وظيفة واحدة وحلول متعددة

  • 6/18/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في العمارة لكل مشكلة حلول متعددة، والمسابقة المعمارية هي نوع من تقديم حلول عدة لمشكلة معمارية واحدة. وللمسابقات المعمارية تاريخ قديم في العالم، إذ يُذكر أن أول مسابقة معمارية في العصر القديم كانت لمبنى "الأكروبولوس" في اليونان، عام 448 قبل الميلاد.. لم يسبق لي أن تحدثت عن المسابقة المعمارية في مقال قصير وإن كنت تناولتها في دراسات مختلفة، بل وكنت محكماً للعديد من المسابقات خلال الثلاثة عقود الأخيرة منها مشاريع كبرى مثل المسجد الأعظم في الجزائر الذي تم تدشينه مؤخراً رغم أن المسابقة كانت في شهر رمضان المبارك عام 2008م. قبل فترة وجيزة نظمت جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد وشركة رتال مسابقة عالمية مفتوحة لبناء مسجدين في موقعين يخصان الشركة في الدمام وتقدم 154 متسابقاً من 32 دولة حول العالم بحلول ملفتة للنظر، بعضها غير مسبوق، وضّحت كيف يمكن أن تساهم المسابقة المعمارية في تغيير المسار الفكري للتصميم، ونحن هنا نتحدث عن المسجد بوظيفته الثابتة الصارمة وتكوينه البصري الراسخ في الذهن منذ قرون، ومع ذلك فقد مثلت الحلول المقدمة للمسابقة فرصة لإثارة جدل فكري حول ماهية عمارة مسجد المستقبل والأهم كيف يفكر المعماريون المعاصرون في عمارة المسجد. كل مسابقة تمثل فضاءً واسعاً لتجاور الحلول والأفكار الراكدة وتحديها وتغيير مساراتها، كما أنها تؤكد أن هناك حلولاً متعددة لكل مشكلة ولا يمكن التوقف عند أول حل يخطر على الذهن. ثمة اتفاق على أن الحلول الإبداعية ليست بالضرورة تنتج عن مبدعين ذوي خبرة واسعة بل قد تولد من عقول شابة تنظر بأسلوب مختلف خارج صندوق التكرار والمتوقع، لذلك يشير كتاب "المسابقات المعمارية" إلى أن "مرآة التاريخ المعماري هي نفسها مرآة المسابقات المعمارية" ويؤكد على أن تنظيم المسابقة المعمارية أصبح تقليداً في العمارة المعاصرة، فوجود لجنة تحكيم فاعلة وخبيرة، إضافة إلى التقارير النقدية التي تقدمها هذه اللجنة، حول الأفكار المتنوعة التي عمل عليها المتسابقون، عززت من أهمية تنظيم المسابقات المعمارية. وقد قام المعهد الملكي البريطاني للمعماريين (RIBA) بوضع أول نظام للمسابقات المعمارية عام 1839م. وبعد ذلك، أصبحت المسابقة المعمارية عرفاً مهنياً أساساً، أسهم في تطور العمارة من الناحية الفنية والفكرية خلال القرنين الأخيرين. إذا ما تطمح له المسابقة المعمارية هو خلق مسار فكري ومهني جديد وهذا في حد ذاته يمثل تحدياً كبيراً. في العمارة لكل مشكلة حلول متعددة، والمسابقة المعمارية هي نوع من تقديم حلول عدة لمشكلة معمارية واحدة. وللمسابقات المعمارية تاريخ قديم في العالم، إذ يُذكر أن أول مسابقة معمارية في العصر القديم كانت لمبنى "الأكروبولوس" في اليونان، عام 448 قبل الميلاد. كما تم تنظيم مسابقات عدة في عصر النهضة، منها "السلالم الأسبانية"، في روما، عاصمة إيطاليا، عام 1419م. ومبنى "الدومو"، في فلورنسا، في إيطاليا أيضاً، وقد فاز بها المعماري "برولونسكي". وربما كانت المسابقة التي نظمت لتصميم ما عُرف فيما بعد بالبيت الأبيض، والمنطقة المحيطة به عام 1792م، في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي كان أحد مُحكَّميها جورج واشنطن؛ أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، إحدى المسابقات التي أسست لمفهوم المسابقة المعمارية المعاصر. ولا أعلم أنه ذكر في التراث العربي والإسلامي عن تنظيم مسابقة معمارية، ربما لكون العمارة لم تكن ضمن اهتمام الإرث المكتوب في تاريخنا العربي. لنعود إلى مسابقة المسجد والنتائج التي نتوقع أن تنتج عنها، فبخلاف الحلول المتعددة التي قدمتها المقترحات التي أتت من مناخات ثقافية ومراجع فكرية متعددة، ركزت المسابقة على إحداث حراك فكري/جدلي حول العمارة المسجدية المعاصرة، خصوصاً وإن هناك ركوداً مهنياً مستغرباً فيما يخص التجارب التصميمية الإبداعية في عمارة المسجد، ورغم أن المسابقة لمواقع في مدينة الدمام إلا أننا نتوقع تأثير المسابقة ونتائجها والمقترحات التي سوف يتم نشرها تباعاً، أنها سوف تغير من أسلوب التفكير المستقبلي في عمارة المسجد ليس فقط في المملكة بل في مناطق كثيرة من العالم. من الجدير بالذكر أن كل مسابقة مؤثرة يصاحبها فكر نظري واسع متعدد التوجهات وهذا هدف بحد ذاته. النتيجة الأخرى التي نسعى لها هي اكتشاف جيل جديد من المعماريين الشباب خصوصاً في المملكة، خصوصاً وأن أغلب المشاريع لا تتم عن طريق مسابقات وفرص هؤلاء الشباب محدودة في الظهور، وإذا نظمت مسابقات معمارية تكون محدودة وبدعوات للمكاتب الأجنبية الكبرى. دعوني أقول إن جائزة الفوزان تقود مساراً مهنياً مغايراً في مجال العمارة المسجدية المعاصرة فهي لم تكتفِ بتقديم جوائز مجزية لأفضل الممارسات في عمارة المسجد حول العالم -وهو هدفها الرئيس- بل عملت منذ تأسيسها على تنظيم عدة مسابقات إحداها ركزت على "إكسسوارات المساجد" وتم تحويل المشروع الفائز، وهو حامل للمصحف، إلى منتج تم تصنيع 250 قطعة تم توزيعها على 50 مسجداً في حاضرة الدمام على سبيل التجربة. أحد المبادئ التي تركز عليها هذه المسابقات هو: من الفكرة الى البناء أو التصنيع، فلا يكفي أن ننظم مسابقة لا ينتج عنها عمل يراه الناس ويفيد المجتمع بل يجب أن يكون الحراك الفكري مرتبطاً مباشرة بالتجربة العملية من أجل تقيمها وتطويرها.

مشاركة :