الحرب الأوكرانية لا توقف التنافس المحموم بين روسيا والغرب على النفوذ في أفريقيا

  • 6/17/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لم توقف آلة الحرب في أوكرانيا التنافس المحموم بين القوى الدولية على تعزيز نفوذها في أفريقيا، حيث مثلت مالي غربي القارة السمراء على سبيل المثال مسرحا للتصعيد بين موسكو والغرب. وقال المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة رواندا إسماعيل بوكانان إن “سعي موسكو الجيوسياسي غربي أفريقيا ودعم مالي لروسيا في حربها في أوكرانيا يجسدان نجاح موسكو في المنطقة، مع إمكانية نشوب خلافات روسية جديدة مع فرنسا وحلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الآخرين في المنطقة”. وفي مايو الماضي امتنعت مالي و34 دولة أخرى عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال تصويت على مشروع قرار يدين التدخل العسكري الروسي المستمر في أوكرانيا منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي. وأضاف بوكانان أن “باريس وغيرها من الحلفاء الأوروبيين قلقون بشكل متزايد بشأن ما يرونه تهديدا روسيًا في غربي أفريقيا”. رغم أن محاربة الجماعات الجهادية كانت ذريعة القوى المتدخلة في غرب أفريقيا، ظلت المصالح هي المتحكمة في التدخلات وفي مارس الماضي سلّمت روسيا أسلحة وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “Mi – 35 M” ونظام رادار جويا متقدما إلى مالي، ضمن جهودها لتوثيق علاقاتها مع زعيم المجلس العسكري عاصمي غويتا. وما يستفز الغرب أكثر هو أن موسكو أرسلت إلى مالي مدربين عسكريين تقول فرنسا إنهم “عملاء” تابعون لشركة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة، وهو ما تنفيه موسكو. وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في فبراير الماضي، عن مخاوفه من تصرفات مرتزقة فاغنر في مالي، لاسيما بشأن جرائم مزعومة ضد عرقيات مثل “الفولاني”، أكبر المجموعات العرقية في الساحل وغربي أفريقيا. ودعا ماكرون إلى مواصلة الضغط على حكومة مالي، وذلك خلال استضافته في باريس رئيس السنغال ماكي سال الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي. ورغم أن محاربة الجماعات الجهادية كانت ذريعة القوى المتدخلة في غرب أفريقيا -على غرار فرنسا التي أطلقت عملية برخان قبل سنوات- ظلت المصالح هي المتحكمة في التدخلات والتنافس على النفوذ في هذه القارة. وقال بوكانان “كلما عززت موسكو مصالحها في غرب أفريقيا دخلت في صراع مع الغرب وتسببت في بروز ردة فعل”. وذكر أن “مالي ستشهد مرحلة أخرى في مواجهة التحديات الجيوسياسية، فلا شك في أن روسيا ستحمي بقوة مصالحها في الدولة الأفريقية”. وأضاف أن الوجود الروسي في مالي “جزء من مساعي موسكو المتجددة لتشكيل شراكة مع القارة الأفريقية”، خاصة في وقت تحاول فيه التخفيف من تأثير العزلة الغربية عليها. وردا على الحرب في أوكرانيا فرضت دول وتكتلات عديدة -خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على روسيا. صراع مصالح صراع مصالح وفي 2021 ألقى الجيش في مالي، بقيادة نائب الرئيس عاصمي غويتا، القبض على كل من رئيس البلاد باه نداو ورئيس الوزراء مختار أواني وجردهما من سلطاتهما. وتعهد غويتا بإجراء انتخابات في 2022، لكن في الأسبوع الماضي أُعلن أن الانتقال إلى الديمقراطية “سيتأخر لمدة عامين آخرين”، حيث وقَّع رئيس البلاد المؤقت غوتا مرسوما يقضي بتمديد فترة الحكم العسكري. وفي يناير الماضي فرضت