لا جدال في أن مشكلات تغير المناخ أفرزت أزمة مؤرقة لعالمنا، تمثل في ارتفاع درجات الحرارة، الذي أصبح يعد خطراً كبيراً في شتى دول وقارات المعمورة، إذ لم يعد الأمر مقصوراً على إفريقيا أو آسيا أو قارة أخرى معهما، ففي السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا والدول الاسكندنافية واليابان ظروفاً مناخية قاسية مماثلة، الأمر الذي أدى إلى دخول الآلاف إلى المستشفيات وزيادة حالات الوفيات. وطبعاً، تجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من الإجراءات والاحتياطات المهمة التي اتخذت ببعض الدول في هذا الصدد. لكن، ومن أجل مستقبل أكثر أمناً ينبغي القيام باستثمارات عاجلة وفورية تستفيد من أفضل الممارسات والدروس المستفادة من خطط التكيف مع موجات الحرارة الحالية. ويجب توسيع نطاق النماذج التي أثبتت جدواها لتعزيز المرونة والاستدامة. وبذا تمكن النجاة من درجات حرارة مرتفعة بشكل غير مسبوق، ولكن فقط إذا كنا على أتم الاستعداد لمواجهتها. ولتحقيق ذلك هناك حاجة إلى وضع خطط عمل واضحة ومستندة إلى الأدلة بشكل جيد لحماية الناس من موجات الحر بالإضافة إلى أنظمة الوقاية والاحتياطيات والاستجابة، كأن يمنع العمل مثلاً في أوقات الظهيرة التي تحصل فيها مرحلة الذروة بارتفاع درجات الحرارة، وأيضاً هناك حاجة إلى تخطيط طويل الأجل مدى الحياة على كوكب أكثر دفئًا. وهذا يعني توفير المزيد من المساحات الزرقاء والخضراء، والتركيز على إيجاد سبل لحماية الأشخاص من موجات الحر، وليس على البيئة المُحيطة. إن درجات الحرارة القصوى مشكلة «المجتمع العالمي بأسره». مثل هذه الظروف لا تضر فقط بصحة الإنسان؛ بل بالبيئة والمقدرات والإمكانات المتنوعة، كما أن لها آثاراً ضارة على البنية التحتية، وغلة المحاصيل، ووفيات الدواجن، مما يهدد سبل العيش ويقوض الأمن الغذائي. كان بلوغ ذروة درجات الحرارة لعام 2021 في شمال غرب المحيط الهادئ وغرب كندا مثالاً على ذلك. لقد كان هذا الخطر وما أفرزه، مستحيل الحدوث لولا أزمة تغير المناخ. وقد كانت درجات الحرارة القصوى أعلى بنحو 5 درجات مئوية من الأرقام القياسية السابقة، مما تسبب في نحو 1000 حالة وفاة إضافية وزيادة 69 أضعاف حالات دخول المستشفيات المرتبطة بالحرارة. كما انخفضت غلات محاصيل القمح والكرز، وتم طهي عدد كبير من بلح البحر، والمحار في موائلها البحرية، مما يهدد الأمن الغذائي وسبل العيش. وفي غياب الاستثمارات الفورية والحاسمة لتعزيز مرونة المجتمع والأنظمة الصحية، ستزداد أنواع مشكلاتنا المرتبطة بالتعرض للحرارة. تتطلب أنظمة الإنذار المبكر والاستجابة، المفترض اعتمادها في وجه هذه الأزمة، أكثر من مجرد عتبة واحدة لتحديد بداية موجة الحر. وينبغي أن تتضمن الأنظمة الفعالة أيضاً عمليات تعاونية لضمان مراعاة التدخلات للقدرات والقيود المحلية. سيتعين على وزارات الصحة، خاصة في الدول التي ليس لها إجراءات مهمة في الصدد، العمل عن كثب مع (من بين جهات أخرى) خدمات الأرصاد الجوية المائية، والشرطة وإدارات مكافحة الحرائق، وخدمات الطوارئ، والوكالات المسؤولة عن رعاية المسنين، والأصوات الموثوقة للفئات المتنوعة. ومع ذلك، لا تُفسر معظم أنظمة الإنذار المُبكر الحالية مخاطر المناخ المتغير بشكل واضح. لكي يكونوا أكثر تكييفاً، يجب على المخططين تبني الجداول الزمنية لمراجعة التغييرات في بداية ونهاية موسم الصيف، مع تطوير التعاون الإقليمي والدولي لضمان تبادل الرسائل بشكل مُتسق. ستلعب أنظمة الإنذار المبكر المتدرجة التي تمثل عتبات متعددة أيضاً دوراً أكبر. * أستاذة الصحة العالمية وعلوم البيئة والصحة المهنية بجامعة واشنطن طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :