تركيا والسعودية تطويان صفحة تسع سنوات من الخلافات

  • 6/22/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أنقرة - دشنت تركيا والسعودية اليوم الأربعاء مرحلة جديدة من العلاقات بعد سنوات من التوتر، فيما رسمت الزيارة التاريخية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأنقرة افاق التعاون المستقبلي بعد اتفاق الجانبين على تعزيز الشراكات في مختلف المجالات.   والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفه في القصر الرئاسي في أنقرة حيث عقدا محادثات موسعة، فيما ذكر بيان مشترك أن الاجتماع تم "في جو سادته روح المودة والإخاء، بما يجسد عمق العلاقات المتميزة بين البلدين". وأكد الأمير محمد وأردوغان "بأقوى صورة على عزمهما المشترك لتعزيز التعاون في العلاقات الثنائية بين البلدين بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية". وأضاف البيان أن الجانبين ناقشا "تطوير شراكات إنتاجية واستثمارية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية والمدن الذكية"، وكذلك "تطلعهما للتعاون في مجالات الطاقة"، لكنهما لم يعلنا عن صفقات ملموسة. كما جاء في البيان "اتفق الجانبان بخصوص تفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما في مجالات التعاون الدفاعي بشكل يخدم مصالح البلدين ويساهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة". وتعد الزيارة الفصل الثاني في المصالحة بين البلدين اثر الأزمة التي تلت مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2018. وكان أردوغان قد قال الجمعة لدى تأكيده زيارة الأمير محمد، "بإذن الله سنرى إلى أي مستوى يمكننا الارتقاء بالعلاقات" بين تركيا والمملكة العربية السعودية. وحصل الفصل الأول من المصالحة في نهاية أبريل/نيسان عندما زار أردوغان الذي يخوض انتخابات رئاسية السنة المقبلة وعليه إنهاض اقتصاد يواجه صعوبات جمة في بلاده، السعودية حيث بحث مع ولي العهد في سبل "تطوير" العلاقات بين البلدين. وقبل ثلاثة أسابيع على ذلك، قرر القضاء التركي حفظ قضية مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي. وأحالت أنقرة الملف على السلطات السعودية بعدما وجهت اتهامات مبطنة لهذه السلطات بتنفيذ الجريمة. وفتح حفظ القضية المجال أمام التقارب مع الرياض. ويرى سونر كاغابتاي من معهد "واشنطن إنستيتوت فور نير إيست بوليسي" (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى)، أن "هذه الزيارة هي بين الأهم إلى أنقرة منذ قرابة عقد من الزمن". وأشار إلى أن الخلاف بين الرياض وأنقرة يعود إلى العام 2013 عندما دعم الرئيس أردوغان الرئيس المصري محمد مرسي الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وتأجج الخلاف لاحقا عندما تدخلت أنقرة في الأزمة الخليجية على اثر قرار كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، في خطوة كانت تستهدف دق اسفين في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي. لكن الأزمة انتهت بمصالحة تاريخية في قمة العلا التي استضافتها المملكة في يناير/كانون الثاني 2021 وأعادت الدفء للعلاقات بعد نحو ثلاث سنوات من التوترات. وساهم الحصار الذي فرضته السعودية على قطر، حليفة تركيا، لمدة ثلاث سنوات ومن ثم قضية خاشقجي في السنة التالية في تسميم العلاقات بين أنقرة والرياض. ويكثّف اردوغان المبادرات لتطبيع العلاقات مع قوى إقليمية بينها السعودية وإسرائيل والإمارات قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف يونيو/حزيران 2023، وفي وقت يقضي التضخم على قدرة الأتراك الشرائية. ويقول كاغابتاي "أردوغان وضع كبرياءه جانبا، فهو لديه هدف وحيد وهو الفوز بالانتخابات المقبلة"، مشيرا إلى أن الرئيس التركي الذي زار الإمارات في منتصف فبراير/شباط "يسعى بشتى الطرق إلى استقطاب استثمارات خليجية". وبعد عقدين على رأس الدولة، يواجه الرئيس التركي تراجعا كبيرا في قيمة الليرة التركية التي فقدت في العام الماضي نحو 45 بالمئة من قيمتها وفقدت في مطلع العام الحالي نحو 23 بالمئة من قيمتها، فيما بلغ التضخم 73.5 بالمئة بمعدل سنوي في مايو/ايار، ما أثّر كثيرا على القدرة الشرائية للأتراك ويلقي بظلال الشك على احتمال إعادة انتخابه، بحسب استطلاعات الرأي. ويستعد ولي العهد السعودي لطي صفحة التهميش الذي فرضه الغرب عليه، فالرئيس الأميركي جو بايدن سيزور المملكة حيث يلتقي الأمير محمد خلال جولة له في الشرق الأوسط هي الأولى منذ توليه الرئاسة في منتصف يوليو/تموز. وترى غونول تول مديرة برنامج تركيا في معهد "ميدل إيست إنستيتوت" في واشنطن أن "أحد الدوافع الرئيسية للسعودية هي إقامة جبهة سنية تشمل تركيا في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة". وقالت "مجموعة يوراسيا" في مذكرة أبحاث إن "المحادثات يمكن أيضا أن تشمل التعاون العسكري والدفاعي أو شراء أسلحة لأن السعوديين يرغبون في استطلاع فرص تنويع مزوديهم"، بينما يسود اعتقاد أيضا أن المملكة قد تعقد صفقات لشراء المسيرات التركية التي اثبتت فعاليتها في ساحات صراع خارجية. لكن غونول تؤكد أن الأمير "محمد بن سلمان لن ينسى بسهولة موقف تركيا خلال قضية خاشقجي، ففي تلك الفترة كان ولي العهد السعودي يسعى إلى الترويج لصورته كرجل إصلاحات في البلاد وعلى الساحة الدولية، إلا أن تركيا ألحقت ضررا كبيرا بهذه الصورة" من خلال الحملة التي قادتها لتشويه صورة المملكة ودورها الإقليمي موظفة قضية خاشقجي لتحقيق هذا الهدف. لكن الإجراءات التي اتخذتها السعودية وطريقة تعاملها الهادئ والقانوني مع مقتل خاشقجي قطع الطريق على محاولات تركية لتدويل القضية وتوظيفها سياسيا.

مشاركة :