صندوق النقد يتنصل من الإصلاحات الاقتصادية القاسية في تونسقال اقتصاديون إن تنصل صندوق النقد الدولي من دوره في تطبيق الإصلاحات التونسية القاسية وسياسات التقشف التي تسببت في احتجاجات شعبية مؤخرا، يتناقض مع المواقف السابقة للمؤسسة المالية الدولية، التي أشاد خبراؤها بإجراءات التقشف التي تضمنتها موازنة 2018.العرب [نُشر في 2018/01/20، العدد: 10875، ص(10)]غليان الأسعار ينخر جيوب المواطنين واشنطن – سارع صندوق النقد الدولي إلى تقديم تبريرات بشأن مسار الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة التونسية والذي أجج غضب شريحة واسعة من المواطنين مع دخول موازنة هذا العام حيز التنفيذ. وقال جيري رايس المتحدث باسم الصندوق إن “الصندوق لا يريد إجراءات تقشف في تونس وإنه اقترح برامج لحماية الفقراء من تأثير الإصلاحات الاقتصادية”، مشيرا إلى أن الإحباط الذي يشعر به التونسيون “مفهوم”. واللافت أن هذا التعليق جاء بعد أيام من إشادة الصندوق في تقرير نشره الأسبوع الماضي بموازنة 2018 لتونس. وقال إنها تتضمن إجراءات طموحة لتعزيز الإيرادات الضريبية واحتواء فاتورة دعم الطاقة وكبح فاتورة نمو الأجور. ولم تتمكن الحكومة من إحداث اختراق في الأزمة الاقتصادية والتي طفت على السطح في شكل احتجاجات شعبية على تدابير التقشف القاسية وتباطؤ وتيرة الإصلاحات بما يحسن من معيشة المواطنين بعد سبع سنوات من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي. وحاول رايس الدفاع عن مؤسسته في مواجهة النظرة “التي مر عليها الزمن” بأن صندوق النقد هو الذي يتسبب في هذه المعاناة، وقال “أنا أتحدث باسم صندوق النقد، نحن لا نريد التقشف. ما نريده إصلاحات مصممة ومنفذة بشكل جيد ومتوازنة اجتماعيا”. وأشار إلى أن الصندوق أيّد برامج دعم مستمرة للمواد التموينية الرئيسية، إضافة إلى رفع الضرائب على الكماليات وتعزيز تمويل الرواتب التقاعدية والرعاية الصحية. وألقى رايس باللوم على السلطات التونسية التي يبدو أنها لم تعرف كيف تسيير الأمور حين قال إنه “في نهاية المطاف برنامجهم، وليس شيئا مفروضا من صندوق النقد”.جيهان شندول: تونس لم يكن لديها هامش من المناورة لمناقشة شروط صندوق النقد وأوضح أن الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل خفض الحجم الهائل للقطاع العام وإصلاح النظام الضريبي هي الوسيلة الفضلى لتحقيق “النمو والعدالة”. ومع ذلك اعتبر رايس أن البرنامج يسعى لمواجهة “قضايا متجذرة وقديمة، لذا لا يمكننا توقع رؤية النجاح بين ليلة وضحاها”. ويحمل كثير من الاقتصاديين في تونس الحكومة المسؤولية في اللجوء إلى صندوق النقد لحل الأزمة التي بدأت تكبر ككرة الثلج رغم مساعي السلطات في كل الاتجاهات لإعادة مؤشرات النمو إلى التعافي. وقالت الخبيرة الاقتصادية التونسية جيهان شندول في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” البريطانية إنه “منذ انتفاضة عام 2011 فرض صندوق النقد مدعوما بمجموعة الدول الكبرى الثماني إجراءات اقتصادية على تونس انعكست على المواطنين بشكل مباشر”. وأوضحت أن المؤسسات الدولية عرضت قروضا ضخمة على دول تضررت من “الربيع العربي” منها تونس مقابل دعم التحول المجتمعي عبر مؤسسات ليبرالية حداثية، واستغل صندوق النقد الأوضاع المتردية للضغط في هذا الاتجاه. وأشارت شندول إلى أن تونس لم يكن لديها هامش من المناورة لمناقشة شروط هذه القروض التي أدت إلى شراكة اقتصادية يقودها صندوق النقد وهي نفس الاتفاقات التي وقعتها حكومات كل من مصر والمغرب والأردن. ويجمع محللون على أن تلك القروض أدت في النهاية إلى أن احتمالية التغيير حاليا في تونس أقل مما كانت عليه قبل سبع سنوات، لكن الاحتجاجات المتزايدة تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية باتت لا تطاق. وحتى اليوم لم تترجم الاستثمارات التي تم الإعلان عنها خلال مؤتمر “تونس 2020” في أواخر 2016 على أرض الواقع، وهو سبب كاف، بحسب المحللين، حتى يشعر أغلب المواطنين باقتراب نفاد صبرهم. ويبدو أن ذلك الأمر قمة جبل المشاكل الظاهرة فقط والتي انعكست تداعياتها على قيمة الدينار الذي انهار أمام اليورو والدولار مع تبخر احتياطات النقد الأجنبي، ما أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وبعد احتواء التضخم لعدة سنوات، ارتفعت الأسعار العام الماضي بنحو 6 بالمئة على خلفية انخفاض العملة المحلية وارتفاع الضرائب. ويرى العديد من المحللين وخبراء الاقتصاد أن التضخم سيستمر في الارتفاع العام الحالي. وينظر إلى تونس أنها تمكنت من تحقيق انتقال ديمقراطي سلس في السلطة منذ عام 2011، لكن بعد سبع سنوات عاد الغضب يتصاعد في صفوف المواطنين بسبب إجراءات تقشف جديدة تأتي بعد عام على ارتفاع الأسعار. ودعم صندوق النقد تونس من خلال برنامج قرض قيمته 2.9 مليار دولار على مدى أربع سنوات حتى يساعدها في الخروج من أزمتها، في مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية لمعالجة الاختلالات المالية. ويتوقع أن تتم الموافقة على الدفعة الثالثة من القرض البالغ قيمته 320 مليون دولار في الربع الأخير من هذا العام، ما يجعل إجمالي المبالغ المدفوعة تصل إلى مليار دولار. وواجهت تونس سلسلة من الصدمات منذ عام 2007 وشهد معدل نموها هبوطا كبيرا عام 2011، لكن الاقتصاد بدأ بالتعافي منذ عام 2014. ومن المتوقع أن يظهر الاقتصاد توسعا بنسبة 2.3 بالمئة هذا العام و3 بالمئة العام المقبل.
مشاركة :