أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن القيمة الإجمالية لواردات وصادرات الصين بلغت في شهر مايو المنصرم 3.45 تريليونات يوان محققة نمواً قدره %9.6 على أساس سنوي، وانتعش معدل النمو بشكل كبير تجاوز توقعات السوق. وقد تحقق هذا الإنجاز في الآونة الأخيرة في ظل اندلاع الجائحة في عدة أماكن بالصين، فأين يكمن السر في ذلك؟ هنا لا بد من الحديث عن سياسة «صفر - كوفيد الديناميكية» التي التزمت بها الصين دائماً. سياسة الصفر الديناميكي هي أولاً سياسة تعمل على التوفيق بين السيطرة على الجائحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لم تطبق الإجراءات الصارمة للوقاية من الجائحة إلا في الأماكن التي يتفشى فيها الوباء بشكل خطير، أما في المناطق الأخرى فكانت الحياة طبيعية، لذلك تحقق ضمان الحركة الطبيعية للاقتصاد والمجتمع في معظم مناطق الصين رغم تبني إجراءات الإغلاق في شانغهاي. وحتى في المدن التي اعتمدت عمليات الإغلاق، فإن هذه الإجراءات هي لضمان الاحتياجات المعيشية الأساسية لحياة المواطنين، ومع تحسن الأوضاع تم تعزيز استئناف العمل والإنتاج بشكل متزامن ومنتظم. كما اتخذت الحكومة الصينية أيضاً سلسلة من الإجراءات الفعالة واحترازات ضمانية تعود بالنفع على الشركات، ومن ذلك على سبيل المثال تخفيض الضرائب وخفض الرسوم وسلاسة اللوجستيات واستقرار سلاسل التوريد والسلاسل الإنتاجية وغيرها. وتهدف سياسة الصفر الديناميكي في حد ذاتها إلى الحد من التأثير السلبي للجائحة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في وقت وجيز، والعمل قدر المستطاع على إعادة الاقتصاد والمجتمع إلى طبيعتهما، بدلاً عن التنمية التي «ترافقها الجائحة». ومن هنا يمكن أن نرى أن الأداء الجيد للتجارة في الصين في شهر مايو لم يكن صدفة. تجارب الصين السابقة في مكافحة الجائحة تثبت أن سياسة الصفر الديناميكي فعالة للغاية. حققت الصين قبل عامين انتصاراً كبيراً على الجائحة في مدينة ووهان، كما نجحت أيضاً في القضاء على انتشار متحور دلتا وغيرها من سلالات كورونا الجديدة وضمنت الاستقرار العام لاقتصاد الصين ومجتمعها، وتعد الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي حافظ على نمو إيجابي في عام 2020 في العالم، فالاقتصاد الصيني حقق في عام 2021 نسبة نمو قدرها %8. وأحرزت جهود السيطرة على الجائحة حالياً في شانغهاي ومناطق أخرى نتائج ملحوظة، وعادت الحياة الاجتماعية تدريجياً إلى طبيعتها. سياسة الصفر الديناميكي هي سياسة تقوم على الأوضاع الداخلية في الصين. لا يمكن أن نقارن متحور أوميكرون مع الفيروسات المعدية العادية من حيث الانتشار واختراق الجهاز المناعي والعدوى، وخاصة فيما يتعلق بكبار السن وغيرهم من الفئات الهشة التي يُحدث بينها نسبة أعلى من الإصابات الخطيرة والوفيات. وتفيد الإحصاءات أن نسبة العدوى في أوروبا تبلغ حالياً %29 وفي الولايات المتحدة %24 أما في الصين فتبلغ فقط 0.1 %. أدى اختيار الولايات المتحدة لـ«الانبطاح» إلى تجاوز عدد الوفيات بسبب الالتهاب الرئوي الناتج عن جائحة كوفيد 19 حاجز مليون وفاة وهو ما أدى إلى تحول عشرات الآلاف من الأطفال إلى أيتام. ويبلغ عدد المواطنين الصينيين ممن تجاوزوا سن الـ60 أكثر من 267 مليون نسمة، وانطلاقاً من عدوى متحور أوميكرون الاختراقية فإن الصين في حال تخلت عن سياسة الصفر الديناميكي سيكلفها ذلك ثمناً باهظاً يتمثل في فقد ملايين الأرواح أو أكثر، كما أن الموارد الطبية ستستنزف بشكل شديد وهو ما سيشكل صدمة قوية لنظام الحياة الاجتماعية ونفسية المواطنين، ولا يمكن تخيل عاقبة ذلك. وباعتبار أن حكومة الشعب الصينية تضع مصالح الشعب والحياة في المقام الأول فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي وتراقب حدوث مثل هذا الوضع. سياسة الصفر الديناميكي هي قرار مبني على العلم. عبرت منظمة الصحة العالمية عن أن المخاطر المتعلقة بمواصلة تحور الفيروس هي مخاطر غير معلومة إلى الآن، وهناك تجارب تبرهن على أن تحور الفيروس من السهل أن يحدث في بيئة كان الوباء فيها خارج نطاق السيطرة بشدة لفترة طويلة. وتعمل سياسة الصفر الديناميكي على السيطرة على الجائحة في وقت قصير وتجعله يتراجع وتمنعه من خلق فرصة للتحور. ويكمن جوهر هذه السياسة في «السرعة» وتحقق الاكتشاف السريع والمعالجة السريعة. فالتحرك بشكل أسرع هو الضامن للبقاء متقدماً بخطوة في المعركة ضد الفيروس، وفي حال حدث تراخٍ في التمسك بسياسة الصفر الديناميكي فسيتم تفويت أفضل وقت لمكافحة الوباء، وستكون التكلفة اللاحقة أكبر. يقول الصينيون إن «الألم القصير أفضل من الألم الطويل» ولا تسعى سياسة الصفر الديناميكي إلى صفر إصابات، بل تعمل على قطع تفشي الجائحة في المناطق وعدم زيادة العدوى على نطاق أكبر، حيث يخلق ذلك الكثير من عوامل عدم اليقين للاقتصاد الوطني بشكل عام وحتى الاقتصاد العالمي. لذلك، فإن سياسة مكافحة الوباء، التي تهدف إلى حماية حياة الناس وصحتهم إلى أقصى حد، وتقليل تأثير الوباء على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قد حظيت بدعم واسع من الشعب الصيني، كما ظهرت العديد من القصص المؤثرة للمتطوعين المناهضين للوباء، وأتطلع إلى فرصة لمشاركتها معكم. ولا بد من الإشارة إلى أن دولة الإمارات طورت نموذجاً ناجحاً لمكافحة الجائحة مناسباً لها بناءً على وضعها الفعلي، وحققت بكفاءة توازناً بين منع ومكافحة الجائحة، والتنمية الاقتصادية، وخلقت بيئة وظروفاً آمنة للنشاط الاقتصادي جنباً إلى جنب مع التقيد الصارم بإجراءات الوقاية والمكافحة. قدمت التجربة الناجحة للصين والإمارات في مكافحة الوباء دروساً ينبغي على العالم الاستفادة منها. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :