18 ديسمبر.. يوم عالمي للغة العربية

  • 12/19/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للاحتفاء باللغة العربية على غرار لغاتٍ أخرى سمَّت لها المنظمة أياما للاحتفاء بها، منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية، ويدخل الاحتفاء بها ضمن أنشطة وجهود المنظمة الرامية إلى صون التراث الثقافي العالمي غير المادي وتقدير العربية كأداة للتعبير الثقافي في تنوعه. البداية بدأ تخليد اليوم العالمي للغة العربية عام 2012، ويُوافق 18 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، وهو نفس التاريخ الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادس لغة رسمية لها قبل ذلك بنحو أربعة عقود، أي عام 1973. وفي عام 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو جعل اليوم العالمي للغة العربية نشاطها المركزي السنوي. الأهداف يرمي اليوم العالمي للغة العربية إلى إبراز الإسهام المعرفي والفكري والعلمي لهذه اللغة وأعلامها في مختلف مناحي المعرفة البشرية عبر التاريخ، فالحضارة العربية الإسلامية لها إسهامات مشهودة في مختلف مناحي العلوم والمعرفة والآداب والفنون، ويعود إليها الفضل الأكبر في النهضة الأوروبية ثم الثورة الصناعية التي كرَّست قيادة الغرب للعالم منذ أواخر القرون الوسطى. ويسعى اليوم العالمي للغة العربية كذلك إلى التأكيد على مركزية هذه اللغة، التي تُعد من أوسع اللغات السامية انتشارا، فعدد المتحدثين بها يتجاوز 420 مليون نسمة في البلاد العربية، وفضلا عن ذلك فإنَّ معرفة -ولو محدودة- بها ضرورية لأكثر من مليار مسلم كي يُؤدوا صلواتهم، كما أنها اللغة المعتمدة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المشرق، وكتب بها جزء مهم من التراث الثقافي والديني اليهودي. السياق التاريخي بدأ اهتمام اليونسكو باللغة العربية باكرا، فقد قرر المؤتمر الثالث للمنظمة، المنعقد في بيروت عام 1948، اعتماد العربية لغة ثالثة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية، لأشغال هيئات المنظمة في حال انعقادها في بلد ناطق بالعربية، كما استحسن المؤتمر إدراج العربية ضمن اللغات التي تُترجم إليها محاضر الاجتماعات والدوريات ووثائق العمل. وفي عام 1960، اعترف مؤتمر المنظمة بأهمية اللغة العربية وبقدرتها على جعل منشورات المنظمة أكثر تأثيرا وجلبا للاهتمام في البلدان الناطقة بالعربية إذا تمت ترجمتها إلى هذه اللغة. وهكذا تقررت ترجمة أهم وثائق ومناشير المنظمة إلى اللغة العربية، بيد أنَّ عام 1966 شهد تحولا مهما تمثل في اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للجلسات مع ترجمة آنية منها وإليها في المؤتمر العام للمنظمة، وبعد ذلك بعامين تم اعتماد اللغة العربية لغة عمل في المنظمة بفضلِ جهدٍ جهيد بذله المدير العام حينها الفيلسوف الفرنسي رينيه ماه. ومهدت هذه الخطوة لاستخدام اللغة العربية بشكلٍ تدريجي في عمل المنظمة بدءا بترجمة وثائق العمل والمحاضر ونحوها. وأثمرت تلك الجهود وضع برنامج لتوسيع استخدام اللغة العربية مع اعتبار المنظمة اللغة العربية -على غرار اللغات الرسمية لها- وسيلة للتعبير عن الحضارة والثقافة البشرية وحفظهما. وسيُتوج مسار ازدهار اللغة العربية في اليونيسكو باعتمادها لغة رسمية في عام 1974 بفضل جهود حثيثة بذلتها حكومات الجزائر والسعودية ومصر والعراق والكويت ولبنان وتونس واليمن، مكنت من إدراج ترسيم اللغة العربية في جدول أعمال المؤتمر العام للمنظمة، لكن هذا الجهد العربي لم يكن له أن يكلل بالنجاح لولا الدعم السخي الذي قدمه المدير العام السنغالي أمادو مختار مبو. تحديات تواجه اللغة العربية تحديات جمة تحول دون تمكنها من مسايرة الحداثة والطفرات العلمية والتقنية الهائلة التي عرفها العالم. والواقع أنّ هذا العجز ليس بنيويا، فعلماء اللغة واللسانيات لا يختلفون على المؤهلات الفريدة لهذه اللغة وغنى معجمها، ومن هنا لا يمكن فصل مشاكل العربية عن حالة التخلف العامة المهيمنة في الفضاء العربي الإسلامي منذ قرون. وتواجه اللغة العربية مشاكل يمكن أن نذكر منها غياب سياسات حكومية لتطويرها، وضعف البحث العلمي بشكل عام، خاصة في علوم اللغة واللسانيات والتواصل، كما أن سيادة اللغات الغربية الموروثة عن الاستعمار في الإدارة والاقتصاد والتعليم، وشيوع اللهجات وتبنيها من شرائح نافذة من النخب المتشبعة بالثقافة الغربية الممزوجة بمسحة استعمارية فكرية، كلها عوامل تُشكل عقبة أمام ازدهار اللغة العربية واسترجاع مكانتها التاريخية. ومن التحديات كذلك ما يتعلق بمسايرة التكنولوجيا، وتتمحور أساسا حول ضعف حركة الترجمة، فالكتاب مثلا حين يصدر بالإنجليزية- وهي اللغة المهيمنة في مجال العلوم والتكنولوجيا- يُترجم إلى الفرنسية بعد ثلاث سنوات في المتوسط، في حين لا يُترجم إلى العربية إلا بعد عقدين تقريبا. تواجه العربية إشكالا آخر هو صعوبة الرقمنة؛ فاللغات اللاتينية مثلا سهلة الرقمنة لإمكانية كتابة كلماتها منفصلة الأحرف، وهو ما ليس متاحا بالنسبة للعربية رغم أنَّ كل حرف عربي يمكن كتابته منفردا، وهو ما يُؤكد أنَّ العائق ليس بنيويا وإنما يحتاج فقط إلى جهد لتطوير الهوية البصرية للأحرف بما يُمكن من تركيب الكلمات وفق نسق يُناسب التعبير المعلوماتي المعروف بالتعبير الثنائي صفر واحد. ويعكس واقع اللغة العربية حالة التشرذم التي يعرفها الفضاء العربي الإسلامي، وأبرز تجليات ذلك إخفاق الدول العربية في توحيد المصطلح، بل وانتصار كل دولة لمصطلحات مجامعها اللغوية إن وُجدت، رغم أن تلك المصطلحات قد تكون متهافتة في مبناها ومعناها.

مشاركة :