الدرعية من مهد للدولة السعودية الى حاضنة لـ 'القومية الجديدة'

  • 6/17/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الدرعية (السعودية)- تقود المرشدة السعودية ندى الفريح وفدا لتفقد قصر تم بناؤه من الطين والقش في القرن الثامن عشر في منطقة الدرعية حيث يُعتقد أنّ اسرة آل سعود الحاكمة خططت لأول مرة للسيطرة على شبه الجزيرة العربية. وتتحدّث الشابة بحماس أثناء توقف في قاعة مفتوحة على ارتفاع يصل إلى 20 مترا، عن هذا الجانب من تاريخ تأسيس بلدها، متحسّرة، على أنه بعد ما يقرب من 300 عام، لا يزال بعض السعوديين يجهلون أجزاء من تاريخ بلادهم. وتقول خلال زيارة للموقع "التقيت بزوار ليس لديهم أي فكرة عن الأمر. يبدو أنهم فوّتوا هذا الجزء من (التاريخ خلال) تعليمهم أو شيء من هذا القبيل". في وقت لاحق من هذا العام، سيُفتح القصر المرمّم في منطقة الدرعية التاريخية بضواحي العاصمة السعودية الرياض للجمهور للمرة الأولى. ويقول محللون إن تطوير الدرعية جزء من جهد أكبر يقوده الأمير محمد بن سلمان الذي أصبح وليا للعهد قبل خمس سنوات، لتعزيز الشعور بالقومية السعودية وتسليط الضوء على تاريخ بلاده. في كل أنحاء القصر، معروضات تسلّط الضوء على إنجازات أسرة آل سعود التي تعود إلى ما قبل التأسيس الرسمي للمملكة في ثلاثينات القرن الماضي. وفي السابق طبعت ممارسة الإسلام المتشدد صورة المملكة عبر الزمن. اليوم، تقدّم الدرعية صورة أكثر انسجاما مع رؤية الأمير محمد لسعودية حديثة منفتحة على العالم: مطاعم فاخرة ومعارض فنية ومضمار سباق فورمولا إي. وتقول الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن كريستين ديوان التي درست تطور المدينة "الدرعية تجسّد بشكل مثالي القومية السعودية الجديدة". وتتابع "تضع آل سعود في المقدمة باعتبارهم مشكّلي التاريخ السعودي الأساسيين ومهندسي وحدة السعودية". وتضيف "التغيير ليس خفيا، إنه واضح للجميع". السلالة الحاكمة فيما يبلغ البلد الذي يحمل اسم آل سعود 90 عاما فقط، فإن أصول سلالة العائلة الحاكمة تعود إلى القرن الثامن عشر. وكانت الدرعية مركز القوة الأصلية للعائلة والمكان الذي أبرمت فيه عام 1744 تحالفات تاريخية مع محمد بن عبد الوهاب. تبع ذلك الاتفاق توسع ميداني سريع، ولكن تمت الإطاحة بالعائلة مرتين قبل أن يؤسس عبد العزيز بن آل سعود الدولة السعودية الحالية ويعلن نفسه ملكا في عام 1932. وتمّ اكتشاف النفط في شرق البلاد بعد ست سنوات، ما ساهم في تحويل المملكة الصحراوية إلى واحدة من أغنى دول العالم. وأضفى التحالف التاريخي الوثيق مع محمد بن عبد الوهاب الشرعية على حكّام دولة تفتخر بأنها تضم على أراضيها الأماكن المقدسة للمسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. فيما امتد تأثير الوهابية الى خارج السعودية. وتوضح ديوان أنّه عندما أبدى والد الأمير محمد الملك سلمان اهتماما بإعادة تطوير الدرعية في سبعينات القرن الماضي، "احتفظ بمكان، وإن صغير، لتكريم ذكرى" رجل الدين الذي أسس الوهابية. في إطار إصلاحاته الاجتماعية، همّش الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة، دور السلطات الدينية، وأبرزها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية دأبت على مطاردة الرجال لإجبارهم على أداء الصلاة. وتقول ديوان إنّ الأمير محمد "يعتبر (الدرعية) نقطة جذب عالمية"، مضيفة "في برنامج المدينة الذي يتضمن فنونا ومصارعة عالمية وحفلات صاخبة، لا يمكن للوهابية أن تتعايش بسهولة".  "اكروبوليس" السعودية  ومن أجل القيام بمهمة إعادة إحياء الدرعية، اختارت السعودية جيري انزيريلو، وهو مدير تنفيذي معروف في قطاع الترفيه شارك في دور صغير في فيلم جيمس بوند "كازينو رويال" في العام 2006. ويعدّد إنزيريلو إمكانات الدرعية، ويقول إنّها قد تشكّل للسعوديين ما يمثله الأكروبوليس بالنسبة لليونانيين والكولوسيوم للإيطاليين. ويوضح "كان هناك جيل قال إنها مجرد مجموعة من المنازل الطينية وهذا ليس مستقبلنا"، مضيفا "لكن هذا الملك يعتقد أن الهوية الوطنية ومصدر الفخر يجب أن يعودا إلى الماضي السعودي الغني". ويشير إلى أنّ هذا التفكير يقف وراء الاحتفال بيوم التأسيس الجديد الذي تم استحداثه في شباط/فبراير الماضي لتكريم قادة عائلة آل سعود. ويقول إنزيريلو إن الأمير محمد "يوافق على كل عرض" بخصوص الدرعية، وأنه أمضى ما يصل إلى 30 ساعة بلا كلل لمراجعة تخطيط شوارعها بدقة. ويرفض إنزيريلو فكرة أنّ إعادة إحياء الدرعية تستبعد محمد بن عبد الوهاب من تاريخ البلاد، مؤكدا "سيكون هناك احتفاء به" مع أئمة آخرين. ولا يزال الجامع الذي يحمل اسم محمد عبد الوهاب مفتوحا، وقد تم ترميمه، لكن مركز أبحاث بني قبل سبع سنوات للترويج لفكره، لم يعد كذلك. وقبالة القصر القديم، تحوّلت منطقة البجيري حيث عاش محمد بن عبد الوهاب، إلى منطقة مطاعم راقية، وهي واحدة من معالم ترفيهية أخرى عدة في المكان التراثي. وفي القصر، أقسام مخصصة لإعادة تمثيل التاريخ وعروض رقص بالسيف وصقور وخيول. واستضافت أماكن أخرى من الدرعية بالفعل حفلات موسيقية عربية وغربية ومباراة الملاكمة للوزن الثقيل "كلاش أون ذا ديونز" 2019 بين أنتوني جوشوا وآندي رويز. ويقول إنزيريلو إن المطورين حرصوا على عدم تحويل الدرعية إلى "مدينة ملاهي"، مؤكدا في الوقت ذاته أن التراث والترفيه "متوافقان للغاية". ويضيف "الدرعية قبل 300 عام كانت فيها موسيقى. كانت تضم أفضل الموسيقيين في المنطقة. كان فيها فن، كان فيها رسامون....، إذا أراد مجتمع أن يكون سعيدا، لا بد له من الترفيه".

مشاركة :