الكتلة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عقوبات على مالي، من بينها إغلاق حدودها البرية والجوية مع دول أخرى في الكتلة ردا على تأخر عملية استعادة الحكم الديمقراطي. وقال بوكانان “بالنظر إلى الوضع الحالي في مالي أو منطقة الساحل، يُلاحظ أن روسيا تحاول تصوير نفسها كحليف موثوق به في الحرب ضد المتمردين الإرهابيين وتعزيز الشراكة الأمنية في المنطقة، بينما يتحول الاهتمام الغربي إلى مكان آخر (أوكرانيا)”. وترى موسكو أن خطط جارتها أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو تهدد الأمن القومي الروسي، وتطالبها بالحياد والتخلي عن هذه الخطط، وهو ما تعتبره كييف المدعومة من الغرب تدخلا في سيادتها. ومن خلال النفوذ الذي باتت تتمتع به روسيا اليوم يبدو أنها استغلت عدة عوامل جعلتها تثبت موطئ قدم لها في أفريقيا، ولعل أبرز هذه العوامل تنامي المعارضة الشعبية والسياسية لحضور قوى أوروبية مثل فرنسا هناك، لاسيما في مالي. واعتبر المحلل الأمني المقيم في أوغندا فريدي ديفيد إيجيسا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدرك أن الغرب فقد الاهتمام بمالي، لذلك جعل روسيا في وضع يمكّنها من تعزيز مصالحها في هذه الدولة. نشاط روسيا لا يقتصر على مالي، فهي تتوسع في مناطق أخرى غرب أفريقيا، منها بوركينا فاسو وتشاد والنيجر وأضاف إيجيسا أن روسيا تبحث عن شركاء آخرين ليمسكوا بزمام السلطة، بعد أن أدركت أن الغرب لعب دور “عميل مزدوج” في حرب الساحل (غربي أفريقيا) ضد الجماعات المسلحة. وتابع أن روسيا تعمل “بهدوء” على إعادة بناء العلاقات مع أفريقيا لتقوية التعاون الاقتصادي والعسكري، مما أثار مخاوف الغرب بشأن أهداف موسكو. ولا يقتصر نشاط موسكو على مالي، فالوجود الروسي يتوسع في مناطق أخرى غربي أفريقيا منها بوركينا فاسو وتشاد والنيجر. وقادت الحرب في مالي -التي بدأت عام 2013- إلى تدخل فرنسي شمل نشر قوات فرنسية وتوقيع اتفاقيتين دفاعيتين مع حكومة مالي. وهذا التدخل الفرنسي أثار احتجاجات في مالي وأتاح لروسيا فرصة تقديم نفسها “كقوة بديلة”، وفق محللين. وأعرب بوكانان عن اعتقاده بأن “قرار فرنسا سحب قواتها من دول غرب أفريقيا، بما فيها مالي (بعد تدخل عسكري استمر تسع سنوات)، ترك فراغا كبيرا بينما اغتنم الروس كل فرصة لتعزيز نفوذهم في أفريقيا”. وفي فبراير الماضي برر ماكرون قرار سحب قواته بحجة أن فرنسا وشركاءها الأوروبيين لا يتقاسمون مع المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي نفس الاستراتيجية ونفس الأهداف. روسيا تقدم نفسها "كقوة بديلة" روسيا تقدم نفسها "كقوة بديلة" ومنذ 2012 تتخبط مالي في أزمات أمنية وسياسية بدأت بتمرد مسلح قادته حركات انفصالية شمالي البلاد، وفي أغسطس 2020 ومايو 2021 شهدت انقلابين عسكريين. واعتبر بوكانان أن هذه الإجراءات “تعزز مكانة روسيا في المنطقة. وطالما استمرت روسيا في تقديم وتسهيل المساعدة العسكرية لمالي عبر نشر متعاقدين عسكريين من فاغنر، فإن موسكو ستستمر في حماية مصالحها هناك”. ووفقا لمحللين، أسهمت علاقات وزارة الداخلية الفرنسية وشركة الإسمنت الفرنسية “لافارج” مع تنظيم داعش الإرهابي في تردي الوضع. وقال إيجيسا إن روسيا أدركت أن الغرب أصبح ثريا من خلال وجوده في جميع الصراعات تقريبا داخل أفريقيا. وأكد أن “القوى العظمى الغربية تستفيد بشكل رئيسي من الحرب، لأنها تعرض خبراتها الحربية وتبيع المعدات العسكرية مقابل موارد ثمينة مثل الذهب والماس”.

مشاركة :