عادت مسألة حرارة الأرض إلى دوائر النقاش خلال مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ المصرية، ففي حين يحذر علماء من أن ارتفاع حرارة الكوكب قد يدفعه نحو نقاط تحول لا رجعة فيها، تضغط بعض الحكومات بالتخلي عن الحد الأقصى لأهداف المناخ المتمثل في 1.5 درجة مئوية معتبرة أن الأمر لم يعد ممكنا نظرا لصعوبة إيفائها بوعودها. شرم الشيخ (مصر) – يقول علماء إنه منذ نهاية العصر الجليدي الأخير قبل نحو 12 ألف عام وتطور الحضارات البشرية، لم يتغير قط متوسط درجة حرارة هواء الكوكب على المدى الطويل أكثر من 1.5 درجة فوق متوسط مُستقر عند 14 درجة مئوية. لكن في غضون عقد من الزمن، من المتوقع أن تؤدي انبعاثات الوقود الأحفوري المتراكمة في الغلاف الجوي واحتباس المزيد من طاقة الشمس إلى تجاوز حرارة الكوكب لهذا الحد البالغ 1.5 درجة مئوية. وفي تقرير نشرته مجلة “ساينس” في شهر سبتمبر، قال علماء إن من المرجح بلوغ “نقاط تحول” لا رجعة فيها في الكوكب، من ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند، مما يدشن ارتفاعا يبلغ سبعة أمتار في مستوى سطح البحر، إلى انبعاث غاز الميثان الذي يسرع بارتفاع درجة الحرارة مع ذوبان الجليد الدائم. وحذر علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من احتمال أن يكون لهذا تأثيرات وخيمة على حياة الإنسان والحيوات الأخرى على هذا الكوكب، مع ارتفاع معدلات النوبات المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى البحار وضعف الأمن الغذائي والمائي. يوهان روكشتروم: تجاوز عتبة درجة الحرارة مخاطرة كبيرة لا نريد خوضها يوهان روكشتروم: تجاوز عتبة درجة الحرارة مخاطرة كبيرة لا نريد خوضها وقال يوهان روكشتروم، مدير معهد “بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ” في ألمانيا، في الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في مصر “يمكنني القول بدرجة عالية من اليقين إن الحضارات يمكنها الازدهار في عالم درجة حرارته 14، لكن لا أحد يستطيع إخبارنا بأي درجة من اليقين أنه يمكننا الازدهار في عالم درجة حرارته أعلى بكثير لأننا لن نكون هناك أبدا”. وذكرت تقارير أن بعض الدول اقترحت في محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ أن هدف تقييد ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية المُعرض للخطر بشدة الآن غير واقعي ويجب التخلي عنه في أيّ اتفاق في مصر، لكنّ دولا أخرى من بينها جزر المالديف المنخفضة أصرت على إبقاء هذا الهدف. فما مدى قرب العالم من تجاوز ارتفاع حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية، وهو الحد الأكثر طموحا لدرجة الحرارة الذي حدده اتفاق باريس للمناخ عام 2015؟ يتفق علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن درجات الحرارة ارتفعت الآن بما لا يقل عن 1.2 درجة مئوية فوق عصر ما قبل الصناعة، لكن ارتفاع الحرارة لا ينتشر بالتساوي في جميع أنحاء العالم. فعلى اليابسة، ارتفعت درجات الحرارة بالفعل نحو 1.5 درجة مئوية بنسبة أكبر مما حدث فوق المحيطات الأكبر والأبرد. ونصف الكرة الشمالي أصبح دافئا بشكل خاص، حيث شهدت أوروبا ارتفاعا بمقدار درجتين مئويتين والقطب الشمالي شهد ارتفاعا بثلاث درجات مئوية. وقال روكشتروم إن “التأثير يتفاقم كلما اتجهت نحو الشمال”. وعلى الرغم من أن درجات الحرارة يجري قياسها في أماكن مختلفة حول الكوكب ومن خلال مجموعة من الوكالات، من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة إلى مركز هادلي التابع لهيئة الأرصاد الجوية البريطانية على سبيل المثال، مازالت هناك فجوات كبيرة في البيانات. وقال روكشتروم “لا يمكنك قياس كل بكسل على الأرض. نحن لا نسجل الحرارة كثيرا في القارة القطبية الجنوبية أو القطب الشمالي”. وأضاف أن هذا يشير إلى أننا “نقلل من تقدير ارتفاع درجة الحرارة لأننا لا نملك كل البيانات”. من المرجح بلوغ "نقاط تحول" لا رجعة فيها في الكوكب، من ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند