اختتم وفد من صندوق النقد الدولي برئاسة جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط بالصندوق، زيارته لتونس الساعية إلى الحصول على تمويل جديد في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها البلاد، بالتزامن مع مسار سياسي انتقالي يُفترض أن يؤسس لإصلاحات سياسية عميقة. وبدت زيارة الوفد كأنها استكشاف للموقف الرسمي التونسي من الإصلاحات الاقتصادية التي يشترطها الصندوق من أجل منح البلاد تمويلا جديدا، وهو ما أبدى الرئيس قيس سعيّد دعمه له. وقال الرئيس سعيّد لدى استقباله أزعور مساء الثلاثاء بقصر الرئاسة بقرطاج، إن صندوق النقد الدولي عليه أن يأخذ في الاعتبار العواقب الاجتماعية على الشعب التونسي بسبب الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها، مؤكدا في الآن ذاته ضرورة إدخال إصلاحات كبرى على الاقتصاد الوطني. وتتخوف عدة أوساط اقتصادية وسياسية في تونس من التداعيات التي ستترتب على الموافقة على الإصلاحات الاقتصادية التي يطلبها صندوق النقد الدولي، خاصة على السلم الاجتماعي، حيث تشمل التراجع عن الدعم للمواد الأساسية وغيرها. الرئيس سعيّد قال إن الصندوق عليه أن يأخذ في الاعتبار العواقب الاجتماعية على التونسيين بسبب الإصلاحات وتسعى السلطات التونسية للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على حزمة إنقاذ بحوالي 4 مليارات دولار تمكنها من استكمال موازنتها لعام 2022. ويشكل حصول تونس على القرض ضمن حزمة إصلاحات، استمرار تفاقم قيمة الدين العام المستحق على البلاد، رغم إيجابيات سترافقه تتمثل في إصلاحات اقتصادية ومالية. لكن الخاسر من التوصل إلى اتفاق، إلى جانب فاتورة الدين العام، هو المواطن الذي سيتحمل جزءا من برامج الإصلاح، خاصة المرتبطة برفع الدعم وتجميد فاتورة رواتب الموظفين. في المقابل، فإن فشل المفاوضات بين الجانبين سيبقي على البلاد في مرحلة تراجع، لأسباب مرتبطة بضعف ثقة رأس المال الأجنبي والمانحين في اقتصاد البلاد. وكذلك قد تتفاقم الأوضاع الاجتماعية وتتصاعد وتيرة الإضرابات النقابية في ظل عدم تفهّم الاتحاد العام التونسي للشغل للوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، وذلك وسط مطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية في قطاعات تأثرت سلبا خلال جائحة كورونا. وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية تفاقمت حدتها مع الجائحة وتداعيات حرب أوكرانيا، وأيضا عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه والذي لم ينته، بعد إقرار الرئيس سعيّد جملة من القرارات في الخامس والعشرين من يوليو، حيث تواصل أحزاب مثل حركة النهضة التشويش على خطواته سواء داخليا أو خارجيا. وحسب آخر بيان لصندوق النقد الدولي حول تونس نهاية مارس الماضي، تواجه البلاد تحديات هيكلية تتجلى من خلال الاختلالات العميقة في الاقتصاد الكلي، والنمو الضعيف والبطالة المرتفعة والاستثمارات القليلة والتفاوتات الاجتماعية. ويرى الصندوق أن “التقليص في عجز الميزانيّة من خلال نظام جبائي عادل، وتحكم حازم في كتلة الرواتب، وتوجيه الدعم بشكل أفضل وإصلاح معمّق للمؤسّسات العمومية، أمر ضروري للحد من اختلالات الاقتصاد الكلّي”. ومنتصف مايو 2021، شرعت تونس في محادثات تقنية مع صندوق النقد الدولي، لتتوقف بسبب عدم الاستقرار السياسي، لتعاود استئنافها في نوفمبر الماضي. وتعطلت هذه المشاورات مع صندوق النقد العديد من المرات، بسبب الجدل الحاصل حول برنامج الإصلاحات المقدم من الحكومة. ويرفض الاتحاد العام للشغل (أكبر منظمة نقابية) ما نشر من مقترحات إصلاحية بين تونس وصندوق النقد، معتبرا أنه لا يمكن إصلاح الاقتصاد في تونس دون استقرار سياسي. 12.6 مليار دينار ما تحتاجه تونس لتمويل عجز ميزانية 2022 ويشترط صندوق النقد الدولي على السلطات التونسية لتقديم القرض الجديد، موافقة مختلف الأطراف الاجتماعية على برنامج الإصلاحات. وفي أحدث تقرير لها، حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن التوترات السياسية التي تمر بها تونس تعرقل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وتعتقد فيتش أن بإمكان الحكومة واتحاد الشغل التوصل إلى توافق حول مجموعة الإصلاحات الاقتصادية، التي يمكن أن تطلق تمويل صندوق النقد وتدعم الموقف الخارجي للبلاد. وفي مارس الماضي، أكد متحدث صندوق النقد جيري رايس أن “المفاوضات مع السلطة التونسية شهدت تقدما جيدا.. وصندوق النّقد الدولي لا يزال وسيبقى شريكا قويا لتونس”. وتحتاج تونس قروضا خارجية بمقدار 12.6 مليار دينار (4.05 مليار دولار) لتمويل عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ12.1 مليار دينار (3.89 مليار دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021. وإلى نهاية شهر أبريل 2022، بلغ الدين العام لتونس 106.5 مليار دينار (34.2 مليار دولار)، مقارنة بـ98.9 مليار دينار (31.8 مليار دولار) قبل سنة. ويتوزع هذا الدين العام إلى 41.9 مليار دينار (13.4 مليار دولار) قرض داخلي و64.6 مليار دينار (20.7 مليار دولار) قروض خارجية. وتتوقع الحكومة التونسية أن يصل حجم الدين العام إلى 114.1 مليار دينار (36.7 مليار دولار) في كامل العام 2022، أي 82.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويأتي ذلك في وقت تكثف فيه تونس من استعداداتها لأول استحقاق سياسي هام سيكون بمثابة الاختبار لشعبية الرئيس سعيد وهو الاستفتاء الشعبي على الدستور في الخامس والعشرين من يوليو المقبل وسط مساع من الحكومة لتنفيذ الإصلاحات رغم الرفض الذي يبديه اتحاد الشغل لذلك والذي قام بخطوات تصعيدية كان أولها الإضراب العام الذي شنه في القطاع العام قبل أيام.
مشاركة :