قالت الجمعية الاقتصادية الكويتية، إن السياسة الحكومية على مدى سنوات سابقة كانت تتعامل مع الملفات الحساسة بسياسة التعويم، والهدف فقط عبور الاستجوابات الوقتية. لذلك لا نلوم المواطن، الذي يؤمن أن التوزيعات من أرباح «التأمينات» وصندوق الأجيال وغيرها هي حق مكتسب، وسط ما يراه ويعيشه دورياً من سرقات ونهب لمقدرات البلد بلا حساب فاعل ولا رقابة حقيقية. أكدت الجمعية الاقتصادية الكويتية ضرورة تشكيل حكومة بالسرعة الممكنة لخلق جو توافقي يخدم البلد ويحافظ على تطبيق مواد الدستور كعقد اجتماعي وضعه المؤسسون لا يجب الالتفاف عليه. وقالت الجمعية، في بيان: «لقد آثرنا على مر الظروف المتعاقبة مع أبناء الوطن من الاقتصاديين والمختصين إطلاق صرخات للرفق بهذا الوطن، وسداد العجز الاكتواري كان من مطالب الجمعية الاقتصادية الكويتية في الكثير من المواقف السابقة. لذا من الواجب علينا أن نقول هذه النقاط الأساسية استشعاراً لروح المسؤولية الوطنية»: أولاً: التأمينات الاجتماعية، ما هي إلا وسيلة متقدمة من وسائل الدفاع عن المجتمع ورخائه من أي تدهور قد يلحق بمستوياته المعيشية، فهي ادخار منظم قانوناً، ومما يجعل إدارة أموال صندوق تقاعدي مختلفاً، هو أن التعامل مع مدخرات أصحاب المعاشات التقاعدية واستقطاعات العاملين في القطاعيين العام والخاص يُشكل تحدياً أكثر دقة وحساسية من إدارة صندوق استثماري أو سيادي للدولة، إذ إن الأمر لا يتعلق بدور السياسة الاقتصادية للدولة، بل تتبع فرص عوائد ربحها متوسطة إلى بعيدة المدى. هناك مسلّمتان أساسيتان لمؤسسة التأمينات يتعين مراعاتهما: الأولى هي ضمان عيش كريم للمُتقاعدين، من خلال ربط الزيادة السنوية على مخصصاتهم الشهرية لتعادل الزيادة في تكلفة المعيشة، كما هو متبع عالمياً، وجعل حد أدنى للمعاشات التقاعدية بناءً على الدراسات الإحصائية للمعيشة في أي بلد. والمسلمة الثانية والأهم، هي ضرورة طرح وتبني مبادرات وسياسات مبتكرة وجريئة تؤمّن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، استعداداً للعدد الضخم المتوقع دخوله إلى سوق العمل في السنوات القليلة القادمة. ثانياً: نعي أن في كل البرلمانات تتقدم مشاريع هدفها كسب الولاء السياسي وأصوات الناخبين على حساب مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، لكن في كل البرلمانات هناك حكومة أقسمت على المحافظة على أموال الشعب ومصالحه، تقاتل بكل القنوات الدستورية لحماية المال العام من أن يكون أداة في الصراع السياسي الرخيص. لذلك موضوع إصلاحات التأمينات الاجتماعية يجب أن تكون أولى أولويات أي حكومة، ونستغرب من تجاهل الحكومات السابقة لهذه المؤسسة المهمة المعنية بالأمن النظامي للمواطنين جميعاً سواء متقاعدون أو مسجلون، والتي أسسها أشخاص أفاضل تكن لهم الكويت كل الفضل والاحترام والتقدير. ولذلك، نؤكد حرص الجمعية الاقتصادية الكويتية ودعم أي مبادرة تهدف لإصلاح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لما لها من أهمية اجتماعية لكل أفراد المجتمع، وأن ما تم تقديمه يعتبر بادرة في هذا الاتجاه، ونتمنى خطوات إصلاحية أكثر لهذا الكيان الرائد في المنطقة. ولهذا نؤكد أن الأخ وزير المالية عبدالوهاب الرشيد يحمل نفس همومنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية، وهذا ما نؤمن فيه بعد التدخل الحكومي لمعالجة العجز الاكتواري في أولى خطوات إصلاح، لما تعتبره الجمعية كياناً له قيمة اجتماعية مهمة وواجب علينا إصلاحه. إحصائيات المتقاعدين ثالثاً: بلغ عدد المؤمن عليهم حتى مارس 2019 قرابة 382 ألفاً، وبلغ عدد