وترتفع درجة حرارة أوروبا والقطب الشمالي بسرعة كبيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود قسط أكبر من أراضي الكوكب، التي ترتفع درجة حرارتها أسرع من محيطاتها، في نصف الكرة الشمالي وبسبب درجة ميل الكوكب نحو الشمس. لكن روكشتروم قال إن نجاح أوروبا في إزالة تلوث الهواء يلعب أيضا دورا. وقال الخبير البيئي إنه في الأماكن الأكثر تلوثا مثل المدن الكبيرة في الصين والهند، تعكس الغلالة الضبابية بشكل فعال بعض طاقة الشمس نحو الفضاء، مثل “مرايا ميكروسكوبية الصغر”. ويقول علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن تلوث الهواء حول العالم يرجح أن يخفض متوسط قراءات درجة الحرارة العالمية بنحو 0.3 درجة مئوية. وقال روكشتروم إن هذا يعني أن الكوكب ارتفعت درجة حرارته بالفعل 1.5 درجة مئوية لكن التأثيرات لم تظهر بعد. وأوضح أن هذا أمر مثير للقلق لأن دولا كثيرة تحاول الانتقال بسرعة إلى الطاقة الخضراء المستمدة من الموارد المتجددة التي توفر طاقة أرخص وأنظف وتنظف أيضا السماوات الملوثة. وقال “إذا نظفنا الهواء في مومباي ونيودلهي وبكين، فسنحصل على دفقة في ارتفاع الحرارة على الفور”. فهل أفلت منا بالفعل هدف تقييد ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية كما أراد اتفاق باريس للمناخ؟ وما أهمية التمسك به؟ مناخ بالمعدل الحالي الذي يحرق به البشر الوقود الأحفوري، لم يتبق سوى ما بين سبع وثماني سنوات على تجاوز حد 1.5 درجة مئوية. وللالتزام بالهدف، سيتعين على البلدان والشركات والأفراد خفض انبعاثاتهم إلى النصف كل عقد حتى عام 2050. وقال روكشتروم إن هذه مهمة شاقة مع استمرار ارتفاع الانبعاثات العالمية اليوم، مما يشير إلى احتمال عدم تحقيق الهدف. وأشار إلى أن المفتاح هو جعل هذا التجاوز صغيرا قدر الإمكان، ومن المأمول أن يكون مجرد أجزاء من الدرجة، ومحاولة خفض درجات الحرارة بسرعة مرة أخرى. فكيف يمكن خفض درجات الحرارة؟ تطورت الآلات التي تسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء حتى يتيسر تخزينه تحت الأرض، لكن كلفة تشغيلها ما زالت مرتفعة للغاية. وتتمثل الطريقة الأرخص لخفض درجات الحرارة في الحفاظ على سلامة غابات الكوكب المتبقية والنظم الطبيعية الأخرى، لأنها تمتص بشكل طبيعي ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، مما يساعد على منع ارتفاع درجة الحرارة. في "كوب 27"، تتزايد المخاوف بشأن احتمال عدم القدرة على الالتزام بهدف إبقاء ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية وقال روكشتروم إن الطبيعة امتصت أكثر من نصف (56 في المئة) انبعاثات الوقود الأحفوري منذ عام 1750، نصف هذه النسبة على اليابسة والنصف الآخر فوق البحار. وأوضح أن هذا الحجب الضخم لما كان من الممكن أن يكون الآن تغيرا مناخيا جامحا يرقى إلى “أكبر دعم في اقتصاد العالم”. لكن مع ارتفاع معدلات إزالة الغابات وتدهور الأراضي الأخرى في أماكن كثيرة حول العالم، فإن قدرة الطبيعة على امتصاص تلوث المناخ آخذة في الانخفاض. وإذا تجاوز العالم حد ارتفاع درجة الحرارة البالغ 1.5 درجة مئوية، فإن النظم البيئية السليمة إلى جانب وقف استخدام الوقود الأحفوري قد تساعد بمرور الوقت على امتصاص التلوث وخفض درجات الحرارة مرة أخرى. لكن روكشتروم قال إن هذا “لن يجدي نفعا إلا إذا لم ندمر الطبيعة”. فهل حان الوقت للتخلي عن هدف حد ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، إذا كان من غير المرجح تحقيقه؟ يقول روكشتروم وعلماء آخرون إن التخلي عن هدف 1.5 درجة مئوية والصعود إلى حد أعلى سيزيد بشكل كبير مخاطر نقص الغذاء والماء والصراعات والمناخ المتطرف القاتل والأزمات الأخرى، ومن المحتمل أن يدفع العالم إلى ما وراء نقاط التحول الخطيرة التي لا رجعة منها. وللبقاء سالمين على هذا الكوكب، “1.5 درجة مئوية هي عتبة لا يمكننا التخلي عنها”. وأضاف أنه عند تجاوز هذه العتبة “هناك من المؤكد مخاطرة كبيرة ونحن لا نريد خوض هذه المخاطرة”.
مشاركة :