لعدة أسباب واعتبارات كان لزامًا على أبناء الوطن التعرف على المعالم الحضارية والتاريخية والدينية في وطنهم الذين ولدوا وترعرعوا فيه، ففي الوقت الذي يجوبون فيه دول العالم من أجل السياحة، ويدخلون في أثناء سفرهم الجوامع والكنائس والمعابد لمعرفة تاريخها ودورها المجتمعي، هم في وطنهم يجهلون أبسط المعلومات المتعلقة بدور العبادة فيها، وإن عرفوا فلربما من الخارج، لذا حري بكل مواطن التعرف على وطنه من الداخل لأن (الجهل عدو الإنسان) كما جاء عن جلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة في إعلان مملكة البحرين والمتعلق بالتسامح والتعايش السلمي. في مبادرة تُعتبر هي الأولى من نوعها لتعزيز التعايش السلمي بالبحرين، تطبيقًا لا شعارات ترفع، فقد نظمت مجموعة بحرينية رحلة سياحية إلى دور العبادة المنتشرة على أرض الوطن، وهذه الشريحة تؤمن بالقيم الإنسانية والحضارة البشرية، لذا هم أصدقاء السلام وسفراء التعايش السلمي، فكان برنامج المبادرة (البحرين أرض التعايش) يشمل مركز أحمد الفاتح الإسلامي، وباب البحرين، وسوق المنامة، ومعبد الهندوس، وكنيسة الوصايا العشر اليهودي، ومأتم العجم الكبير، وكنيسة القلب المقدس، وكاتدرائية سيدة شبه الجزيرة العربية، واختتمت الرحلة في نادي بابكو عوالي لتناول العشاء وشرب القهوة. هذه المبادرة انطلقت من أجل التعرف على الوجه الحضاري للبحرين، وهو الوجه الذي تشيد به دول العالم ومنظماته، فرؤية هذه المبادرة أن يكون بالمجتمع أناس يحملون فكر الوسطية والاعتدال وقبول الآخر، وأن يكونوا فاعلين في هذا المجال. ومن أبرز مكاسب هذه المبادرة هو تعزيز الانتماء والولاء الوطني وهذا ما شاهدناه في عيون المشاركين، فهذه المبادرة ذاتية لا تنتمي لجمعية أو مؤسسة أو مركز، إنما شباب بحريني أراد التعرف على وطنه الذي ولد وتربى فيه، والمختلف في هذه المبادرة أنها استهدفت دور العبادة؛ جامع ومسجد ومآتم وكنيسة ومعبد، وهذه السياحة الدينية التي تتميز بها البحرين، وهو ما أعجب الكثير من المهتمين بتطور المجتمعات. للأمانة، فإن القائمين على المراكز الدينية والثقافية التي قمنا بزيارتها كانوا على قدر المسؤولية، فلديهم الخبرة الكاملة للتعريف بتلك المراكز، وأهميتها ودورها ونشاطها الاجتماعي، وهي ترحب بالجميع، أفرادًا وجماعات، ولكن لابد من التنسيق معها لتوفير الخدمات اللازمة من استقبال وترحيب وغيرها. مبادرة البحرين أرض التعايش حققت الكثير من الأهداف، ومنها، الاستفادة من فكر وفلسفة جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة رائد وقائد السلام والتعايش السلمي بالعالم، فالبحرين اليوم أصبحت من الدول التي يشار إليها بأنها موطن كل البشر باختلاف أديانهم ومذاهبهم وثقافاتهم، لذا كم هو جميل حين ترى المسجد والمأتم والكنيسة والمعبد متجاورين، ورغم الاختلاف الديني بينهم إلا أنهم يحملون نفس الرسالة التي أطلقها جلالة الملك المفدى. ومن الأهداف التي تحققت أن المشاركين وعددهم 25 شخصًا قد تعرفوا على حرية التعبد والمعتقد على أرض البحرين، سمعوا كثيرًا ولكنهم في هذه الرحلة تعرفوا عليها بأعينهم، وأكثر من ذلك أنهم تعرفوا على الأماكن التعبدية المختلفة من الداخل، وحصلوا على إجابات وافية لتساؤلاتهم. كذلك هذه المبادرة أخذت صفة الرحلة السياحية الدينية فكان استخدام الحافلة (جنغل باص) هو بحد ذاته متعة وسياحة، فهذه الحافلة تختلف عن بقية الحافلات، ففيها رائحة (زمن الطيبين) الذين استخدموها للتنقلات والرحلات و(الكشتات)؛ والجنغل باص يكسر حاجة الخوف من الآخر حين يكون الجلوس متقابلين، فمنذ اللحظة الأولى يتعرف الجميع على بعض، ويتم تناول الشاي والقهوة والحلوى والمكسرات والفواكه الممزوجة بالسوالف والضحكات و(الغشمرة)، فيتحول المشاركون من مرحلة العزلة والغربة إلى حالة الاندماج والتعرف والأخوة، وهذا ما حصل في رحلة تجاوزت مدتها المتفق عليها دون ملل ولا كلل، بل كان الجميع يتمنى المزيد من المعرفة. هذا الحراك المجتمعي يؤكد على مستوى الثقافة التي يتمتع بها البحريني، فرغم دعوات عدم الدخول إلى دور العبادة في البحرين والتي انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولات التسقيط للمشاركين إلا أن زيارة كل الأماكن بالبحرين (الوطن الذي يعشقه الجميع) قد تم وبنجاح، فأعداء الوطن حاولوا إسقاط الأحداث في بعض الدول على الشأن الداخلي، وإعادة مصطلحات التكفير والكراهية وهذا أسلوب الفاشلين، فالبحرين هي وطن الجميع، وكل بقعة فيها هي للجميع، والحمد لله كل دور العبادة التي زرناها أو غيرها هي أبواب مشرعة ومفتوحة لدعاة أصدقاء السلام وسفراء التعايش.
مشاركة :