أصحاب المعاشات قرابة 149 ألفاً، أما المستحقون من ورثة أصحاب المعاشات المتقاعدين فيبلغ عددهم قرابة 88 ألفاً، ليصبح الإجمالي قرابة 619 ألف فرد مستفيد من نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت. وبلغ إجمالي ما تم دفعه لمختلف المستحقين والمتقاعدين خلال السنوات الخمس الأخيرة وحتى ديسمبر عام 2019 قرابة 8 مليارات و44 مليون دينار. وحتى تُكتب الاستمرارية لعمل مؤسسات التأمينات الاجتماعية وبسط تغطيتها التأمينية على شرائح أوسع، وبما يجابه الآثار الناشئة عن الأزمات والكوارث والحروب التي باتت أكثر تعقيداً بتطور الحياة نفسها، برزت الحاجة إلى تنويع مصدر دخل هذه المؤسسات من خلال توظيف أموال المشتركين في استثمارات طويلة الأمد تتبع أسلوباً حصيفاً ومتحفظاً منخفض المخاطر تعود نتائجه بالنفع على متانة نظام الرعاية الاجتماعية في الدولة. العجز الاكتواري ومما يحدث الآن في أوساط المجتمع من آراء متباينة حول العجز الاكتواري من عدمه، لزم علينا أن نكتب هذا البيان لتبيان الحقائق الاقتصادية ومدى جدواها، وهذا كله مع الأسف في مجال ما هو متاح علناً كأرقام ومدى شفافية هذه الجهات. فالعجز الاكتواري بمفهومه المبسط هو: «الناتج السلبي عند طرح قيمة جميع التزامات مؤسسة التأمينات تجاه المتقاعدين والمؤمن عليهم، من جميع البيانات المالية الخاصة بالمؤسسة – القيمة الحقيقية لموجوداتها واستثماراتها - عند نهاية يوم معين». ومما نملكه من تتبع للأرقام وسط شح الشفافية ونقصها والتكتيم المخيف في الكويت، فإن آخر ما علمناه من مقرر لجنة الميزانيات في مجلس الأمة النائب السابق رياض العدساني شافاه الله أن «العجز قد تضاعف تقريباً في السنوات السابقة، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض عوائد الاستثمار. ولأن العجز الاكتواري هو الفرق بين الالتزامات المستقبلية ومعدلات الدخل الجاري، فلهذا ارتفع بين 9 مليارات دينار و 17.4 ملياراً في السنوات المالية الثلاث حتى مارس 2019. ولهذا تكمن أهمية الفحص الاكتواري لأنه يحتسب قدرة التأمينات على تلبية مدفوعات التزاماتها المستقبلية، وأن الزيادة في العجز نتجت بشكل رئيسي عن انخفاض حاد في عوائد الاستثمارات إلى 4% في سنة 2019-2018 من 5.7 % في العام الذي سبقه. لذلك، فإن سداد الخزانة العامة للعجز الاكتواري يعتبر أمراً جيداً بعيداً عن الرأي السياسي في دستورية الجلسة من عدمها والذي نقدره. وليست هذه المرة الأولى التي تقوم الدولة بسداد العجز الاكتواري، إذ قامت في السابق بضخ مبالغ دعمت من خلالها المؤسسة لسداد العجز الاكتواري. ومن المفترض أن تساهم هذه المبالغ في تطوير قطاع الاستثمار، مما يعزز استدامة الدور التأميني لضمان العيش الكريم للمساهمين والمتقاعدين في الدولة، خصوصاً أن المؤسسة مملوكة بالكامل للدولة. الشفافية والرقابة رابعاً: إن الشفافية المفقودة تؤدي إلى ضعف الرقابة، وضعف الرقابة يحتم سوء التشريع. لذلك طالعتنا كثير من التقارير من جهات عالمية عملت على دراسات اكتوارية كأمثال منظمة العمل الدولية و»ميرسر» و»ميليمان» وغيرها، وكذلك الرقابية الكويتية كديوان المحاسبة بأرقام تنم عن تفاوت كبير في معدلات العجز الاكتواري من ملياري دينار إلى 19 ملياراً في كل حالات التقييم المفتوحة والمغلقة (ولكل منهما حسابه الخاص والمعقد فنياً)، ومع تحفظنا على بعض الجهات التي تقيم هذه العجوزات المعقدة فنياً بدون مختص اكتواري. لذا ما فعلته التأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للاستثمار قبل سنة من الآن كانت خطوة أولى محمودة في الشفافية، وأثنى