب أن تبني عليه الدولة للمستقبل. الجمهور المصري قابل عدم حصول المعدول على إحدى جوائز الدولة الرفيعة قبل أيام بمظاهرة حب وتقدير، ليس من المثقفين ونقاد الفن والمسرح والأدب فحسب، بل حتى من مواطنين عاديين هي أول سيدة تتخصص في الإخراج لمسرح الطفل وساعدها على تميز مسرحها أنها قامت بتأليف أكثر من 50 كتابا أدبيا للأطفال من كل الأعمار، وحوّلت الكثير منها إلى مسرحيات قدّمتها بفنون الحكي، حتى أصبحت أيقونة ثقافية دفعت إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة المصرية للموافقة على طلبها بإنشاء جائزتين سنويتين لكتاب ورسامي كتب الأطفال. رغم أنها نالت العديد من الجوائز على مساهماتها للأطفال مثل جائزة اليونسكو للتسامح وجائزة المجلس الأعلى للثقافة وجائزة السيناريو من مهرجان القاهرة الدولي، ورغم وجودها على لائحة الشرف في مجلس كتب الأطفال العالمي، وتوليها مناصب قيادية عديدة في وزارة الثقافة، بينها مدير ثقافة الطفولة، إلا أنها ترى أن كل هذا التقدير الرسمي لا يقارن بنجاحاتها العملية مع أطفال مصر وتعاملهم معها بروح الأمومة والمحبة. أمام هذه النجاحات اختزل البعض شهرتها بأنها أرملة المؤلف الراحل لينين الرملي، بدعوى اكتسابها لشهرتها من عظمة اسمه في المسرح، لكنها لم تصغ لمن حاولوا تهميش دورها الفكري ومضت في طريقها غير عابئة بمن حاولوا إضعاف معنوياتها، لمجرد أنها شعرت بتحملها مسؤولية تحصين أطفال مصر من كل تشدد وتطرف. في كل كتاباتها الصحافية أو على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي يشعر المرء أن المعدول أكثر من أم لكل الأطفال، فهي تخشى على مستقبلهم بشكل يفوق مخاوف الأسر ذاتها على أبنائها، لكونها تدرك جيدا المخاطر التي تحيط بهم، والزيف الذي يستهدف قولهم، لذلك لا تكل عن توجيه نداءات للحكومة بالنظر إلى الأطفال بعين الاعتبار. ترى أن هناك تقصيرا رسميا في حق الصغار، مقابل الاهتمام بالفئات الشبابية والبحث عن إرضاء هؤلاء بشتى السبل، مع أن الأطفال يفترض أنهم أولى بالرعاية والاهتمام لأن إعادة تشكيلهم بعد الكبر ستكون صعبة للغاية، وكثيرا ما تتهم جهات رسمية بهذا التقصير وتضيف إليها أرباب الأسر الذين يتعاملون مع حقوق الأطفال باستخفاف. شجاعة وجريئة، وعلى هذا نشأت، حتى صار النضال جزءا من شخصيتها ضد كل ما هو خطأ، ولو كلفها ذلك ألا تنال حظها في الوصول إلى المكانة المستحقة، فلا تُخفي غضبها أو تتحدث بدبلوماسية، بل تنطلق كلماتها بعفوية، لذلك لا تتناقض مواقفها مع ما تخفيه، وفوق كل ذلك تعاملها بإنسانية مفرطة مع الصغار في الكتابة والحياة. أهم ما يميز المعدول، ككاتبة وأديبة متخصصة في الطفولة، أنها تضع نفسها مكان الصغار في كل مؤلفاتها الموجهة إليهم لتقدم إلى الآباء وجبة دسمة من التربية والتنشئة تتناسب مع ما يبحث عنه أولادهم على مستوى الترفيه والسياسة والحياة والطموح وبناء الشخصية، وتقدم كل ذلك من خلال مجموعات قصصية بديعة. من أبرز كتاباتها عن التربية السياسية للصغار مؤلفها “ثورة العصافير”، وفيه حاولت أن تعيد تقديم ثورة 25 يناير 2011 ضد نظام حسني مبارك إلى الأطفال بطريقة مبسطة، واختارت أن يكون بطلها سرب من العصافير تثور للمطالبة بالحقوق والواجبات والديمقراطية، بحيث يقدمها الآباء لصغارهم بمفاهيم سهلة تناسب عقولهم، لتجعلهم يفرقون بين الثورة والفوضى، وتضع من خلال كتابها حدا للخلافات التي تظهر داخل الأسرة حول الآراء المتباينة والمبادئ المتعارف عليها في التربية. قيمة المعدول تتجاوز كونها مجرد كاتبة للأطفال، لأنها وعلى مدار سنوات طويلة استطاعت أن تعيد هذا المجال إلى الواجهة بأفكارها ومسرحياتها التي جابت البلاد بهدف تنشئة الصغار على قيم التسامح وإبعادهم عن التطرف قيمة المعدول تتجاوز كونها مجرد كاتبة للأطفال، لأنها وعلى مدار سنوات طويلة استطاعت أن تعيد هذا المجال إلى الواجهة بأفكارها ومسرحياتها التي جابت البلاد بهدف تنشئة الصغار على قيم التسامح وإبعادهم عن التطرف رغم كونها متخصصة في أدب الطفولة تمتلك المعدول أسلوبا ومهارة واضحة في توصيل رسائلها السياسية للصغار والكبار، واستهدفت من ذلك أن تتكون لدى الأطفال صورة معينة عن شخصية الحاكم والمحكوم، فالقائد عليه أن يشارك شعبه في أفكاره وأهدافه، محبا ومهتما بالناس بشكل عاطفي، ولا يعمل في جزر منعزلة، والشعب عليه ألا يكون متواكلا، بل مكافحا مجتهدا واعيا قابلا للتعلم والتغيير لتسهيل مهمة الحاكم. ولأنها متمكنة في استخدام السياسة الناعمة من خلال الأدب نجحت إلى حد كبير في إنتاج كتابات وقصص ومسرحيات طفولية عالجت بها إشكاليات كثيرة مرتبطة بشخصيات الصغار ونظرتهم إلى القضايا الملحة على المستوى البيئي والنفسي والأخلاقي، فاهتمت بإعادة طرح صورة جديدة للأنثى في المجتمع، وكيف يحترم النشء البيئة وأصحاب القدرات الخاصة وذوي الهمم، ويتعلمون التسامح والحوار الأسري، حيث استهدف إنتاجها الأطفال من سن ما قبل المدرسة وحتى المراهقة. تركز المعدول على أن يكون خطابها الموجه لكل فئة من الأطفال مناسبا لمرحلتهم العمرية واللغة التي يفهمونها، ففي كتابها “الكنز”، اختارت بطلة للقصة فتاة مجتهدة مكافحة دؤوبة تبحث عن كنز في باطن الأرض، مع أن القابع في أذهان الناس أن البطل الذي يبحث عن الكنز دائما يكون في شخصية ذكر، لكنها أعادت تقديم الحكاية من زاوية تجعل فيها المرأة فاعلة ومؤثرة لا تحتاج إلى وكيل عنها أو وصي عليها. البعض يحاول اختزال شهرة المعدول بكونها أرملة المؤلف الراحل لينين الرملي عندما ثارت ضد زواج القاصرات تعاملت مع القضية بواقعية، ورأت أن تطهير المجتمع من هذه العادة البغيضة لن يكون بتوجيه خطاب توعوي إلى الكبار، بل تثقيف الصغار بخطورة الزواج المبكر، بحيث لا يتزوج الطفل عندما يكبر من فتاة صغيرة، ولا تقبل المراهقة الانصياع إلى عائلتها وتتزوج في هذه السن. قدمت قصة مثيرة لفتاة تعيش في ريف مصر أجبرها أهلها على الزواج دون سن العاشرة، ورصدت مرارة الحياة بكل قسوتها، بدءا من الزفاف إلى الطلاق في سن السابعة عشر، ومن خلال القصة ترصد حكاية البطلة التي أبدت ندمها على أمومتها المبكرة، مع أنها لو كانت شجاعة ورفضت لما انتهى بها المطاف إلى حياة مأساوية. تعاملت المعدول مع الكتابة القصصية لتؤدي دورا إنسانيا عجزت عنه الكثير من الأسر عند تربية أولادها، فهي ترى المشكلات التي تهدد أفكار وسلوكيات الصغار من أعلى لتبحث عن التصدي لها بحس أدبي بسيط وسهل موجه إلى الشريحة المستهدفة، لكن يظل تميزها في الإخراج والكتابة المسرحية الموجهة للأطفال نقطة تحول في حياتها الأدبية. وسائل متنوعة للتثقيف بدأت نشاطها مع الأطفال منذ نحو 20 عاما من خلال مسارات عديدة، كان بينها الإخراج المسرحي والورش الفنية التي تنظمها للصغار، وتنتهي بأعمال فنية متنوعة، مثل الرسم والمعارض والمسارح التي استعانت فيها بأصحاء وذوي قدرات خاصة، لإيمانها بأن هذه الورش من أهم وسائل التثقيف والتعليم الذاتي والتفاعلي الذي يعتمد على رؤى الأطفال وأفكارهم وتصوراتهم عن حياتهم. كانت ولا تزال الفكرة الأساسية عن الورش الفنية والمسارح المخصصة للأطفال عند المعدول أفضل وسيلة لأن يعيدوا تشكيل كل ما يحيط بهم في مجتمعهم الذي يعيشون فيه، ويعبرون بصدق عما يشاهدونه ويسمعون عنه، أو يشعرون به، لأن هذه رؤيتهم للحياة التي يجب أن تكون مكرسة لهم لا أن يتم إجبارهم على الانصياع لرؤى الأسر والمجتمع. الطفولة والأنفاق والجسور ثورة المعدول ضد زواج القاصرات أرادت منها تطهير المجتمع من هذه العادة البغيضة بتثقيف الصغار ثورة المعدول ضد زواج القاصرات أرادت منها تطهير المجتمع من هذه العادة البغيضة بتثقيف الصغار تمتاز بأنها شخصية أدبية تأبى كل ما يرتبط بالكهنوت والتراث والعادات والتقاليد والفروض والتلقين، من جانب المدرسة أو الإعلام أو المؤسسة الدينية أو حتى الأسر، لأنها تكرس في الأطفال شخصية الاستعلاء والتكبر، مع أن الفنون تثقف النشء على تعلم الصواب والخطأ، والثواب والعقاب، بوسائل تحترم إنسانيتهم. تُدرك جيدا أن من تربوا على الثقافة التقليدية ليس من الصعب عليهم أن يؤسسوا لأجيال سوية ثقافيا، وهي نشأت على ثقافة تقليدية، لكن بحسها الإنساني وتطويرها لذاتها وقراءتها لما يدور حولها، داخليا وخارجيا، وفهمها لاحتياجات الأطفال في العصر الجديد، نجحت في أن توازن بين ثقافة الماضي ومتطلبات الحاضر والمستقبل، فلم تقف عند العادات البالية، أو تنخرط مع دعوات التحرر الفكري غير المنضبطة. تظل الأزمة الأبدية التي تؤرقها مع الحكومة أنها لا تزال تهمل فكرة إنشاء قناة، أو منصات متخصصة للأطفال، وفي أكثر من مرة تحدثت بصوت المناضل المعارض بسبب التعامل الرسمي باستخفاف مع أحقية الصغار في أن تكون لهم محطات فضائية تتحدث بلسانهم وتلبي احتياجاتهم. وقالت ذات مرة “الجسور والأنفاق التي تهتم بها الحكومة قد يأتي زلزال وينسفها من على سطح الأرض، لكن لو هناك بشر منتمون وواعون، سيرفعون الأنقاض ويبنون بلدا أخرى أفضل من التي تهدمت.. أطفال مصر أهم من الكباري”، ولذلك يُنظر إلى رأيها في التقليل من أهمية بناء الكباري والأنفاق وإنشاء الطرق العملاقة، أنها تجاوزت الخط الأحمر، وتمادت في نقدها حين أكدت أن “المباني لا تبني وطنا”. تتعامل المعدول مع قضايا الطفولة بحسم ولا تقبل المهادنة ولا تلتزم الصمت تجاه أي تقصير يطال الصغار، مع أنها من الداعمين بقوة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن أمام شعورها الجارف بوجود خطر على الأطفال لا تمانع أن تتحول إلى معارضة شرسة ومناضلة بعبارات قاسية.
مشاركة :