عليها الكثيرون، والآن نؤكد أن ما بدأتم به أصبح التزاماً من منطلق العمل الجماعي، الذي يتحلى بروح الشفافية، فإننا ننتظر نتائج عملكم الدؤوب في هذه المؤسسة الرائدة، التي لها أهمية كبيرة في النسيج الاجتماعي للكويت، مدركين تقلبات الأسواق العالمية والدورة الاقتصادية للاستثمارات. وعلى نفس السياق، لم يكن العجز الاكتواري يوماً حديثاً للشارع العام وهماً يتقاسم فيه المجتمع رأيه وأفكاره، لكن الآن وبعد أن أصبح هو الشغل الشاغل للشارع، فإننا نرسل عبر هذا البيان دعوة مفتوحة للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لعقد ندوة عامة في الجمعية الاقتصادية الكويتية لشرح ما يدور من تساؤلات في الشارع الكويتي والتي لا يستطيع المختصون الإجابة عنها لشح المعلومات. مؤشر التقاعد العالمي خامساً: عندما نتحدث عن جودة نظام التقاعد الكويتي، تتفاوت الآراء بين من يراه الأفضل في المنطقة، بل وفي العالم، ومن يرى عكس ذلك. ولا يُمكن الاعتداد برأي دون سماع الآخر، فهناك رأي يرى أن مُعالجة العجز الاكتواري هي الأولوية، ورأي آخر يؤمن أن مُعالجة كفاية المعاش التقاعدي هي الأولوية. ولا يمكن الجزم بصحة رأي أحد الطرفين في غياب منظومة شاملة ومتكاملة للتقييم، وصعوبة الحصول على بيانات ومعلومات موثوقة ومُحدّثة عن نظام التقاعد الكويتي وسط عدم خضوع نظام المؤسسة التقاعدي للتقييم العالمي وفق مؤشر التقاعد العالمي (Global Pension Index)، المعمول به في كلٍ من السعودية والإمارات. ويصدر هذا المؤشر سنوياً منذ عام 2009 من قبل شركة مرسر (Mercer) المُتخصصة في الاستثمار والتقاعد. ومن أبرز فوائد مؤشر التقاعد العالمي، أنه يُقدم تقييماً مستقلاً ومهنياً، بالتالي يُساعد على حسم الكثير من الجدل حول جودة نظام التقاعد وحسن إدارته. كما يوفر معايير مُشتركة يُمكن من خلالها عقد المُقارنات بين نظم التقاعد التي قد تختلف إلى حد بعيد في تفاصيلها. ومن الفوائد المهمة تبيان فرص الإصلاح التي يُمكن للقائمين على النظام التقاعدي اقتناصها لتحسين أدائهم، وإمكانية قياس مدى نجاح المُبادرات التي يتم تبنيها من خلال قياس وتتبع أداء النظام التقاعدي سنوياً. ولهذا نؤكد ضرورة المسير قدماً في إصلاحات شاملة في هذا الكيان الاجتماعي الرائد في المنطقة، وليس على الصعيد المالي فقط، ولكن على صعيد الشفافية أيضاً. ضرورة الإصلاحات الاقتصادية السياسة الحكومية على مدى سنوات سابقة كانت تتعامل مع الملفات الحساسة بسياسة التعويم، والهدف فقط عبور الاستجوابات الوقتية. لذلك لا نلوم المواطن الذي يؤمن أن التوزيعات من أرباح التأمينات وصندوق الأجيال وغيرها هي حق مكتسب في ظل ما يراه ويعيشه بشكل دوري من سرقات ونهب لمقدرات البلد بلا حساب فاعل ولا رقابة حقيقية. لذلك نؤكد على ضرورة الإصلاحات الاقتصادية كاملة لاسيما الإصلاحات المعنية باستدامة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وكذلك، وبقدر ما نراه من حق مكتسب أن تتحسن الحالة المالية للأخوة المتقاعدين إلا أن تحسين الحالة المالية لفئة مهمة في المجتمع كالأخوة المتقاعدين يجب ألا يكون على حساب الأخوة المسجلين في هذه المؤسسة. لذلك من باب أولى أن تكون المكرمات والهبات من حساب المال العام وليس من المؤسسة حتى لا تكون منفعة فئة معينة تعني بمضرة فئة أخرى. في الختام، علينا أن نتوقف عن سياسة تبديد ثروة هذا الوطن فهي ليست ملكية خاصة. فالوطن لا يبنى على الهبات، ومستقبل الأجيال القادمة أمانة تنتظر تسليمها للجيل القادم كما حافظ عليها من سبقكم، والعاقل هو من يتعظ من تقلبات الزمان.
مشاركة :